دعاء في جوف الليل لا يرد سائله.. جوف الليل أو ثلثه أو قيام الليل، مسميات متعددة لوقتٍ من الليل أخبر عنه المولى تبارك وتعالى في محكم التنزيل ورغب على قيامه والصلاة فيه والدعاء فقال جل من قائل:"وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا"، وعنه تبارك وتعالى:"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ".
دعاء في جوف الليل لا يرد سائله.. ولقيام الليل له مكانة عظمى، وأفضال كبرى، ولا يقف بين يدي الله إلا من وفقه الله تعالى، قال تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} سورة السجدة: 16، وفي الحديث الحسن الصحيح عن سيدنا معاذ بن جبل أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال : ثم تلا : {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ - حتى بلغ - يعملون أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والقاضي إسماعيل بن إسحاق وأبو عيسى الترمذي.
وقد دلت أحاديث نبوية كثيرة على فضل قيام الليل فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ"، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلاَتَهُ مِنَ اللَّيْلِ كُلَّهَا، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ"، وكذا روت أم المؤمنين السيدة أمَّ سلمةَ رضي الله عنها قالت:"استَيقظ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ؟- يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ- حَتَّى يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسـيةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ".
دعاء في جوف الليل لا يرد سائله.. وفي الدعاء الذي لا يرد سائله عن عبدالله بن عباس، أن رسول لله صلى لله عليه وسلم كان اذا قام الى الصلاة من جوف الليل يقول: "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والارض ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ولك الحمد أنت رب السماوات والارض ومن فيهن أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك امنت و عليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهى لا إله الا أنت".
دعاء في جوف الليل لا يرد سائله.. وفي صفات المتقين كما في سورة الذاريات: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، وفي سورة الفرقان أورد الله تبارك وتعالى من صفات عباد الله المتقين قيام الليل، ويكابدون الليل بالسهر للوقوف بين يدي الله،قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 63، 64].
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف مبينًا ما في قيام الليل من فوائد فقال: "فيه ثلاثة أمور:
أولًا: لأنَّ فيها الأسرار فهي أقرب إلى الإخلاص، إذا أردت الإخلاص، إذا أردت أن تقوِّي إخلاصك لله عزَّ وجلَّ فعليك بقيام الليل، فقيام الليل لا أحد يعلم عنك، لا أحد يدري عنك، أقرب الناس إليك لا يدري عنك، إذن هي أقرب إلى الإخلاص.
ثانيًا: قال: ولأنَّ صلاة الليل فيها مشقَّة، فيها مشقَّة على النفوس؛ لأنَّ الإنسان يقوم من فراشه الدافئ الجميل ويقوم بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهذا فيه مشقَّة، فيه تعب، فيه معاناة، بينك وبين نفسك وبين شيطانك. ثالثًا: قال: لأنَّ صلاة الليل القراءة فيها أقرب إلى التدبُّر والتفكُّر والخشوع؛ لأنَّ الإنسان بينه وبين الله سبحانه وتعالى فهو تجده يتأمَّل ما يقرأ ".
دعاء في جوف الليل لا يرد سائله.. وفي قيام الليل تستجاب الدعوات، ففي الليل ساعة لا يوافقها عبد يدعو الله إلا استجاب له كما في الحديثالصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم عَنْ سَيدنا جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إِنَّ فِى اللَّيْلِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» .
وكان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل بإحدى عشرة ركعة يقرأ في الركعة الواحدة بسورة البقرة والنساء وآل عمران كما ذكر هذا سيدنا حذيفة رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ ﷺ، ذاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَح البقَرَةَ، فقلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فقلتُ: يُصَلَّي بِهَا في ركْعَةٍ، فمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَح النِّسَاءَ فَقَرأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَها، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذا مَرَّ بِآيَةِ فِيها تَسْبيحٌ سَبَّحَ، وَإِذا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعوَّذ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فجعَل يَقُولُ: سُبْحَانَ ربِّي العظيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سمِع اللَّه لمَنْ حَمِدَه، رَبَّنَا لَكَ الحْمدُ ثُمَّ قامَ طَويلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجد فَقَالَ: سُبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلى فَكَانَ سَجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. رواه الإمام مسلم.
وفي الحديث المتفق عليه عن سيدتنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً - تَعْنِي في اللَّيلِ - يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ رَأسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ حَتَّى يَأتِيَهُ المُنَادِي للصَلاَةِ " هذا فيه تخفيف عن حديث سيدنا معاذ رضي الله عنه في القراءة.
دعاء في جوف الليل لا يرد سائله
ومن أفضل أوقات قيام الليل فقد ثبت أنه من بعد صلاة العشاء حتى الفجر، ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وصصحه محققو المسند نْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَصْرَةَ حَدَّثَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ"، لذا عقب الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى في الإجماع قائلًا: "وأجمعوا على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر: وقت للوتر".