الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أقدم متاحف مصر

مشرط جراح يعيد الحياة لـ المتحف المصري بالتحرير

المتحف المصري بالتحرير
المتحف المصري بالتحرير

في مصر أرض التاريخ والحضارات وتحديدا بوسط عاصمتها منارة ثقافية شع نورها للعالم  ..درة متاحف مصر.. وأقدم متاحفها الأثرية .. المتحف المصري بالتحرير الذي يحتفي بميلاده الـ ١١٨ في أبهى حلله بعد أن زال عنه بصمات الإهمال ونفض غبار السنين بمشروع ترميم أضاء جنبات المتحف وعاد بعقارب الزمن ليعيده لصورته الأولى وقت بنائه.

انطلق المشروع عام 2012 لمحو معالم الاعتداء الذى تم على المتحف على مدار أكثر من نصف قرن، والتعامل الأمثل مع البيئة المحيطة بالمتحف، سواء فى اتجاه النيل، أو اتجاه ميدان التحرير، لاستعادة التناغم بين المتحف والبيئة المحيطة به.

بمشرط جراح كانت عملية الكشف عن الطلاء الأصلي لجدران المتحف المصري.. فعملية إزالة الطلاء للوصول إلى الحوائط لم يكن بالأمر اليسير، حيث كان لزاماً التعامل بحرص شديد، بما لا يضر بحوائط أصبحت بحكم الزمن أثرًا فى حد ذاتها، وبما لا يعيق العمل فى المتحف الذى لم يتوقف يومياً عن استقبال زواره.

إزالة طبقات الألوان من جدران المتحف المصري

بدأ فريق العمل في المشروع الذي يقام بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي في اللجوء إلى حلول غير تقليدية، منها استخدام المشارط الطبية لإزالة طبقات الطلاء غير المرغوب فيها .. فكانت المفاجأة بالوصول إلى طبقة الطلاء الأصلي للمتحف، بـ سبع طبقات من الألوان الكرنفالية التي طليت بها جدران المتحف عبر السنوات؛ كما فتحت نوافذ وغرف كانت قد أغلقت بالطوب والإسمنت  بلا مبرر ليعود النور لوجه ملوك الفراعنة بقاعات المتحف، وأزيلت أرضية لصق عليها بلاطات من خامات رديئة  عفا عليها الزمن بلاصق من القطران.

إظهار الألوان الأصلية للمتحف المصري

لم يكن الوصول إلى هذه المرحلة بالأمر السهل، فقد وقعت مصر اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تطوير المتحف المصري في القاهرة من خلال منحة أوروبية بقيمة 3.1 مليون يورو.. كخطوة تأتي في إطار رؤية شاملة لتطوير المتحف التاريخي.

شارك في هذا المشروع الضخم، الذي يقام على ثلاث مراحل، كل من المتحف المصري بتورينو في إيطاليا، ومتحف اللوفر في فرنسا، والمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، والمتحف البريطاني، والمتحف المصري في برلين في ألمانيا، والمتحف الوطني للآثار في هولندا، والمكتب الاتحادي للبناء والتخطيط الإقليمي، والمعهد المركزي للآثار.

تعاون ضخم قام خلاله الفريق المصري الأوروبي بتبادل الخبرات بُغية تطوير طريقة العرض في قاعات المدخل الرئيسي للمتحف، ومجموعة عرض القطع الأثرية من مقابر تانيس الملكية، وتطوير معامل الترميم فضلا عن وضع خطة تفصيلية لمستقبل المتحف. فقد تواصل مشروع إحياء المتحف المصري بالتحرير من ترميم المبنى، إلى تحديث قاعات العرض ونظام الإضاءة ومسار خط الزيارة بإعادة تنظيم سيناريو العرض المتحفي لقاعات الطابق الأرضي وتطوير مدخل  المتحف.

المتحف المصري بالتحرير قديما

يضم المتحف أكبر مجموعة من آثار مصر القديمة، حيث يحتوى على أكثر من 136 ألف أثر فرعونى، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الآثار الموجودة فى مخازنه، ورغم ما يشهده المتحف من أعمال، فإن الإقبال عليه كثيف من قبل زواره الوافدين من مختلف دول العالم.

تاريخ المتحف المصري يمتد لأكثر من 117 عاما .. وتعود فكرة إنشائه إلى أيام الحملة الفرنسية على مصر، حيث كان العلماء الفرنسيون أول من نبّه إلى قيمة التراث المصري القديم، ثم بعد ذلك بسنوات أصدر محمد على باشا، أول مرسوم ينظم العمل فى الحفائر والاتجار بالآثار، وأمر بمنع خروجها من مصر دون تصريح، وفي عام 1848 خصص محمد على جناحاً لها فى مبنى بالأزبكية، لكنه سرعان ما ازدحم بالآثار، وتعرّضت القطع التى كانت موجودة فيه أكثر من مرة لحوادث السرقة والنهب.

تطور الأمر في عهد سعيد باشا، حيث تم تعيين أوجست مارييت الأثرى الفرنسى مأموراً لأعمال العاديات، نظراً لنشاطاته واكتشافاته الأثرية التى حققها، وفى نفس العام تم منح مارييت باشا مبنى عند منطقة بولاق، ليكون النواة الأولى لأول متحف للآثار المصرية. وفى عام ١٨٦٣، وافق الخديو إسماعيل على مشروع بناء متحف للآثار المصرية فى وسط القاهرة، لكن المشروع تأجل لظروف مالية . وعام ١٨٨١ توفى مارييت وخلفه ماسبيرو كمدير للآثار وللمتحف وفي عهده تم إنشاء المتحف المصرى بموقعه الحالي المطل على النيل مباشرة حيث تم تخصيص الباب الغربى للمتحف لاستقبال الآثار الواردة إليه من النيل.

صورة قديمة للمتحف المصري بالتحرير

في شهر نوفمبر من عام 1902 ميلادية قام بافتتاح المتحف المصري الحالي الخديوي عباس حلمي الثاني بمساحة بلغت 13600 متر مربع وحديقة واسعة تتزين بتماثيل عدة وأحجار فرعونية ثقيلة.

المتحف المصري بالتحرير اعتمد على أسلوب عرض يقوم على ترتيب القاعات ترتيباً تدريجياً  إلا أنه لأسباب معمارية تم وضع التماثيل الضخمة فى الدور الأرضى، فى حين تم عرض الخبايا الجنائزية المكتشفة فى الطابق الأول.

أصبح المتحف المصري بالتحرير الوحيد فى العالم المكدس بالآثار، لدرجة أنه أصبح مخزناً، وعندما سُئل ماسبيرو عن السبب، أجاب بأن المتحف المصرى هو صورة للمقبرة أو المعبد الفرعونى، فقد كان الفنان يستغل كل جزء فيه لوضع لوحة مرسومة أو نقوش هيروغليفية، بل إن المنزل المصرى الحديث فى ذلك الوقت كان يتم فيه وضع لوحات وصور، بحيث يستغل كل جزء على الحائط، أى أن المتحف صورة لمنزل المصرى القديم.

امتد عمر مبنى المتحف المصري بالتحرير لأكثر من مائة عام ، ففى عام 1983، تم تسجيل مبنى المتحف نفسه كأثر ضمن دائرة الآثار الإسلامية، نظراً لطرازه المعمارى المميز.

وعلى مر تاريخه نجح المتحف المصري بالفعل فى الحفاظ على الآثار لكنه صار مخزنا لها، والآن بعد أن تم نقل آلاف القطع الى المتحف المصري الكبير ستتغير طريقة العرض فى المتحف القديم، وهو ما يجرى تنفيذه حاليا من خلال أعمال التطوير التى تجرى على قدم وساق بالتعاون مع أكبر المتاحف العالمية .

مشروع إحياء مبنى المتحف المصري بالتحرير الذي يقام بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي نموذج لمشروعات عدة تجري على أرض مصر لحماية التراث والحضارة القديمة.. فها هو المشروع يمضي قدما نحو مراحله الأخيرة ليستعيد المتحف مجده.. فهل نشهد قريبا إعادة اتصال المتحف بنهر النيل، كما كان لأكثر من نصف قرن.