بينما تستعد دول العالم للاجتماع في قمة المناخ 26 (COP26) في جلاسكو بإسكتلندا، اعتبارا من 31 أكتوبر، يفكر الباحثون في حل "لإنقاذ الكوكب"؛ فعوضا عن الاعتماد على جهد دولي مشترك للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، يريد هؤلاء العلماء استخدام الهندسة الجغرافية واللجوء للتكنولوجيا لإصلاح ما أفسده البشر.
وتشرح صوفيا كابيج الباحثة في قسم المناخ والطاقة والأمن بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الموضوع لقناة "فرانس 24" بقولها: "تجمع الهندسة الجغرافية بين التقنيات المختلفة التي تهدف إلى تصحيح، على نطاق واسع، آثار الأفعال البشرية على البيئة".
تعديل الإشعاع الشمسي
يكمن وراء الهندسة الجغرافية عدد لا يحصى من المشاريع. بعضها يبدو خياليا تماما بل وخطيرا حتى. في حين إنه يجري بالفعل تنفيذ البعض الآخر. يفسر الخبير الجغرافي رولان سيفيريان بالقول: "تنقسم الهندسة الجغرافية إلى فئتين كبيرتين": الأولى – والأكثر إثارة للجدل - تجمع كل التقنيات التي تهدف إلى "تعديل الإشعاع الشمسي".
إحدى هذه التقنيات، على سبيل المثال، عبارة عن حقن الهباء الجوي في الستراتوسفير (طبقات الجو العليا). "وتتمثل الفكرة في إعادة إنتاج ما يحدث أثناء الانفجارات البركانية عندما تتشكل غيوم الغبار وتصنع عازلا بين الشمس والأرض، وبالتالي تنعش الغلاف الجوي"، يقول سيفيريان شارحا.
في الوقت الحالي، لم يخرج هذا المشروع عن جدران المختبر. ولكن لعدة سنوات خلت، كان فريق من الباحثين في جامعة هارفارد بقيادة العالم ديفيد كيث يهدف إلى اختباره في ظروف واقعية. في عام 2021، كان هذا الفريق يأمل في إطلاق بالونين في الستراتوسفير في السويد وإسقاط بضعة كيلوغرامات من كربونات الكالسيوم في الطبقات العليا. ولكن في مواجهة الرفض العام ومعارضة العديد من المنظمات غير الحكومية تم التخلي عن تنفيذ المشروع.
ثمة تقنية أخرى تهدف إلى "تبييض" السحب فوق البحار عن طريق رش الملح في الغلاف الجوي. وهي تقنية تسعى إلى إبطاء ارتفاع درجة حرارة المحيطات. فكلما كانت الغيوم والسحب أكثر بياضا، فهي تعكس أشعة الشمس والحرارة، مما يحد من ارتفاع درجة حرارة المياه الواقعة تحتها. هنا أيضا، لا يزال البحث في المهد، على الرغم من أن التجربة الأولى قد أجريت بالفعل محليا في عام 2020، في أستراليا. هناك أيضا العشرات من المسارات الأخرى، التي غالبا ما يتم تقديمها على أنها بعيدة المنال وغير واقعية، أي أنها خيالية تماما: مثل تركيب المرايا في الفضاء، أو حتى تغيير مسار الأرض.
اصطياد ثاني أكسيد الكربون
الفئة الرئيسية الثانية من الهندسة الجغرافية تشمل مشاريع "اصطياد أو تخزين ثاني أكسيد الكربون". يوضح رولاند سيفيريان: "خلافا لفكرة تعديل الإشعاع الشمسي، يتم بالفعل استكشاف بعض المسارات الأخرى على نطاق واسع". ولكنها تشمل أيضا العديد من التقنيات مثل: استخدام أحواض الكربون الطبيعية مثل الغابات أو المحيطات، وتركيب شفاطات ثاني أكسيد الكربون في كل مكان أو وضع المرشحات (الفلاتر) على مداخن المصانع. "وهناك تقنية واحدة نستخدمها بالفعل بصورة متكررة، ألا وهي زراعة الأشجار التي تمتص ثاني أكسيد الكربون" على حد قول عالم المناخ.
وهناك تقنيتان تتسمان الآن بمكانة متزايدة في الأوساط العلمية، إلى حد أخذهما في الاعتبار في السيناريوهات المختلفة لتقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ. الأولى هي الالتقاط المباشر للهواء (ADC). المبدأ بسيط للغاية: تركيب شفاطات كهربائية لغاز ثاني أكسيد الكربون. ثم يتم تسريب هذا الغاز الملتقط في قنوات تحت الأرض. وإجمالًا، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، هناك نحو عشرون مشروعا في جميع أنحاء العالم. فقد قامت الشركة السويسرية "أشغال المناخ" (Climeworks)، على سبيل المثال، بتركيب أجهزة الاستشعار هذه على سطح مصنع حرق النفايات في منطقة زيوريخ.
والتقنية الثانية "الطاقة الحيوية المزودة بلواقط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه" (BECSC). وفي الممارسة العملية، فإن ذلك ينطوي على إنتاج الطاقة عن طريق حرق الكتلة الحيوية (الخشب النفايات الزراعية،... إلخ) وحصار غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث ومن ثم تسريبه، مرة أخرى، تحت الأرض. مرة أخرى، لم يتم حتى الآن إثبات فعالية أي تقنية تماما. فالتقنية الأولى (ADC) غير فعالة وتتطلب الكثير من الطاقة للعمل. إضافة إلى ذلك، فإن زراعة الغابات أو استخدام (BECSC) يثير التساؤل حول مسألة الأراضي المتاحة والصالحة للزراعة.
أسطورة الحل المعجزة
الغالبية العظمى من الجمعيات البيئية تقف ضد الهندسة الجغرافية ولكن بشكل خاص ضد تعديل الإشعاع الشمسي. وفقا لهم، فإن فكرة التلاعب بالمناخ بشكل مصطنع هي فكرة مضادة للطبيعة. "إن استخدام هذه التقنيات يثير حقا سؤالا فلسفيا عميقا. إلى أي مدى يحق للإنسان أن يتلاعب بالطبيعة؟"، سؤال تطرحه صوفيا كابيج. "إن استخدام تقنية تعديل الإشعاع الشمسي سيكون من شأنها رفع الإنسان إلى مرتبة أشباه الآلهة. وهو أمر، بالطبع، يمثل إشكالية عظيمة".
الأهم من ذلك كله، يخشى الكثيرون من أن هذا البحث سوف يثبت أسطورة الحل السحري. لماذا تبذل جهودا في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، إذا كان عليك فقط الانتظار حتى توفر التكنولوجيا حلا؟ المعارضون بشكل خاص يبدون المزيد من الحذر تجاه هذه المشاريع خشية أن يكون من يمولها، كما يعتقد البعض، هم رواد الأعمال المليارديرات مثل بيل جيتس أو إيلون ماسك، أو للبعض الآخر، شركات كبيرة مثل توتال. "كما أن وراء تقنيات اصطياد ثاني أكسيد الكربون، تسنح فرصة مالية ضخمة لشركات النفط"، تذكر صوفيا كابيج. "لسبب وجيه ألا وهو أنه لا يمكن تنفيذه إلا من خلال نقل الكربون. وهو النقل الذي يتطلب خطوط الأنابيب ومساحات تخزين واسعة... باختصار، ما يملكونه بالفعل من بنية تحتية".
طرح الأمر على طاولة النقاش المجتمعي
مهما يحدث اليوم فإن البحث سيستمر. وتقول صوفيا كابيج: "وللأسف الشديد، لا يوجد إطار دولي يحكم العمل في الهندسة الجغرافية". لكن يذكر أنه في عام 1976 اعتمدت اتفاقية بشأن حظر استخدام تقنيات التعديل البيئي في الأغراض العسكرية، ولكنها لا تزال محدودة للغاية. وبالتالي يمكن للدول - التي يتزايد عددها يوما بعد آخر في التمويل - والجهات الفاعلة الخاصة أن تطور مشاريعها بحرية.
"اليوم، نحن ما زلنا في المراحل الأولى من الهندسة الجغرافية. لكنه من المؤكد أن القضية ستصبح مركزية في غضون بضع سنوات". "ومن الضروري أن تتحلق الدول حول طاولة المناقشات". يقول رولاند سيفيريان:" كما يجب أن يطرح الموضوع للنقاش العام". "لأن الهندسة الجغرافية تطرح سؤالا مجتمعيا رئيسيا، يتعلق بالكوكب. يجب أن نناقشه الآن لفرز ما نقبله وما نرفضه".
وفي قمة المناخ 26 (COP 26)، لن يكون هذا الموضوع على طاولة النقاش الرسمي على الرغم من أهميته. "سنتحدث بالتأكيد عن مشاريع تصيد وإزالة ثاني أكسيد الكربون، ولكن لا ينبغي مناقشة الموضوع على نطاق واسع"، هكذا خلص عالم المناخ. "في الوقت الحالي، تبقى الأولوية للحد من انبعاثاتنا من غاز ثاني أكسيد الكربون. وبعدها سيأتي ربما دور الهندسة الجغرافية".