في أعقاب مظاهرات الطلاب التي خرجت عام 1968 م تطالب بمحاسبة المسئولين عن هزيمة 1967، وإطلاق الحريات الديمقراطية، وإعادة بناء هذا الاتحاد بالانتخاب من القاعدة إلى القمة، أصبح الشيخ عاشور محمد نصر، النائب السكندرى، واحدا من عشرات الآلاف الذين فازوا في هذا المستوى من الانتخابات، ويشجعه ذلك على المغامرة بخوض انتخابات المستويات الأعلى، إلى أن قاده الحظ لأن يكون أحد الـ2000 عضو الذين يتشكل منهم المؤتمر العام للاتحاد الاشتراكي العربي، وهو أعلى سلطة فيما كان يوصف آنذاك بأنه تحالف قوى الشعب العامل.
وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، كانت الأحوال في مصر قد تغيرت؛ مات «عبدالناصر» وانتهت حالة الحرب بانتصار 1973، وبسفر خليفته أنور السادات إلى القدس المحتلة، تحولت مصر من دولة اشتراكية إلى دولة انفتاحية، وألغى الاتحاد الاشتراكي لتحل محله التعددية الحزبية، وفاز الشيخ عاشور - في انتخابات 1976 - بعضوية مجلس الشعب عن إحدى دوائر الإسكندرية، بعد أن منحه الناخبون أصواتهم.
وافتتحت جلسة مجلس الشعب في عام 1978 بالنائب مصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار آنذاك، يتحدث عن سوء حالة رغيف الخبز، وإذا بأحد الأشخاص يدخل حاملا سلة بها أرغفة من الخبز الجيد الناصع البياض، ووقف النائب محمد عبد الشافى يقول إن هذا الخبز من تأليف وزير التموين.
إثر هذه العبارة، حدث هرج ومرج من أعضاء حزب الأغلبية "مصر" ووقف الشيخ عاشور محمد نصر، النائب السكندرى المعارض، ليتحدث فطلب منه سيد مرعى، رئيس المجلس، الجلوس فورا.
ليرد الشيخ عاشور بانفعال شديد قائلا: "أنا خارج"، فرد عليه مرعى "مع السلامة"، ولأن الشيخ كان على عكس أمثاله يتحدث بالعامية، فقد قاده الحماس لعبارة بدت عبثية وغير متزنة وغير مهذبة، فهّم بالخروج قائلا: "ده مش مجلس الشعب.. ده مسرح مجلس الشعب".
فأعلن رئيس المجلس إحالة عاشور إلى اللجنة التشريعية لإهانته المجلس قائلا: "ليتفضل الشيخ عاشور خارج الجلسة"، ووافق الأعضاء على الإحالة، فهتف الشيخ "يسقط أنور السادات"، ورد أعضاء الأغلبية "يعيش أنور السادات.. يسقط كل المذبذبين"، مطالبين بمحاسبته على ما قاله وإسقاط عضويته.
ليفقد بذلك مرعى السيطرة على الجلسة قائلا: "عضو شاذ لا يجوز أن ينتمى لمؤسسة دستورية"، فاستنكر الدكتور حلمى مراد، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد الذى ينتمى إليه عاشور، هذا الوصف واصفا ما فعله بأنه تصرف فردى، وأفاض علوى حافظ فى مدح السادات واستنكر عبد الفتاح حسن ما صدر عن الشيخ عاشور.
واجتمعت اللجنة التشريعية فى اليوم التالى لمناقشة تقرير اللجنة التشريعية حول إسقاط العضوية عن النائب الوفدى الشيخ عاشور، وأرفق التقرير بموافقة خُمس الأعضاء منهم بعض رموز الوفد والمعارضة مثل النائب عادل عيد.
وحاول الشيخ عاشور تبرير انفعاله بمعاناة الناس وسوء المعيشة وأنه يسكن المساكن الشعبية سيئة المرافق، إلا أن اللجنة أعلنت إسقاط العضوية عنه ليعتزل عاشور العمل السياسى ولم يخرج من الإسكندرية حتى وفاته.