ذكر بملايين الحسنات.. لا شك أن ذكر الله تبارك وتعالى هو أعظم ما يمكن أن يقوم به المسلم، فضلاً أن يكون ذكر بملايين الحسنات، فقد جاء في القرآن الكريم آيات بينات تدل على عظمة ثواب الذكر وفضله يقول الله تبارك وتعالى :"فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِى وَلَا تَكْفُرُونِ".
يقول ابن كثير في تفسير الآية، فيما ذكره عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم: أن موسى، عليه السلام، قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربه: تذكرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
ويقول الحسن البصري، وأبو العالية، والسدي، والربيع بن أنس، إن الله يذكر من ذكره، ويزيد من شكره ويعذب من كفره، وقال بعض السلف في قوله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته) [ آل عمران: 102 ] قال: هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عمارة الصيدلاني، حدثنا مكحول الأزدي قال: قلت لابن عمر: أرأيت قاتل النفس، وشارب الخمر والسارق والزانى يذكر الله، وقد قال الله تعالى: (فاذكروني أذكركم) ؟ قال: إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته، حتى يسكت . وعن سعيد بن جبير: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وفى رواية: برحمتي.
ذكر بملايين الحسنات
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل الذكر فيما ورد عن معاذ - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده، وقال: "يا معاذ، والله إني لأحبك" فقال: "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك". رواه أبو داود بإسناد صحيح
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: «قل: اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني، وارزقني» . رواه مسلم.
كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته بفضل الذكر، فقال: "ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله عز وجل" صحيح الجامع.
ذكر بملايين الحسنات
وعن ذكر بملايين الحسنات يروي الإمام أحمد، والترمذي، والطبراني في الكبير من طريق الْخَلِيل بْن مُرَّةَ، عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، إِلَهًا وَاحِدًا أَحَدًا صَمَدًا، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ".
الذكر معناه .. درجاته وأشكاله
ورد لفظ الذكر في القرآن الكريم 268 موضع، منها قوله تعالى:"واذكروا الله"، وهو خلاف النسيان، وورد في القرآن بمعانٍ عديدة منها: الذكر باللسان، كما في قوله تعالى: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} (النساء:103)، ومنه "العبرة والعظة"، لقوله سبحانه: {فلما نسوا ما ذكروا به} (الأنعام:44)، أي: ما وُعِظوا به إلى غير ذلك من المعاني.
والذكر على ثلاث درجات، إما ذكر ظاهر: وهو إما ثناءٌ، أو رعايةٌ، أو دعاءٌ، فذكر الثناء كقول: "سبحان الله"، وذكر الدعاء كقول: "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، وذكر الرعاية كقول: "الله معي"، وذكر خفي: وهو التخلص من القيود، والبقاء مع الشهود، واستمرار المسامرة، وذكر الحقيقي: وهو ذكر الله -سبحانه- للعبد، وما سُمي حقيقيًّا إلّا لنسبته إلى الله -تعالى-.
كما أنه على ثلاثة أشكال، هي: ذكر القلب: ويتضح بالخضوع لله سبحانه، والاعتقاد بوحدانيه، واستحقاقه للعبادة، واليقين بكمال صفاته وجلال أسمائه - جل وعلا-، ويكون بالاستسلام له في سائر الشؤون، وصدق التوكل عليه، والخوف منه، ورجائه، ذكر الجوارح: ويظهر في الامتثال بطاعة الله سبحانه، والانتهاء عن نواهيه، وحفظ السمع والبصر عمّا حرّم، والغضب عند انتهاك حرماته، والانشغال عمومًا بعبوديّته تعالى.
وأيضاً ذكر اللسان: ويكمن بتلاوة القرآن الكريم ودوام شكره والثناء عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإفشاء السلام، وتعليم الجاهل والإصلاح بين الناس، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي تُؤدى باللسان.
ذكر بملايين الحسنات
ويقسم القاضي عياض الذكر إلى نوعين فيقول: "ذكر الله ضربان: ذكر بالقلب فقط، وذكر باللسان أي مع القلب، وذكر القلب نوعان، وهو أرفع الأذكار، وأجلها التفكر في عظمة الله وجلاله وآياته ومصنوعاته العلوية والسفلية. والثاني: ذكره تعالى بمعنى استحضاره بالقلب عند أمره ونهيه، والأول من هذين أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الذكر باللسان، أي مع القلب، وأما الذكر بمجرد اللسان فهو أضعف الأذكار، وإن كان فيه ثواب، كما جاءت به الأخبار".
كما أن الذكر إما أن يكون واجبًا كتكبيرة الإحرام، أو أن يكون مستحبًا، فالذكر مرغب فيه في كافة الأحوال، إلا تلك التي استثناها الشرع، كالذكر أثناء سماع الخطبة، أو الذكر عند الجلوس لقضاء الحاجة، وقد نهى الله - تعالى- عن الغفلة عن الذكر ونسيانه، وأمر به، وعلق فلاح العبد بالإكثار منه واستدامته، وأثنى - تعالى- على أهل الذكر، ومما يجب منه أذكار الصلاة، وتكبيرة الإحرام، وتلاوة القرآن، والآذان، والإقامة وجوبًا كفائيًا، والأفضل أن يحافظ المسلم على الأذكار بعد الصلاة، وأذكار الشراب والطعام، والدخول والخروج، ونحوها.