الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المايسترو أونكل عزيز.. لماذا اختلف فتوح نشاطي مع خليل مطران وطه حسين؟

صدى البلد

حين يُذكر تاريخ المسرح المصري العريق، تحضر سيرة رموز هذا المسرح وصانعوه الأوائل، ومن طوروه ونهضوا به، مثل يعقوب صنوع وجورج أبيض ويوسف وهبي وزكي طليمات، غير أن هناك رجالا آخرين كانت لهم أياديهم البيضاء وإسهاماتهم العظيمة وحضورهم الطاغي ومشاركاتهم الفاعلة في كتابة تاريخ هذا المسرح الخالد بأحرف من ذهب، لكن سيرتهم لا ترد، وذكرهم لا يحضر، فيتعرضون للتجاهل والنسيان مع ما قدموه من صنيع عظيم للمسرح المصري.


ومن قبيل الإنصاف الذي لا يجامل والقراءة الواعية لتاريخ مسرحنا العريق لهؤلاء المنسيين في تاريخ المسرح المصري، ورد بعض الاعتبار وبعض الحق، نحتفي بالرائد فتوح نشاطي، حيث تحل ذكرى وفاته غدا 27 أكتوبر عام 1974، الذي جاء اسمه مكتوبا على استحياء فى تترات عدد من الأفلام السينمائية القليلة التي شارك فيها بأدوار متوسطة وصغيرة، أبرزها دور المايسترو عزيز في فيلم شارع الحب مع عبد الحليم حافظ، بينما تكمن قيمته الكبيرة وعطاؤه الفني الرائع في منجزه المسرحي الزاخم في الإخراج والتمثيل والترجمة للمسرح. 
 

 

طفولة حزينة.. وعشق مبكر للمسرح

ولد فتوح نشاطي في 18 مارس عام 1901 بحي الظاهر، لأسرة مصرية متوسطة، وكان أصغر أخوته سنا،  وجلده القدر جلدات عنيفة في طفولته المبكرة، حيث سقط من أعلى السرير وهو لم يتجاوز العشرة أشهر، بعد أن غفلت عنه شقيقته الكبرى، فأصيب بكسر في أرنبة أنفه، وحين بلغ الخامسة من عمره وأثناء لعبه في أحد الحقول المجاورة لمنزله بالظاهر  "يرفسه" حمار رفسة فوق حاجبه الأيسر، أحدثت جرحا ترك ندبة في جبهته ظلت تلازمه طوال حياته،  وربما ترك هذان الحادثان الأليمان  آثارا مؤلمة في نفس الطفل الصغير فتوح نشاطي، فأصبح واحدا من أكثر الطلاب تفوقا وإجادة للغة الفرنسية في مدرسة الفرير، ثم في مدرسة الليسيه بعد ذلك، التي سرعان ما تركها إثر وفاة والده، حيث بات عليه أن يعمل ويكفل نفسه، وكانت تلك صدمة أخرى للصبي المثخن بالجراح.


عشق فتوح نشاطي المسرح وهو طفل صغير، حيث تعرف على هذا العالم الساحر العجيب حين كان لهم جار يسكن الطابق الثاني بمنزلهم بالظاهر  اسمه جورج طانيوس، كان صديقا للشيخ سلامة حجازي، وقد عزم طانيوس بناء على توسط  صديقه الشيخ سلامة، أسرة فتوح الصغير لحضور المسرحية المترجمة عن الفرنسية باسم "تليماك" بطولة جورج أبيض، وهناك انبهر الطفل الصغير وسحر بهذا العالم الغريب وافتتن به؛ ورهن حياته كلها بعد ذلك  للمسرح الذي أصبح عشقه الذي لا يقاوم وشغفه الذي لا ينتهي.

أول فرقة مسرحية في مدرسة الفرير

في مدرسة الفرير وبينما كان فتوح في التاسعة من عمره، كون مع عدد من أصدقائه الصغار فرقة مسرحية واتفقوا على أداء عمل مسرحي فوق سطوح منزل طفل فرنسي يقيم مع أسرته بالقاهرة ويدرس بالفرير، وتطوع فتوح بإحضار ملابس العرض فسطا على عدد وافر من فساتين والدته، ونصب مع زملائه العرض فوق سطح منزل الطفل الفرنسي، ولشدة سعادة فتوح واندماجه في العرض المسرحي نسي ملابس والدته التي اكتشفت ضياعها، واعترف لها فتوح بفعلته وذهبوا إلى منزل الطفل الفرنسي وصعدوا إلى السطح فلم يجدوا شيئا من ملابس والدته وتلك كانت أول ضريبة دفعها فتوح نشاطي للمسرح.

 

ثورة 19 تعيد الشغف المفقود إلى فتوح نشاطي

حين قامت ثورة 19، وجد فتوح نشاطي الفرصة للمشاركة في الثورة وللعودة إلى أماكن الشغف، حيث المسارح والفرق المسرحية ورجال المسرح وسيداته، وترك فتوح المنصورة، حيث كان يعمل في عزبة شقيقه بلا رجعة.


ومن حسن حظه أنه التقى بصديق له نصحه بالتقدم لوظيفة في مصرف الكريدي ليونيه، وساعدته إجادته التامة للغة الفرنسية في الالتحاق بالوظيفة التي أصبح يتقاضى عنها 18 جنيها لتستقر أحواله المادية بشكل كبير، ومن خلال وظيفته في المصرف الشهير بدأ فتوح نشاطي مرحلة جديدة في مراحل ولعه المسرحي إذ يكون مجموعة من موظفي المسرح المحبين للفن والأدب والثقافة؛ ويستأجرون غرفة في نادي المعارف بالفجالة، تقيم ندوات أسبوعية كان قاسمها المشترك وبطلها وعنوانها الرئيسي هو تلك المشاهد والاسكتشات والمونولوجات المسرحية التي يقدمها فتوح لرواد المسرح الفرنسي، أمثال هوجو  وروستان ولامارتين، ويرى توفيق تادرس رئيس نادي المعارف موهبة مسرحية شديدة التدفق والقوة في هذا الشاب العاشق للمسرح؛ فيرشح فتوح ليمثل رواية ”العصفور في القفص” لمحمد تيمور، وتحقق المسرحية نجاحا كبيرا، وبعدها يمثل فتوح عدة مسرحيات باللغة الفرنسية مثل المهرج للويس ماجرو والفزع  الأكبر لاندريه دي ميلورد.

 

الصدفة تقود فتوح نشاطي إلى فرقة رمسيس

فرقة رمسيس

تبدأ مرحلة جديدة في مشوار فتوح المسرحي؛ حين يتعرف على روز اليوسف بعد أن تعرف قبلها على زوجها زكي طليمات وبقية أعضاء المدرسة الحديثة للتمثيل أحمد علام وخيري سعيد وابراهيم المصري وطاهر لاشين، وفي عام 1923 أنشأ يوسف وهبي فرقة رمسيس وشاهد  فتوح نشاطي أول عروضها وهو عرض "المجنون" وأسره أداء يوسف وهبي وبراعته المسرحية وتمنى لو أصبح يوما عضوا في فرقة رمسيس، وذات ليلة كان في زيارة لذكي طليمات، واستأذنت روز للذهاب إلى المسرح لتأدية دور فتى اسمه روبير في مسرحية الأب ليونار من إخراج عزيز عيد، مبدية امتعاضها من الدور  فعرض عليها طليمات أن يخلفها هو في أداء هذا الدور الذي لا تحبه، لكنها فاجأت ضيفهما فتوح نشاطي بقولها: "فتوح هو الذي يصلح أكثر لأداء هذا الدور".

طليمات وروز

اعتقد نشاطي أن روزا تمزح لكنها كانت جادة جدا، وتدرب فتوح على الدور لمدة أسبوع ليؤديه ببراعة شديدة نالت إعجاب عزيز عيد، الذي عرض عليه أن يستقيل من وظيفته ويتفرغ للمسرح، وتردد فتوح كثيرا فالوظيفة المصرفية تضمن له دخلا مستقرا، حتى كان يوم اصطحب فيه عزيز عيد فتوح نشاطي لمقابلة يوسف وهبي، الذي اقنع نشاطي بالاستقالة من المصرف والانضمام لفرقة رمسيس، وهو ما حدث بالفعل.


وفي فرقة رمسيس بدأت تتشكل ملامح المشوار الكبير الزاخم لفتوح نشاطي، فترجم ومثل وشارك في إخراج مسرحيات "راسبوتين والذبائح والبؤساء والشرف والرعاع وتحت العلم وأستاذ اللطافة ونوتردام دي باري والكاردينال والذئاب وغيرها من عشرات المسرحيات في تاريخ المسرح المصري".

 

مواجهة مع طه حسين وخليل مطران

طه حسين

في عام 1935 تقرر الدولة إنشاء فرقة قومية للمسرح يتولى إدارتها  الأديب الكبير خليل مطران، تستقطب إليها عددا من الممثلين الكبار من  أعضاء الفرق الخاصة، كان من بينهم فتوح نشاطي، وقدم مع الفرقة القومية مسرحيات  "أهل الكهف وتاجر البندقية من إخراج زكي طليمات، والملك لير من إخراج عزيز عيد"، لكن نشاطي يصطدم كغيره من الممثلين من أمثال نجمة إبراهيم وآمال حلمي وسراج منير وروحية خالد وعبد العزيز خليل بوضع أسمائهم في أفيشات مسرحية السيد من إخراج عزيز عيد؛ ككومبارس، فثارت ثائرتهم ووعدهم عزيز عيد وزكي طليمات بتدارك الأمر، لكن المسألة تكررت في مسرحيات أخرى.

خليل مطران

وفي عام 1936 تعلن الفرقة القومية عن منح مسرحيين فرصة السفر والدراسة بفرنسا في فروع الإخراج والتمثيل والديكور، ويتقدم لها نشاطي مع زميله سراج منير، وتظهر النتيجة ولا يجد نشاطي ومنير اسميهما في كشف الفائزين بالمنحة، ليثور من جديد ويتوجه إلى خليل مطران الذي يخبره بأن لجنة اختارت الفائزين على رأسها الدكتور طه حسين، ويتوجه الممثلان الشابان غاضبين لمقابلة طه حسين، الذي يقابلهما في البداية بتجهم واضح؛ غير أنه بعد ان سمع لكل منهما أدرك أنهما أكثر من يستحقا المنحة.


في فرنسا يقضى نشاطي ما يقرب من ثلاثة أعوام دارسا وعاشقا وناهلا من المسرح الفرنسي، وفي باريس يتعرف نشاطي على رفيقة حياته "هيلين" الفرنسية من أصل مصري، ويعود من فرنسا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بعدة أشهر، ويصدر بعد عودته مباشرة كتابا عن أيامه في فرنسا، تتولى طباعته ونشره دار الهلال.

سراج منير

يعود نشاطي إلى عمله بالفرقة القومية فيترجم ويخرج ويمثل 73 مسرحية  بدأها بمسرحية مترجمة لهنري دي بورنييه بعنوان مصر الخالدة، وفي عام 1939 أخرج مسرحيتي تحت سماء إسبانيا  والأمل، ثم توالت المسرحيات التي أخرجها نشاطي ومثل فى كثير منها وترجم بعضها، مثل مسرحيات المهرج والست هدى وأوديب ملكا ولويس الحادي عشر، والأول والأخير وانتحار توت عنخ آمون والثائرة الصغيرة وبيت الزوجية وسلك مقطوع وآدم وحوا ومروحة الليدي وندمير وعزيزة ويونس، ليصل إلى أكثر من مائتي مسرحية.

 

السينما في حياة فتوح نشاطي

التفتت السينما على استحياء إلى موهبة نشاطي كممثل بارع، ربما لانشغاله الطاغي بالمسرح، فشارك في أفلام "وداد" مع أم كلثوم، و"ليلة غرام، والله معنا، وحب وإعدام،  وشارع الحب"،

وقام بدور المايسترو عزيز وهو أكثر أدواره شهرة ويعرفه به الكثيرون، والناصر صلاح الدين، وفي عام 1970 أخرج فتوح نشاطي آخر أعماله المسرحية وهي مسرحية "سر الحاكم بأمر الله"،  وأصدر الجزء الاول من كتابه ”خمسون عاما في خدمة المسرح“، الذي أصدر جزءا ثانيا منه عام 1973 قبل أن يرحل في 27 أكتوبر عام 1974.