الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وسائل نشر الغسيل الاجتماعي!

د. محمد مبروك
د. محمد مبروك

أصبح من المعتاد أن نطالع يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي أدق تفاصيل الحياة الخاصة لرواد هذه الوسائل لا سيّما المشاهير منهم.

فصار الخلاف الأُسري الذي قد يحدث في أي بيت من توتر بين الزوجين أو بين أحد الآباء وأبنائه عرضة للنشر على صفحات أحدهم بشكل فج ليجعل الآلاف من أولئك المتابعين يطلعون على كل ما يحدث داخل تلك البيوت وكأنهم جزء لا يتجزأ من الحدث، ومن ثم تتلقف وسائل الإعلام هذه المنشورات وتقوم بصناعة الأخبار الساخنة التي تحتوي على الكثير من التوابل المعتبرة التي تعجب المتابعين فيكملوا ما فاتهم من أحداث داخل البيوت المغلقة ويطلّعوا على كل التفاصيل الخفية، فهذا كان يدعو المولى عز وجل أن يجمعه بخطيبته عن طريق (غسالة) الملابس التي لابد أن توضع بها ملابسهما في (نفس الدور)، ثم يعودان بعد عدة أشهر وينشران أخبارًا عن خلافٍ عابر أدّى إلى غضب الزوجة ثم عودتهما بعد ساعات فيتحول الموضوع إلى مانشيت ويصبح حديث الساعة في الكثير من وسائل الإعلام.

ماذا تبقى من تلك الحياة الخاصة كي يعرفها الناس إذن؟

وأحدهم يناصب ابنته العداء على صفحات التواصل الاجتماعي والثانية ترد، والآخر يشي بأسرار بيت ابنه في أحد الحوارات التي تنتشر على الصفحات والمواقع، وذلك طلّق زوجته دون علمها وتوقف عن دفع فاتورة التليفون!

وغير ذلك من الكثير من الأحداث والأسرار التي لا يجب أن تخرج من أبواب البيوت التي سترها الله، إلّا أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي المَرَضي، وسوء استخدامها أدى إلى الاستهانة بالقيم الأسرية وبمعنى (العيب) الذي تناوله الكاتب الكبير يوسف إدريس في إحدى رواياته التي حملت نفس الاسم (العيب) منذ نصف قرن من الزمن.

وإذا كان هذا سلوك بعض المشاهير، فهو ليس ببعيد عن سلوك العامة، فيتخذ الكثيرون من رواد هذه الوسائل التي كان الهدف من إطلاقها (التواصل الاجتماعي) منابر للتلاسن والعداء لمن يختلفون معهم عن طريق السب المباشر أحيانًا أو غير المباشر أحيانًا أخرى باستخدام أساليب التورية والتلميح.

كما يفتتن البعض الآخر بنشر كل يقوم به من أنشطة يومية خاصة أو عادية على صفحاتهم، فهذا يطلب من أصدقائه الدعاء له للتخلص من الصداع والآخر يعرض لهم فنجان القهوة التي يحتسيها، أما تلك فتتحدث عن فصلها من العمل، والاخرى تعرض مأدبة طعام أعدتها لأسرتها، وهؤلاء يعرضون أمورًا غاية في الخصوصية والغرابة على الجميع دون خجل كحفلات التورتة الشهيرة!

لقد صار الأمر مَرَضيّا حقًا، ما يوجب تدخل علماء الطب النفسي وعلماء الاجتماع لدراسة هذه الظاهرة ووضع سبل الحل، كما أن على أولئك الذين أطلقوا تلك الوسائل إلى الفضاء الإلكتروني أن يقوموا بوضع مواثيق شرف للنشر وأن يعملوا على تعديل السلوكيات المعيبة قبل أن يتجهوا إلى إطلاق وسائل جديدة لتعظيم حجم الأعمال والمكاسب.

فبقدر ما كان لهذه الوسائل الكثير من المنافع، إلا أن تَدَنِّي سلوك بعض مستخدميها لا يزال يمثل خطرًا داهمًا على القيم المجتمعية والسلام النفسي والأسري، مما ينبئ بضرورة التفكير في إقرار مادة تعليمية على تلاميذ المدارس توضح لهم كيفية التعامل الأخلاقي الصحيح والآمن مع هذا الواقع الجديد ومع تلك الوسائل، مما قد يساعد على تخريج أجيال تحسن استخدام التكنولوجيا الحديثة لصالح المجتمع والإنسانية.