لطالما اتخذ الخلاف بين المغرب والجزائر حول تبعية أو استقلال الصحراء الغربية في الغالب شكل حرب دبلوماسية حاول فيها الجميع التأثير وتحقيق مكاسب من خلال التقارير وجماعات الضغط في أروقة الأمم المتحدة.
وعلى مدى 30 عامًا، سمم الوضع القائم في الصحراء الغربية العلاقات بين المغرب الذي يتمسك بتبعية الصحراء لسيادته، والجزائر التي تعتبر أن الأمر يتعلق بتصفية استعمار وتدعو إلى إجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراويين تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، حسبما ذكرت إذاعة مونت كارلو الدولية.
شرارة التصعيد الأخير
وقالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية إن مقتل ثلاثة جزائريين عند الحدود بين الصحراء الغربية وموريتانيا في قصف نسبته الجزائر للمغرب الذي نفى ذلك، أدى إلى تفاقم التوترات أكثر، فقد نبهت الجزائر الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى "استعدادها وقدرتها على تحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها". لكن التصعيد بدأ فور إعلان نبأ قطع العلاقات الدبلوماسية، حيث أعلنت الجزائر أنها لا تنوي تجديد عقد تشغيل خط أنابيب الغاز المغاربي- الأوروبي الذي تصدر منه الجزائر الغاز إلى إسبانيا عبر أنبوب يمر من المغرب والذي دخل حيز التنفيذ.
وكانت أولى شرارات التصعيد المستمر إلى اليوم صدام بين وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، وممثل المغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال؛ إذ اتهم الأول الثاني بتعميم مذكرة دبلوماسية ورد فيها أن "شعب القبائل الشجاع يستحق أكثر من أي شعب آخر التمتع الكامل بحقه في تقرير المصير". وبالنسبة للجزائر التي صنفت الحركة المطالبة بالاستقلال ضمن المنظمات "الإرهابية" والتي تعتبر وحدة البلاد بالنسبة لها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، فإن مذكرة المغرب تعتبر "عملا عدائيا".
وفي سبتمبر الماضي، أغلقت الجزائر مجالها الجوي وكذلك قسما من الطريق الوطني الذي يربط 900 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب بمدينة بوعرفة في أكادير المغربية. وفي أكتوبر، طالبت الجزائر العاصمة بانسحاب الجيش المغربي من معبر الكركرات الحدودي، وهي منطقة منزوعة السلاح تقع على الطريق الوحيد المؤدي إلى موريتانيا في أقصى جنوب الصحراء الغربية، وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون، مستهدفا المغرب: "إذا شخص ما يبحث عنا، أقسم بالله أنها (الحرب) لن تنتهي". وأخيرا، أغلقت الجزائر الباب أمام أي مفاوضات برفضها قرار الأمم المتحدة الصادر يوم الجمعة 05 نوفمبر 2021 بتمديد ولاية مينورسو (بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية) ، والذي دعا إلى استئناف المحادثات بين الجزائر والمغرب والصحراء الغربية وموريتانيا. والمغاربة الذين اعتبروا أن قطع العلاقات الدبلوماسية “غير مبرر” في موقف الانتظار والترقب رغم الهجمات العسكرية للصحراويين التي تضاعفت في الأسابيع الأخيرة.
وقال مصدر مغربي لوكالة الأنباء الفرنسية، إنه منذ بدء وقف إطلاق النار في نوفمبر، قُتل ستة جنود من القوات المسلحة الملكية. لكن الملك محمد السادس أعلن يوم السبت أن "مغربية الصحراء لن تكون على أجندة أي مفاوضات". ويؤكد مراقب مغربي "إنهم يستعدون للحرب لكنهم لا يريدون أن يكونوا من سيبدأونها". في المقابل تعتبر "لوفيجارو" أن اختيار سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري منذ عام 2019، ليس غريباً على السنوات الأربع عشرة التي قضاها على الحدود مع المغرب على رأس المنطقة الثالثة العسكرية.
ميزان القوة العسكرية
وتذكر الصحيفة الفرنسية نقلا عن أكرم خريف، المتخصص في الأسلحة، أن مستوى البلدين في القوة الجوية متساو تقريبا. لكن الجيوش البرية لا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال، موضحا "فعلى سبيل المثال فيما يخص الجيل الجديد من الدبابات: يوجد في المغرب 380 دبابة، مقابل نحو 2000 دبابة في الجزائر"، وتضيف "لوفيجارو": "كما أن العديد من المحللين المغاربة والجزائريين يتفقون على أنه إذا كانت هناك حرب فإنها ستشن على جبهتين على الأقل، جنوبية وشمالية: "إذا اندلعت الأعمال العدائية في الجنوب (على الحدود مع الصحراء الغربية) فإن المغرب، الذي لا يتحمل الحرب على أرض مسطحة ومفتوحة، سيضطر إلى تصدير الحرب إلى مكان آخر، على سبيل المثال من خلال استهداف المراكز الحضرية أو محطات النفط في الغرب الجزائري”، كما تنقل الصحيفة عن متخصص جزائري في القضايا الأمنية أن هذا هو السبب في أن خطر الحرب الشاملة يجب أن يؤخذ على محمل الجد".
لكن الجزائريين الذين يستعدون لهذا السيناريو في هذه الحالة سيستهدفون مراكز صنع القرار العسكري والسياسي في المغرب، ونتيجة لذلك ستكون أيضا حربا محدودة الوقت" وفق الخبير الأمني الجزائري خريف. ولفتت "لوفيجارو" إلى المعلومات التي كشف عنها موقع Africa Intelligence في وقت سابق والتي تفيد بأن الرباط تخطط لتصنيع طائرات بدون طيار بالتعاون مع شركة BlueBird Aero Systems التابعة لمجموعة الصناعات الإسرائيلية (IAI). والجزائريون، من جانبهم، بإمكانهم الاعتماد على روسيا، المورد الرئيسي للأسلحة إلى بلدهم.