تحل اليوم ذكرى ميلاد الكاتب الكبير نجيب محفوظ، والذي عاش حياة ثرية، قدم من خلالها الكثير من الأعمال الروائية، والتي بفضلها استحق جائزة نوبل، إلا أنه رغم ذلك لم يأخذ حقه بشكل كامل على مستوى السينما والتلفزيون، إذ لم يقدم أي عمل فني يجسد حياة أديب نوبل، ولم تفلح الكثير من المحاولات لتقديم سيرته الذاتية، والتي ظلت لسنوات عبارة عن محاولات لم تر النور في نهاية الأمر.
لذلك حاورنا المخرجة الكبيرة إنعام محمد عليّ والتي شرحت خلال حوارها مع "صدى البلد" سبب عزوف الكثير من المنتجين والمخرجين عن تقديم السير الذاتية، بجانب تقديمها تحليلًا شاملًا للوضع الراهن، والذي لا تتوقع من خلاله أن نرى عملًا فنيا يقدم سيرة أديب نوبل في الفترة الحالية.
-لماذا تأخر إنتاج عمل فني يقدم سيرة ذاتية لأديب نوبل نجيب محفوظ؟
كي نشاهد عمل فني عن نجيب محفوظ يجب أن تتوافر العديد من الخبرات المقدمة من مخرج العمل الفني، إذ إن تقديم محفوظ على الشاشة ليس بالأمر البسيط، لأن ذلك يتطلب من المخرج أن يقرأ إنتاج محفوظ بشكل كامل، وأن يقوم بدراسة العصر الذي عاش فيه نجيب محفوظ، وأن يكون على دراية بأصدقائه ومعارفه، فمحفوظ كان قريبا من صلاح أبو سيف، وهو الذي علمه كتابة السيناريو، لذلك فنحن إذا ما أردنا أن نرى محفوظ على الشاشة يجب أن نكون على علم بحياة المقربين منه، فأنا أحتاج لشخص يجسد دور صلاح أبو سيف؛ وأن يقنعني بأنه صلاح أبو سيف أيضا، لذلك فالأمر ليس بالهين.
-محفوظ كان شخصية منضبطة خلال حياته، فهل هو شخصية ثرية فنيًا؟
بالطبع أرى أنه شخصية ثرية فانضباطه هذا هو ما سوف يثري هذا العمل الفني فهو في بداية حياته كان شخص عبثي؛ كان يذهب للملاهي الليلية، لدرجة أنه في إحدى المرات "اتمسك تحري"، فقد مارس حياته في فترة شبابه، والملاحظ لأعماله يجد أنه لم يكتب أعماله من خلال التخيل فقط بل عبر عنها، فهو شخص لم يطل على الأحداث من بعد، بل كان مُمارس لها، لكنه انضبط عند الكبر وعندما بدأ يكتب، وحينها أدرك أنه يجب أن يكون له روتين يومي، بالإضافة إلى أنه كان منضبطًا في عملهِ، لذلك محفوظ سيكون شخصية ثرية لو فكرنا في إنتاج عمل عنه، وكذلك أفضل الاستعانة بنجوم من الصف الثاني وذلك لأن ملامحهم لم تعد مألوفة بعد للجمهور المشاهد، وأنا أفضل ذلك في السير الذاتية عمومًا، وأيضًا يجب التركيز على اختيار الشخصية بطريقة متأنية، فأنا أخذت وقت أكثر من سنة عندما قررت أن استعين بصابرين عندما جسدت شخصية أم كلثوم، وهذا بالفعل أثار صدمة بالفعل بسبب هذا الاختيار الذي وفقنا فيه في النهاية.
-تحدثت عن وجود صعوبات عند تقديم السيرة الذاتية هل يمكن توضيح الأمر بصورة أكبر؟
سأعطيك مثالًا مرة أخرى فأنا كما ذكرت استغرقت عام كامل في البحث عن شخصية تستطيع أن تجسد دور أم كلثوم، وسنتين لتحضير هذا العمل قبل أن يرى النور فالأمر ليس بسيطا أبدا بل يتطلب مجهود شاق، لأن دراسة الشخصيات أمر يتطلب الكثير من الوقت، لتقديمها بصورة جيدة، بالإضافة إلى عمليات البحث والقراءة عن جميع الشخصيات التي سوف تظهر في العمل الفني، فالأمر أشبه بالإعداد لرسالة ماجستير أو دكتوراه، وهي عملية معقدة. أتذكر أنني كنت أعطي لكل ممثل "داتا" عن الشخصية التي سيجسدها كي يكون على دراية كاملة بتفاصيل حياتها. فأنا عاصرت أم كلثوم وبالتالي كنت أريد أن تخرج هذا الشخصيات الموجودة بالعمل وتظهر كأنها صورة من الأشخاص الحقيقين الذين عاصرتهم أم كلثوم، وهذا ما فعلته في مسلسل أم كلثوم، إذ أردت خلق حالة من الزخم عند المشاهد وكأنه عاش مع أم كلثوم على الأقل لمدة 60 عاما من حياتها، بالإضافة إلى مناقشة هذا العصر من كافة جوانبه؛ سواء من خلال السياسة، أو الفن، أو المجتمع، فهذه مسألة صعبة للغاية. لذلك تجد أنه ليس شرطا أن تنجح جميع السير الذاتية المقدمة عبر الشاشة، فالقليل فقط هو الذي حقق نجاحا.
إذًا ولماذا الابتعاد عن تقديم السير الذاتية خلال الوقت الحالي من وجهة نظرك؟
هناك ابتعاد خلال الفترة الحالية عن تقديم السير الذاتية، وذلك لأن التصدي لها هو أمر شديد الصعوبة، فهي تتطلب تفرغ كامل، بالإضافة إلى مدة طويلة من الإعداد لها، وهذه أمور غير متوفرة خلال الفترة الحالية، إذ يتم يتم التسريع من وتيرة الأعمال الفنية كي تلحق شهر رمضان، بغض النظر عما إذا كان الأمر يمكن تحقيقه أم لا، وبالتالي لا يمكن تقديم سيرة ذاتية بهذه الطريقة وبهذه السرعة. وهناك أمر آخر وهو ارتفاع تكاليف السير الذاتية بجانب الاستسهال من جانب الكثيرين، فهناك ابتعاد عن تثقيف المجتمع، فما يهم القائمين على صناعة السينما خلال الفترة الحالية هو "تسلية المجتمع" وليس "تثقيفه أو تغييره" فالتثقيف العام سواء كان: تاريخي أو سياسي أو اجتماعي لا يتم إلا من خلال بعض الأعمال البسطة والتي لا تؤدي في النهاية إلى تثقيف عام، أو تبني قضية اجتماعية، فلم يعد هناك زخم عام لتلك الأعمال، مثل أعمال أسامة عكاشة، والذي كان دائما ما يناقش أجزاء من الواقع السياسي المصري أو الاجتماعي، وبالتالي يؤدي الأمر إلى تثقيف المجتمع بل وتغييره، من خلال تقديم ثقافة عامة للمشاهد، وفي نفس الوقت ننمي بداخله قيمة الانتماء، فهذه مسألة هامة، وقد فعلها هؤلاء لأنهم أحبوا وطنهم وأرادوا خدمته وتثقيف هذا الشعب من خلال الأعمال الفنية االتي سوف تظل خالدة، فهم شعروا بالمسئولية وحملوا هموم المجتمع، فلم يقعوا فريسة للمسلسلات التي تناقش قضايا عامة واجتماعية بسيطة، بل كانوا أصحاب مضامين ورؤية شاملة، وهو أمر أراه غائبًا خلال الفترة الحالية.
-وهل نحتاج لحلول جذرية؟
بالطبع لأن الوضع أصبح للأسف صعب للغاية فنحن لا ننتج سير ذاتية في الوقت الحالي، والجميع يفضلون الاستسهال، وبالتالي ينتجون أعمال درامية سيئة، فهم يأخذونها غالبًا من الخارج ثم يمصرونها من خلال إدخال تغييرات عليها، كما أن الموضوعات تخرج في النهاية متشابهة، وحتى لو كان العمل الدرامي أكشن أو اجتماعي فنحن يجب أن نشاهد جريمة قتل في بداية الحلقات، وبعد ذلك يدور حولها العمل الفني بأكمله، وبالتالي لا يوجد سير ذاتية ولا يوجد أعمال مأخوذة من أعمال أدبية، وأعتقد أن سبب تراجع دور السينما والدراما في الفترة الأخيرة أنها باتت تتبع القطاع الخاص الذي يهدف دائمًا إلى الربح ولا يهدف إلى تقديم رسالة واضحة للمجتمع، لذلك يجب حل الأمور بشكل جذري.