فيحقبة الثمانينات والتسعينات كانت الزيارات العائلية يوم الجمعة طقس أساسي يلتزم به الجميع في مصر لأنه كان بمثابة اللقاء الذي يجمع الأحبة، فالأحبة ليس مجرد رجال وامرأة بل كل من يكن له المرأة مشاعر الحب والود وفى مقدمتهم الأهل والأقارب.
فكانت قديما المشاعر الإنسانية قوية بين أفراد الأسرة والعائلة لذا كانت الزيارات العائلية أمر في غاية الأهمية وليست مجرد شيء هامشي وكان الجميع يلتزم به من باب الإجبار ولكن للرغبة في لقاء أفراد يمتلكون مكانة كبيرة في القلب ومجرد لقائهم وإمضاء بعض الوقت معهم كانوا يشعرون بالسعادة والبهجة وهذا في حد ذاته يجدد طاقتهم لمواصلة الحياة والتغلب على ضغوطها ومشاكلها.
وكانت الزيارات العائلية يوم الجمعة أمر أساسي فى البيوت المصرية فكان الأهل والأقارب يجتمعون في بيت العائلة الكبير ويمضون اليوم بأكمله مع بعضهم ويتناولون وجبة الإفطار والغداء الفخار والعشاء ويتناول الشاي فى “ البلكونة ” ويسترجعون الذكريات الجميلة التي تعيد لهم الإحساس بالانتعاش والطاقة.
ويمضون بعض الوقت أمام شاشة التلفاز لمشاهدة الفيلم أو المسلسل المفضل مع كوب من مشروب دافئ بجانب بعض قطع المخبوزات أو المكسرات أو يتناولون العصائر الطازجة المعدة فى المنزل كما كان البعض يحب تناول الأطعمة الطازجة مثل الفاكهة واللب والفشار.. وكان الجميع يمضي وقتا سعيدا خلال هذا اليوم يشحنهم جميعا بطاقة إيجابية كبيرة.
وكانت النساء تتعاون في إعداد مائدة الغداء والحلويات والعصائر ولأن عددهن كبير كان الأمر لا يستغرق جهدن كبيرن منهن فكل امرأة مسئولة عن مهمة واحدة مما يتيح لهن الاستمتاع ببقية اليوم .
كما أن الأطفال كانوا يمضون اليوم في اللعب والمرح سويا مما كان ينشئ بينهم علاقات صداقة قوية تكبر مع الزمان ويصبحون مثل أهلهم الكبار فيما بعد .
أما الأجداد فكانوا يشعرون بسعادة كبيرة بتجمع أبنائهم وبناتهم مع زوجاتهم وأزواجهم والأحفاد الصغار فكان هذا الجو كفيل بمنحهم الشعور بالبهجة والسعادة التي تحميهم من المشكلات النفسية التى تصيب كبار السن وتقلل احتمالات الإصابة بالأمراض الجسدية .
ولكن مع الأسف لم يستمر الأمر طويلا فبعد ذلك بدأت تزداد أسعار السلع والخدمات وفى نفس الوقت زادت متطلبات الحياة وظهرت الكثير من الكمليات التى تحولت لضروريات مما زاد من أعباء رب الأسرة وأصبح الكثير من الرجال يعملون فى أكثر من مهنة أو مهنة واحدة فى أكثر من مجال لايجدون الوقت الكافى وتحول يوم الجمعة من يوم الزياراتالعائلية ليوم الراحة والمكوث فى المنزل للتمكن من مواصلة الأنشطة المختلفة طوال الأسبوع والاكتفاء بالاطمئنان على الأهل مرة فى الشهر أو من خلال الهاتف وشيئا فشيئا حتى اختفت هذه العادة الجميلة.
ومما ساهم فى اختفاء طقس الزيارات العائلية الأسبوعية فى مصر هو تغير النفوس نتيجة عدم الاهتمام بالتربية السليمة التى تزرع فى الإنسان حبه لوالديه وإخوته فلم يعود الشوق للأهل والأحبة موجود مثلما كان فى الماضي .. فلماذا يخرجون من المنزل ويتنقلون فى المواصلات ويتحملون نفقات إضافية فى حين أنهم يستطيعون المكوث فى المنزل والاستمتاع بقسط جيد من الراحة.
كما أن ظهور السوشيال ميديا ساهم فى الاستغناء عن الزيارات العائلية يوم الجمعة بشكل كبير فيمكن الاتصال بالأهل أو إجراء محادثات الفيديو مما يساهم فى إرضاء الضمير لكن فى الحقيقية التواصل من خلال المنصات الحديثة لا يعوض التواصل والود والسعادة الموجودة فى الزيارات العائلية الخاصة بيوم الجمعة.