قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

ركوب الحمير والبغال من ذاكرة الأجداد.. تاريخ مهنة المكاري في المحروسة|نوستالجيا

مهنة المكاري
مهنة المكاري
×

عندما تقع على مسامعك كلمة “مكاري”، ربما ستتوقف عندها قليلًا متعجبًا اللفظ، وستحاول جاهدًا في البحث عن معنى الكلمة لدى أرشيف وذاكرة الأجداد في الصعيد، فالمهنة اندثرت وتلاشى معها الاسم لأنها لم تورث كمهن أخرى لم تزل باقية حتى وقتنا هذا، بينما ظل وجودها مقتصرًا على المناطق الريفية فقط.

المكاري، هي كلمة كانت تطلق قديمًا على من يمتلك “حمارًا” ويستخدمه كوسيلة للتنقل مقابل أجر، حيث كانت البغال والحمير هي الوسيلة الأسهل والأرخص في مصر المحروسة أيام زمان، مما أدى الى ظهور مهنة المكاري.

وخلال القرن التاسع عشر انتشرت هذه المهنة وضمت عددًا كبيرًا جدًا من العمال مقارنةً بالمهن الأخرى التى كانت موجودة في ذلك الوقت، وكان «المكاريون» يؤجرون دوابهم للمارة كوسيلة للمواصلات وحتى يجذبون أكبر عدد من الزبائن. كانوا يهتمون اهتمامًا بالغًا بالبغال والحمير من حيث النظافة وكانوا يقومون بتزيين تلك الدواب للفت الأنظار إليها.

وكان لـ«المكاريون» مواقف كثيرة عند ميادين المحروسة وأبوابها المختلفة، وعادةً ما كان يمتطي العلماء والأثرياء البغال بينما يمتطي عامة الشعب والنساء الحمير.

استخدام الحمير والبغال كانت واحدة من أشهر وسائل الانتقال والسفر قديمًا، ولكن لم يمتلك الجميع لتلك الوسائل، فكان عليه الاتفاق مع "مكاري" لينقله من مكان إلى آخر.

كان الركاب ينقسمون إلى فئتين: الأغنياء الذين طلبوا توصيلات على البغال من أمام منزلهم، والفقراء الذين يدفعوا أجرة بسيطة لمكاري الحمير مقابل نقلهم من المحطة الموجودين فيها إلى مكان آخر.

نظام المكاريين:

كان للأشخاص العاملين في مهنة المكاري لهم نظام يشبه النقابة الآن، فهناك شخص يحكمهم ويتابع شؤونهم ويضبط إيقاعهم، ويسمى "المكاري باشي" أي نقيب الكار.

وكانت نشاطتهم متعددة فمنهم من يتعامل مع التجار لنقل البضائع من بلد إلى آخر، ومنهم من يتعامل بالأجرة في الشوارع، ومنهم من يتنظر المقاولات الكبيرة مثل سفر عائلة من مكان إلى آخر بمبلغ مناسب، وهكذا.

ومع ظهور الترام عام 1896، بدأت مهنة "المكاري" في الاختفاء رويدًا رويدًا، ورغم محاولات "المكارية" للتصدي له وإطلاق العديد من الشائعات حوله، حتي أنهم أطلقوا علي الترام اسم "العفريت"، وروجوا لفكرة أنه يُصيب النساء بالعقم، في محاولة يائسه منهم للحفاظ علي زبائنهم واستمرار مهنتهم التي حافظوا عليها قرون طويلة، فقد كان للحمارين يومًا شأنًا عظيمًا، وأهمية كبري، فقد كانوا الوسيلة الرئيسية للتنقل داخل شوارع وحواري وأزقة القاهرة الضيقة، وسعر خدمتهم دائمًا في متناول يد جموع المصريين أغنياء وفقراء، وكان من السهل استئجار حمارًا من "المكاريين" المنتشرين في ربوع المحروسة، فقد كان لهم ميادين ومراكز تجمع عند أبواب القاهرة ومداخل أسواقها.

وفقًا للمؤرخ المصري علي باشا مبارك في موسوعته الخطط التوفيقية، بلغ عدد "الحمارة" أو "المكاريين" في نهاية القرن العشرين بمدينة القاهرة فقط حوالي 1739، وهو عدد كبير جدا بالنسبة لأعداد باقي الحرفيين،ما يعني أن مهنة "الحمارة" كانت أكبر الطوائف الحرفية تعدادًا، ما مكن سكان القاهرة والقري المجاورة لها من التنقل بسهولة بالرغم من اتساع المدينة، بسبب كثرة أعداد الحمير والبغال التي لم يخلو منها شارع من شوارع القاهرة.

وكان لثورة القاهرة الثانية في عام 1800 ضد الإحتلال الفرنسي، دورًا مهما في نمو مهنة الكاريين في القاهرة، فقد أدت الضغوط الإقتصادية نتيجة فرض "كليبر" للعديد من الضرائيب الاستثنائية الباهظة، فساءت الأحوال، وأغلقت الحوانيت، والمخابز، وكل المهن والحرف الأخري، ما اضطر أغلب الحرفيين للجوء إلي العمل حمارًا "مكاريًا"، حتى صارت الازقة خصوصا جهات العسكر مزدحمة بالحمير،

وهو ما أجبر في نفس الوقت الحكومة المصرية وضع العديد من الشروط والضوابط لمن يرغب في العمل "حمارًا"، فعلية أولًا أن يقوم بتسجيل اسمه ولقبه وجنسيته بالمحافظة، وأن يكون سليم البنية خاليًا من العاهات والامراض، وبعد أن يتم قبوله كان يتسلم صفيحة منمرة، ليضعها علي رأس حماره، وقد كانت المحافظة تقوم بتعيين شيخ لـ"المكاريين" لتنظيم شئونهم الداخلية،

ولعدم خبرة المكاريين في ذلك الوقت، اضطر بعضهم لتعيين صبية صغار يقومون بالجري بجانب الحمار أو أمامه لإبعاد المارة حتي لا يُصاب أحد منهم، إلا أن هذه النداءات لم تكن تمنع إصابة بعض الركاب أحيانًا.

وعلى الرغم من انتهاء هذه المهنة تماما، ولكن التاريخ المصرى سيظل محتفظا بها لأسباب منها القصة التى تقول أن الحرب على مصر واحتلالها كان بسبب "مكارى".

هناك قصة شهيرة معروفة باسم واقعة "المكارى والمالطى"، وقعت أحداث هذه القصة 10 من شهر يونيو من عام 1882 عندما استأجر مواطن مالطى مكاريًا "سائق حمار" مصرى يدعى السيد العجان، وطلب منه أن يطوف به العديد من الشوارع، المالطى فوق الحمار والمواطن يمسك بالحمار ويسير بجواره فى لهيب الشمس.

وعندما انتهى المالطى من رحلته طلب منه السيد العجان أجرته، فأعطاه المالطى قرشا واحدا، لكن صاحب الحمار رأى أن هذا القرش قليل لا يفى ولا يتناسب مع أجرته وحق حماره، وحدث جدل بينهما فأخرج الرجل المالطى سكينا من ثيابه وأخذ يطعن به المواطن المصرى حتى قتله.

تجمع الأهالى، فجرى المالطى ودخل أحد البيوت التى يسكنها المالطيون واليونانيون خلف قهوة القزاز، وأخذ السكان الأجانب يطلقون الرصاص على الأهالى، وثارت نفوس المصريين، وانطلقوا يهجمون على أى أجنبى فى الشوارع والدكاكين.

ووصل عدد القتلى إلى 238، منهم 75 من الأوربيين و163 من الأهالى، فيما قال البعض: "إن عددهم كان يتراوح بين 45 و50 قتيلا"، إلا أن تلك الحادثة تسببت فى اتخاذ بريطانيا ذريعة لاحتلال مصر، بحجة حماية رعاياها والأجانب.