محاصرًا بين تمرد مسلح في الداخل وعزلة دولية، وجه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد نداءً يائسًا إلى سكان العاصمة أديس أبابا بالاستعداد لصد تقدم قوات جبهة تحرير شعب تجراي وجيش تحرير أورومو، التي باتت على مرمى حجر من العاصمة.
آبي أحمد من المجد إلى العار
قلة من القادة هم من عاشوا وقائع سقوطهم من ذروة المجد والتكريم إلى قاع الإجرام والنبذ، ومن بين هؤلاء يتفوق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على نظرائه، إذ تحول في أقل من 3 أعوام من زعيم مكلل بأرفع جوائز السلام، جائزة نوبل للسلام لعام 2018، إلى مجرم حرب مجلل بالعار يوشك حكمه على السقوط تحت ضربات المعارضة المسلحة.
والملحوظ بوضوح أن عنفًا متصاعدًا يجتاح إثيوبيا منذ تولي آبي أحمد منصبه، فليس الشعب الإثيوبي وحده هو المنقسم على نفسه، وإنما طالت الانقسامات النخبة الحاكمة ذاتها، التي أسبغت المشروعية والقبول على قيادة آبي أحمد في البداية.
ومن الأمور ذات الدلالة في هذا الصدد أن الاصوات المنتقدة لآبي أحمد وحكومته تتعالى الآن من داخل القوميتين الكبريين في إثيوبيا: الأمهرة والأورومو، وتلك الأخيرة ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبي.
خطأ فادح.. آبي أحمد فشل في فهم طبيعة شعبه
ويرى مراقبون، بحسب وكالة "بلومبرج" الأمريكية، أن خطأ آبي أحمد الأفدح هو فشله في فهم طبيعة الانقسامات الإثنية العميقة الضاربة بجذورها في المجتمع الإثيوبي منذ ستينيات القرن الماضي، إلى أن أصبح مستقبله السياسي على المحك، محاصرًا بين معارضة مسلحة ترفض حكمه وعزلة دولية لنظامه تختنق بسببها إثيوبيا، البلد الفقير أصلا.
ونتيجة للتجاهل شبه التام من جانب آبي أحمد وحكومته للعنف الإثني المتصاعد في إثيوبيا، يبدو السلام والأمن والاستقرار في طريقهم إلى الغياب عن معادلة السياسة والمجتمع، فالأرقام تقرع أجراس إنذار مدوية، مع فقدان الآلاف لأرواحهم في صدامات قبلية وإثنية مسلحة، ونزوح الملايين من مناطق سكناهم، ناهيك عن تأثير ذلك المدمر على الاقتصاد.
لقد مر عامان فقط منذ فاز آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام في أكتوبر 2019 بفضل معاهدة سلام وقعها مع إريتريا، منهيًا بها صراعًا طويلًا بين البلدين اللذين كانا ذات يوم بلدًا واحدًا، وآنذاك انهالت عبارات الثناء والمديح على الشاب الصاعد حديثًا إلى السلطة من إثنية الأورومو التي هُمشت طويلًا، واعتبرته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أمل إثيوبيا في التحول الديمقراطي والنمو الاقتصادي، ووسيطًا واعدًا لتسوية النزاعات المسلحة في أفريقيا السمراء.
لكن منذ انفض حفل نوبل للسلام وخفت صخب المديح، تعثرت إصلاحات آبي أحمد الاقتصادية والاجتماعية في متاهة صراعات مع جماعات إثنية ترفض حكمه، في مقدمتها جماعة تيجراي التي انحدر منها حكام البلاد المنتمين إلى جبهة تحرير شعب تيجراي منذ مطلع التسعينيات حتى صعود آبي أحمد إلى السلطة عام 2018.
الطريق إلى الهاوية
وفي نوفمبر من العام الماضي، شن آبي أحمد حملة عسكرية مسنودًا بقوات إريترية حليفة ومليشيات محلية موالية له ضد جبهة تحرير شعب تيجراي، التي تمردت على قرار تأجيل انتخابات عام 2020 بحجة مكافحة جائحة كورونا، واعتبرته محاولة من آبي أحمد لتمديد بقائه في السلطة، وانضم إليها مؤخرًا جيش تحرير أورومو.
وعلى مدار العام المنصرم منذ بدء حملة آبي أحمد على إقليم تيجراي، ظلت الحرب سجالًا تميل كفتها بين الطرفين، إلى أن بدأ الموقف يتحول بإطراد منذ يوليو الماضي لصالح جبهة تحرير شعب تيجراي، التي باتت مع الفصائل الحليفة لها على مرمى حجر من العاصمة أديس أبابا، بعد شهور مريرة من القتال والحصار الذي فرضته القوات النظامية والإريترية على إقليم تيجراي، مسببة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخ القارة، مع انقطاع طرق الإمداد إلى تيجراي وتجويع سكان الإقليم إلى حد الموت.
ونقلت وكالة "بلومبرج" عن الباحث بمجموعة الأزمات الدولية ويليام دافيسون قوله "ورث آبي أحمد دولة هشة وكان التعامل مع قضايا مثل مطالب الأورومو القومية والاحتجاجات التي أوصلته إلى السلطة تحديًا كبيرًا حقًا. تتطلب الاستجابة لهذا التحدي دون التسبب في احتكاك الكثير من المهارة السياسية، والتي أثبت رئيس الوزراء افتقاره لها".
وأضاف دافيسون أن تأسيس دولة قومية موحدة من أنقاض دولة ممزقة عرقياً - وهي العملية التي يسميها آبي أحمد "التآزر" - حظيت بالدعم في البداية، لكنه "حاول إنشاء حزب يتمحور حول شخصه هو لاستبعاد أي شخص لديه وجهات نظر مختلفة، وإعادة إثيوبيا إلى نظام يتم فيه تجريم المعارضة".
هنا بدأت كرة الجليد بالتدحرج
وبحسب "بلومبرج"، انغرست بذور النزاع المسلح الحالي في وقت مبكر من رئاسة آبي أحمد، فالعديدون في تيجراي يرون معاهدة السلام مع إريتريا باعتبارها تحالفًا بين آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفويرقي، العدو اللدود لجبهة تحرير شعب تيجراي.
أما بالنسبة لشعب الأورومو فقد بدأ نفورهم مع آبي أحمد منذ اليوم التالي لفوزه بجائزة نوبل للسلام، فآنذاك أعاد آبي أحمد افتتاح قصر أثري مرمم للإمبراطور مينيليك الثاني، الذي حكم البلاد في القرن التاسع عشر، ويعتبره شعب أورومو، الذي ينحدر منه آبي أحمد نفسه، طاغية ألحق بهم التنكيل والهوان.
وأوضحت "بلومبرج" أن نقطة التحول في علاقة آبي أحمد بالمجتمع الإثيوبي كان في ديسمبر 2019، عندما حل رئيس الوزراء الائتلاف الحاكم السابق، الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، وأسس بديلًا عنه حزب الرفاه الذي يرفع رسميًا شعار وحدة إثيوبيا، لكن حزبه الوليد لم تكن لديه فرصة كبيرة في مواجهة الأحزاب الممثلة للقوميات والشعوب التمايزة فيما بينها في المجتمع الإثيوبي، وهذا ما أجبر آبي أحمد على قمع المعارضة وتركيز السلطة في قبضته بشكل أكبر.