الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى ميلاده.. ننشر بعض من مذكرات ألبير كامو المترجمة | نوستالجيا

صدى البلد

تحل اليوم ذكرى ميلاد الكاتب والروائي الفرنسي ألبير كامو، والذي كانت حياته قصيرة إذ توفى عن عمر يناهز الـ47 عامًا، إلا إنه استطاع أن يترك لنا العديد من الأعمال التي لاتزال محل تقدير واهتمام حتى اليوم.

وهنا في ذكرى ميلاده نستعرض الترجمة التي قام بها المترجم المصري ماهر البطوطي بمجلة الآداب اللبنانية لمذكرات ألبير كامو في عام 1965.

 بدأ «ألبير كامو» في كتابة يومياته الأدبية في مايو 1935؛ أي في الثانية والعشرين من عمره، واستمر في العمل فيها إلى أن توفى عام 1960، وقد أخذ كامو يكتب يومياته في عدد من الكراسات المدرسية العادية، ولم يكن يقصد لها أن تنشر في يوم من الأيام، ورغم ذلك فقد أعد عام ١٩٥٤ نسخة مكتوبة على الآلة الكاتبة من الكراسات السبع الأولى من يومياته، ونقحها بغرض نشرها في النهاية.
وقد نشرت الطبعة الكاملة للكراسات الأولى الثلاث في باريس في عام ١٩٦٢، وتحتوي على اليوميات من عام ١٩٣٥ إلى عام ١٩٤٢، وهي التي نقتطف منها الآن قسمًا مختارًا من المقطوعات التي سطرها كامو في الفترة بين مايو ١٩٣٥ وسبتمبر ۱۹۳۷، وإذا كانت هذه اليوميات لا تخبرنا الكثير عن أفعال كامو وأحداث حياته، إلا أنها مليئة بالمعلومات عن الاحساسات التي كان يشعر بها تجاه الأشياء حوله، ومع إنها كذلك لا تختص بتفاصيل كثيرة عن الظروف التي تواتر فيها على كثير من الوظائف لكسب عيشه، أو عن المصاعب الشخصية والعاطفية الأخرى التي صادفته، إلا أن الأمانة التي يذكر بها شعوره الكئيب تجاه العمل، والنغمة التي يضرب بها على موضوع العزلة تجعلنا نكون فكرة واضحة عن الشكل الذي كان عليه كامو آنذاك.
وهنا نستعرض ترجمة ماهر البطوطي.


3 فبراير 1936

 

إنني أطلب من الناس أكثر مما يستطيعون تقديمه لي، من العبث إنكار ذلك، ولكن يا له من خطأ، ويا له من يأس. وربما أنني أبحث عن الاتصالات، جميع أنواع الاتصالات.
فإذا أنا أردت أن أكتب عن الناس، فهل يجب أن أكف عن الحديث عن الريف؟ إذا اجتذبتني السماء أو الأضواء، هل سأنسی عيون من أحب وأصواتهم؟ في كل مرة أصادف مجرد عناصر الصداقة، شذرات العاطفة، وليست الصداقة أو العاطفة ذاتها يحدث أن تذهب إلى صديق قديم لتقص عليه كل شيء، أو على الأقل، شيئا يثقل عليك. غير أنه في عجلة من أمره، وأنت تتحدث عن كل شيء وعن لا شيء على الإطلاق. لقد فات وقت الحديث، وها أنا أشد وحدة وأشد وحشة عما كنت قبلا، لأشد ما تقوض كلمة عابرة من صديق يتهرب من وجودي معه من هذه الحكمة الواهية التي أحاول أن أشيدها: «لا يعرف الضحك من لم يعرف البكاء» والشكوك حول نفسي وحول الناس الآخرين.

9 مارس


يوم مشمس وملبد، البرد فيه اصفرارًا ذهبيًا يجب أن أكتب يوميات خاصة بالطقس في كل يوم. شمس أمس الصافية الشفافة الخليج يرتعش بالأضواء، وقد عملت طوال النهار عنوان مقال: حول الشيوعية: «تنحصر المسألة كلها في هذا: هـل يجب على المرء، في بحثه عن مثال للعدالة أن يقبل الأفكار الخرقاء؟ يمكن لنا أن نجيب ببلی، إن هذا شيء طيب أو کلا، من الكرامة أن نرفض ذلك» ومع شيء من النسبية، يمكن للمرء أن يرى نفس هذه المشكلة في المسيحية في الأمثلة التالية: أيجب على المؤمن أن يذعن للكتاب المقدس أو هل يتضمن الإيمان بالمسيحية قبول قصة سفينة نوح والدفاع عن محاكم التفتيش ؟ أو عن المحكمة التي أدانت جاليليو؟ غير أنه إذا نظرنا إلى الناحية الأخرى، لتساءلنا: كيف يمكن لنا أن نؤلف بين الشيوعية وشعورنا بالتقزز ؟ إن أنا آمنت بأشكال الأعمال المتطرفة، بالمعنى الذي يؤدي بها إلى العبثية وعدم الجدوى، إذن فأنا أرفض الشيوعية، ثم هناك هذا الاهتمام بالموضوعات الدينية أن الموت هو الذي يضفي على المغامرة والبطولة معناهما الحقيقي.

***

أمس الشمس على المرفأ، اللاعبون العرب، والميناء يقفز من فرط الضوء يبدو الأمر كما لو كانت البلدة تقدم لي كل ثرواتها في هذا الشتاء الأخير الذي اقضيه فيها، هذا الشتاء الفريد، يلتمع بالبرد وضوء الشمس، البرد الأزرق  النشوة الهادئة، والعدم الباسم.

***


لماذا أحتاج إلى أن أكتب أو إلى أن أخلق، إلى أن أحب أو أعاني؟ إن الطور الذي مضى الآن من حياتي ليس أساسًا الطور الأكثر أهمية كل شيء يصبح غير ذي هدف تحت هذه السماء، والحرارة الخانقة المضيئة تنصب منها، لا يجد اليأس ولا السرور ما يبررهما.


مايو

 

الحياة هي القوة العظمى هذا حق، ولكنها بداية لكل أنواع يجب أن نقيم معنى للتفكير بعكس ذلك الجبن، والآن يبدأون في الصياح بأنني لا أخلاقي، هذا الصياح يجب ترجمته بأنني في حاجة إلى اضفاء أخلاقية ما على نفسي، اعترف بذلك إذن أيها الأحمق، إني أعرف، طريقة أخرى للنظر إلى المسألة لا بد أن تكون بسيطًا، صادقًا.

***

لا تبحث عن الاتهامات الأدبية، تقبل نفسك والتزم. ولكننا لا نقوم بأي شيء آخر إذا كنت مقتنعا بيأسك، فإما أن تتصرف كأنك تسعى وراء الأمل، أو تقتل نفسك فالمعاناة لا تعطي أي حقوق بالمرة..

***


 المفكر إمرؤ يقوم عقله بحراسة نفسه، إنني أحب ذلك، لأنني أسعد بأن أكون كلا الشطرين: الحارس والمحروس، «وهل يمكن التوفيق بينهما؟» هذا سؤال عملي، ينبغي أن نصل إلى أعماقه إن المعنى الحقيقي لجملة مثل: «أنا أحتقر الذكاء» هو «أنا لا أستطيع أن أتحمل شكوكي» إننی أفضل أن أظل متيقظ العينين..


يونيو 1937


يزور القس الرجل المحكوم عليه بالاعدام كل يوم، لأن الرقبة تقطع كالشريحة، لأن الركبتين تنهاران، ويقذف الجسد بنفسه في جنون ناحية الأرض ليخفي نفسه في صيحة «إلهي إلهي» وفي كل مرة، تبرز المقاومة التي يبديها الرجل الذي لا يريد هذا الحل السهل، والذي يريد أن يمضغ خوفه كله ويذوقه، يموت دون كلمة واحدة، وعيناه ممتلئتان بالدمع الفلسفات تستحق الفلاسفة الذين يصنعونها، وكلما كان المرء عظيمًا، كانت فلسفته أکثر صدقًا. 


سبتمبر

 

إننا نعيش حياة صعبة، فنحن لانستطيع دائما أن نطابق بين أفعالنا وبين الرؤية التي نؤمن بها عن الدنيا وحين أظن أنني قد أمسكت بلمحة عن اللون الذي سيكون عليه، تخفت هذه اللمحة وتختفي بعيدًا عن ناظري، نحن نكافح ونقاسي لنعيد غزو عزلتنا، ولكن سيأتي يوم تعود للأرض ابتسامتها البسيطة البدائية، وحينئذ تبدو الصراعات والحياة التي تكمن فينا كأنها قد محيت تمامًا، لقد شاهدت ملايين الأعين هذا المنظر الطبيعي من قبل، وبالنسبة لي، فهو يشبه الابتسامة الأولى للدنيا، إنه يخرجني عن ذاتي، بأعمق ما يحمل هذا التعبير من معنی، إنه يؤكد لي أنه لا شيء يهم سوى الحب الذي أحمله، وحتى هذا الحب لا قيمة له بالنسبة لي إلا إذا ظل طاهرا وحرا، إنه ينكر علي شخصيتي، ويحرم معاناتي من أصدائها. الدنيا جميلة، وهذا هو كل شيء أريده وحين أذعن لهزيمتي، أكون قد نحيت ناحية حكمة أخضعت فيها جميع الأشياء، غير إن الدموع ترى في عيني، ونشيج الشعر العظيم يجعلني أنسى حقيقة الدنيا.