فجر الأحد الماضي استيقظ العراقيون على خبر محاولة اغتيال رئيس الوزراء (مصطفى الكاظمي) بثلاث طائرات مسيرة ملغمة استهدفت منزله أسقطت القوى الأمنية إثنين منها ولم تتحدث عن الثالثة.. المعلومات الأولية تشير إلى انطلاق المسيرات الثلاث من شمال بغداد على بعد أقل من عشرة كيلو مترات من المنطقة الخضراء.
الحادثة لم تلحق أي أذي بالكاظمي أو مساعديه وعقب الحادث كتب الكاظمي تغريدة قال فيها: (إن الطائرات المسيرة الجبانة لا تبني وطناً ولا تبني مستقبلاً) ثم ظهر على التليفزيون العراقي ليطمئن الشارع عليه.
والجدير بالذكر أن هذه ليست المحاولة الأولى لاستهداف (الكاظمي) فقد كشف هو في مقابلة سابقة مع قناة العربية أنه تعرض لثلاث محاولات إغتيال سابقة وبالطبع الهدف هنا ليس إستهداف (الكاظمي) كشخص وإنما هو رمز للسيادة العراقية فهو يمثل رأس السلطة التنفيذية والإعتداء عليه يعني هز أركان الأمن القومي في العراق .
وإرسال رسالة مفادها أن هذه الجهات نجحت في الوصول إلى راس السلطة وإلى المنطقة الأكثر تأميناً داخل المنطقة الخضراء ليأكدوا أنه لا هدف يستعصي عليهم ولا شخصية وأيضاً خلق حالة من البلبلة لا يمكن تجاوزها بجبران الخواطر أو تقبيل اللحي.. بل يقابلها ردع قوي يبعد خطر هذه الجماعات ويبعد شبح أي حرب أو قتال وعدم التماهي مع هذه الفصائل التي لا تريد مغادرة المشهد السياسي أو ترك مساحتها في السلطة التنفيذية.
أما توقيت الهجوم فهو من أسوء التوقيتات في ظل الاعتراض على نتائج الإنتخابات ووقوع جرحى وصورة ضبابية وتأزم وإحتقان وتشنج لذا فمحاولة الاستهداف لا يمكن أن تمر بسهولة وسلاسة دون عقاب ودون معرفة كيف إنطلقت هذه المسيرات وكيف سقطت .
ولإجلاء الحقائق لا بد من تحقيق معمق بشقيه الفني والإستخباري ولا يمكن فصلها عن الإشكالية السياسية والأحداث التي بدأت تتصاعد للإعتراض على مشروع الديمقراطية في العراق وهو مشروع لم يكتمل بعد بسبب النظام الهجين والصراع الحاد بين قوى الدولة وقوى اللادولة مما أدى إلى ارتفاع مستوى الصراع من السياسي إلى الصدام المسلح ومحاولة إغتيال الكاظمي ربما لن تكون آخر حلقات هذا الصراع.
إن كل أصابع الاتهام تشير إلى المليشيا المدعومة إيرانياً التي تريد قطع الطريق نحو رسم معادلة جديدة في العراق.. فالفصائل السياسية التي تمتلك أذرع عسكرية لجأت إلى التلويح بالقوة بعد أن فشلت فشل ذريع في الإنتخابات الأخيرة ولجأت إلى الاعتصام ثم إلى مواجهات دامية وعنف دموي رغم البت في كل الطعون وإعادة فرز الأصوات يدوياً وتحولت الاحتجاجات إلى اشتباكات وإطلاق نار أدى إلى مقتل متظاهر وإصابة العشرات من أفراد قوى الأمن والغريب أنه لا يوجد أي جهة أعلنت تبني هذا الهجوم رغم التهديدات الخطيرة قبل الحادث بساعات .
إن هذه المليشيات تشعر بأنها فقدت قدرتها ومساحتها في السلطة السياسية أي فقدت موارد مادية ونفوذ وقدرة على تحريك السلاح كما تريد لذلك فهي تطالب وتقاتل من أجل إستمرارها في سلطتها مما لا ينسجم مع حركة المجتمع العراقي فالعراق الآن ليس كعراق 2015 و 2017 الشعب لديه الوعي والقدرة للتصدي لأي مشروع لسرقة وتجريف العراق لمصالح خاصة وأجندات إقليمية.
ولكن السؤال الأدق الآن ..هل محاولة الاغتيال الفاشلة هي عملية للحشد الشعبي؟ أي أنه تصرف بشكل متفرد وهذا يعني أن طهران بدأت تفقد سيطرتها على الميليشيا التي لم تعد تلتزم بالقرار المركزي والدليل على ذلك زيارة الجنرال (إسماعيل قاني) قائد فيلق القدس للعراق بعد الحادث بيوم واحد ولقاؤه تحالف الفتح بل ولقاؤه (الكاظمي) نفسه وأخبره أن طهران لم تكن على علم بتلك العملية أم أنها بأوامر إيرانية وزيارة قآني جاءت للتغطية على الدور الإيراني.
وفي كل الأحوال هو تصعيد خطير ولا بد من تحجيم الجماعات الشيعية الساعية إلى السيطرة على العراق ومنع الآخرين من الوصول للسلطة عبر إزاحتهم وقتلهم.
إن العراق الآن أمام مفترق طرق مع إستمرار هذه الأعمال العدوانية وعدم الإعتراف بالأخطاء من قبل جهات تخلط أوراق وللأسف يوجد جهات موالية لها وتدافع عنها بإستماتة ولا نستطيع أن نغفل قوة التيار الصدري والحاضنة الشعبية لمقتدى الصدر الذي حذر سابقاً من أي محاولة لتغيير نتائج الإنتخابات.
كما أنه ورغم كل الأحداث الجارية منهمكاً في حوار دائم ومستمر مع القوى الكبرى الفائزة في الإنتخابات لذلك فإن الرضوخ لهذه القوى الظلامية وتغيير نتائج الإنتخابات أو إعادتها تحت سطوة السلاح والتهديد سيؤدي إلى إنفجار لا يحمد عقباه لذلك يجب حصر السلاح بيد الدولة وهو مطلب شعبي والعراق قادر على ذلك ولديه مؤسسات كبيرة وعملاقة تستطيع أن تفرض سلطة القانون بالقوة.
وأخيراً يبقى السؤال عن الدور الأمريكي في العراق وهل يمكن أن يتكرر السيناريو الأفغاني مع انسحاب القوات الأمريكية نهاية العام؟
صحيح أن الدور الأمريكي في العراق مختلف عن الدور الأمريكي في أفغانستان والمصلحة الأمريكية مختلفة والعراق أيضاً يختلف عن أفغانستان لكن التخلي الأمريكي وارد بشكل كبير فلا أحد يستطيع أن يضمن القرار الأمريكي أو يتنبأ به خاصة وأن العراق الآن منقسم إلى نصفين النصف الأول يؤيد نتائج الانتخابات ويدعم الكاظمي والنصف الثاني يُخير الشعب إما إيران داخل العراق أو لا دولة.
ولهذا فالجميع الآن أمام خيارين لا ثالث لهما إما استعادة الدولة أو الاستلام لسطوة الميليشيات التي تريد أخذ العراق إلى مواجهة واشتباك مفتوح ما بين المؤسسة الأمنية وهذه الجماعات ستؤدي إلى سقوط ضحايا وتؤثر على الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي وهذا هو السيناريو الأخطر في العراق.