يبحث العلماء باستمرار عن علاجات فعالة ونهائية للأمراض المزمنة كمرض السكري.. وقد كشفت تقارير جديدة أنه يمكن باستخدام الخلايا الجذعية التي تنتج الأنسولين كعلاج مرض السكري النوع الأول.
علاج جديد لمرضى السكري من النوع الاول
وأفادت التقارير، عن حالة مريض اسمه براين شيلتون، الذي وُصفت حياته بكونها محكومة بمرض السكري من النوع الأول، وعندما ينخفض مستوى السكر في دمه يفقد وعيه دون سابق إنذار. وفي إحدى الحوادث، فقد وعيهفي ساحة العمل أثناء توصيل البريد. وبعد ذلك، أمره مشرفه بالتقاعد بعد ربع قرن في خدمة البريد وكان عمره 57 عاما.
ونتيجة لذلك، أخذته زوجته السابقة، سيندي شيلتون، إلى منزلها في إليريا، بولاية أوهايو الأمريكية. وقالت: "كنت أخشى أن أتركه وحده طوال اليوم".
وفي وقت مبكر من هذا العام، رصدت دعوة للأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الأول للمشاركة في تجربة إكلينيكية تجريها Vertex Pharmaceuticals، وكانت الشركة تختبر علاجا مطور على مدى عقود من قبل عالم تعهد بإيجاد علاج بعد إصابة ابنه وابنته المراهقة بمرض السكري.
وكان شيلتون هو المريض الأول. في 29 يونيو، حصل على حقنة من الخلايا، نمت من الخلايا الجذعية ولكن مثل خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين التي يفتقر إليها جسمه، وبعد ذلك أصبح جسمه يتحكم بشكل تلقائي في مستويات الأنسولين والسكر في الدم، وفقا لما نشر في موقع "نيويورك تايمز".
وبعتبر شيلتون، البالغ من العمر الآن 64 عاما، أول شخص يتعافى من المرض بإستخدام الخلايا الجذعية، وقال: "إنها حياة جديدة تماما. إنها تبدو كمعجزة".
وبدأ كل شيء ببحث دام 30 عاما لعالم الأحياء في جامعة هارفارد، دوغ ميلتون. لم يفكر الدكتور ميلتون كثيرا في مرض السكري حتى عام 1991، عندما بدأ طفله سام البالغ من العمر ستة أشهر يرتجف ويتقيأ ويلهث؛ حيث عبر ميلتون : "كان مريضا جدا، وطبيب الأطفال لم يكن يعرف ما السبب". وقام هو وزوجته، غيل أوكيف، بنقل طفلهما إلى مستشفى بوسطن للأطفال، وتبين أن بول سام ممتلئ بالسكر علامة على مرض السكري.
وأُوضح ميلتون، أن مرض السكري يحدث عندما يقوم الجهاز المناعي للجسم بتدمير خلايا البنكرياس التي تفرز الأنسولين، غالبا ما يبدأ في سن 13 أو 14 عاما. وعلى عكس مرض السكري النوع 2 الأكثر شيوعا والأكثر اعتدالا، يكون النوع الأول قاتلا بسرعة ما لم يحصل المرضى على حقن الأنسولين، ولا أحد يتحسن تلقائيا.
وبالنسبة للدكتور ميلتون والسيدة أوكيف، كانت رعاية طفل مصاب بالمرض مرعبة، واضطرت أوكيف إلى وخز أصابع وأقدام سام لفحص سكر الدم أربع مرات في اليوم. ثم كان عليها أن تحقنه بالأنسولين، وبالنسبة لطفل صغير في السن، لم يبع الأنسولين بالجرعة المناسبة. كان على والديه أن يخففاها.
ويتذكر ميلتون قائلا: "قالت لي غيل، إذا كنت أفعل هذا، فعليك اكتشاف هذا المرض اللعين". وبمرور الوقت، أصيبت ابنتهما إيما، التي تكبر سام بأربع سنوات، بالمرض أيضا، عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها.
وكان ميلتون يدرس تطور الضفادع لكنه تخلى عن هذا العمل، مصمما على إيجاد علاج لمرض السكري. وتحول إلى الخلايا الجذعية الجنينية، والتي لديها القدرة على أن تصبح أي خلية في الجسم. وكان هدفه هو تحويلها إلى خلايا جزيرة لعلاج المرضى.
وكانت إحدى المشكلات هي مصدر الخلايا - فقد جاءت من بويضات مخصبة غير مستخدمة من عيادة الخصوبة، واضطر ميلتون إلى فصل مختبر الخلايا الجذعية الخاص به عن أي شيء آخر في جامعة هارفارد، وحصل على تمويل خاص من معهد هوارد هيوز الطبي وجامعة هارفارد لإنشاء مختبر منفصل تماما.
وعلى مدار العشرين عاما التي استغرقها المختبر من 15 شخصا أو نحو ذلك لتحويل الخلايا الجذعية بنجاح إلى خلايا جزيرية، يقدر الدكتور ميلتون تكلفة المشروع بحوالي 50 مليون دولار، وكان التحدي هو معرفة تسلسل الرسائل الكيميائية التي ستحول الخلايا الجذعية إلى خلايا جزيرة تفرز الأنسولين. وتضمن العمل كشف التطور الطبيعي للبنكرياس، ومعرفة كيفية تكوين الجزيرات في البنكرياس وإجراء تجارب لا نهاية لها لتوجيه الخلايا الجذعية الجنينية إلى جزر صغيرة.
وبعد سنوات من عدم نجاح أي شيء، كان فريق صغير من الباحثين، بما في ذلك فيليسيا باغليوكا، باحثة ما بعد الدكتوراه، في المختبر ذات ليلة في عام 2014، لإجراء تجربة أخرى. وقالت: "لم نكن متفائلين للغاية"، حيث وضعوا صبغة في السائل لتنمو الخلايا الجذعية. وسيتحول لون السائل إلى اللون الأزرق إذا صنعت الخلايا الأنسولين، ثم رأت مسحة زرقاء باهتة أصبحت داكنة وأكثر قتامة. ولأول مرة، نجحوا في صناعة خلايا جزيرة البنكرياس العاملة من الخلايا الجذعية الجنينية. ثم ظهرت حالات تمثل المراحل التي يجب أن تمر بها الخلايا الجذعية لتصبح خلايا جزيرة عاملة. وكانوا يأملون دائما في الحصول على اللون الأرجواني، لكنهم ظلوا عالقين في اللون الأخضر حتى ذلك الحين، وكانت الخطوة التالية للدكتور ميلتون، وهو يعلم أنه سيحتاج إلى المزيد من الموارد لصنع دواء يمكن أن يصل إلى السوق، هي إنشاء شركة.
وأصاب البحث الجديد خبراء السكري بالدهشة لكنهم حثوا على توخي الحذر؛ حيث أن الدراسة مازالت مستمرة وستستغرق خمس سنوات، وتشمل 17 شخصا يعانون من حالات شديدة من مرض السكري النوع الأول، ولا ينطبق الامر على علاج مرض السكري من النوع 2 الأكثر شيوعا.
وقال الدكتور إيرل هيرش، خبير السكري في جامعة واشنطن والذي لم يشارك في البحث: "كنا نبحث عن شيء كهذا حرفيا لعقود". إنه يريد أن يرى النتيجة، التي لم تُنشر بعد في مجلة تمت مراجعتها من قبل الأقران، وتكرر لدىالعديد من الأشخاص. كما يريد أن يعرف ما إذا كانت هناك آثار ضارة غير متوقعة وما إذا كانت الخلايا ستستمر مدى الحياة أو إذا كان سيتعين تكرار العلاج، ولكنه قال: "خلاصة القول، إنها نتيجة مذهلة".
كما وافق الدكتور بيتر بتلر، خبير مرض السكري في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، الذي لم يشارك أيضا في البحث، على ذلك مع عرض المحاذير نفسها، وقال "إنها نتيجة رائعة أن تكون قادرا على عكس مرض السكري من خلال إعادة الخلايا المفقودة إلى الجسم يشبه المعجزة عندما كان الأنسولين متاحا لأول مرة منذ 100 عام".
وافاد الدكتور بتلر : "إنه مرض رهيب، فظيع". كما أن المرضى معرضون لخطر الإصابة بالعمى، وهو أيضا السبب الرئيسي للفشل الكلوي. ويتعرض الأشخاص المصابون بداء السكري من النوع الأول لخطر بتر أرجلهم والموت في الليل بسبب انخفاض نسبة السكر في الدم لديهم أثناء النوم. ويزيد مرض السكري بشكل كبير من احتمالية الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية، كما يضعف جهاز المناعة، بالإضافة إلى عبء المرض ارتفاع تكلفة الأنسولين، الذي ينمو سعره كل عام.
وكُشف بتلر، أنالعلاج الوحيد الذي نجح على الإطلاق هو زرع البنكرياس أو زرع مجموعات الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس، والمعروفة باسم خلايا الجزيرة، من بنكرياس متبرع بالأعضاء. ولكن النقص في الأعضاء يجعل مثل هذا النهج مستحيلا بالنسبة للغالبية العظمى من المصابين بالمرض.
وقال الدكتور علي ناجي، جراح زرع الأعضاء في جامعة بنسلفانيا، والذي كان رائدا في عمليات زرع الخلايا الجزيرية وهو الآن الباحث الرئيسي في التجربة التي عالجت شيلتون: "حتى لو كنا في المدينة الفاضلة، فلن يكون لدينا ما يكفي من البنكرياس أبدا".
وتمثل أحد التحديات في معرفة كيفية زراعة الخلايا الجزيرية بكميات كبيرة بطريقة يمكن للآخرين تكرارها. واستغرق ذلك خمس سنوات.
واختبرت الشركة، بقيادة باستيانو سانا، خبير العلاج بالخلايا والجينات، خلاياها على الفئران، وأظهرت أنها تعمل بشكل جيد وتعالج مرض السكري لدى القوارض، ولن تعلن الشركة عن سعر لعلاجها من مرض السكري حتى تتم الموافقة عليه. ولكن من المحتمل أن يكون باهظ الثمن.