- شيخ الأزهر: ضرب الزوجة ليس مطلقًا ولم يقل به الإسلام ولا القرآن
- الشعراوي: الله تبارك وتعالى لم يأمر بضرب النساء لكنه أباحه لمن تصر على عدم طاعة الزوج
- الإفتاء: يجوز للحاكم أن يمنع الأزواج من ضرب الزوجات
- منسقة "سكن ومودة": ما نراه اليوم من عنف نتاج البعد عن الدين
"طلاق.. عنف.. ضرب وقتل" أمور زادت معدلاتها خلال الآونة الأخيرة بحسب الإحصائيات والدراسات الرسمية التي دفعت مؤسسات الدولة لمواجهتها بحزم من خلال دورات تأهيل للمقبلين على الزواج كـ"سكن ومودة" التي أطلقتها وزارة الأوقاف مؤخراً ودورات دار الإفتاء، أو الوحدات الشاملة للإصلاح الأسري كـ" لم الشمل" التي أطلقها الأزهر الشريف.
رباط غليظ
اتفقت الشرائع السماوية على سمو مكانة الزواج وقدسيته وجعله من أمور الفطرة التي تسمو بالمودة والرحمة وأنها رباط غليظ يجمع بين الزوجين وقد شرع الله تعالى الزواج بين الذكر والأنثى كي يستمر النسل ويتواصل إلى أن يرث الأرض ومن عليها، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، ويقول أيضاً: "وجعلنا بينكم ميثاقًا غليظًا"، وفي حال وصل الأمر بين الزوجين إلى طريق يستعصى فيه الاستمرار جعل الله للزوجين حق الانفصال بالمعروف:"وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ"، ويقول تعالى:" فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي".
وورد في خطبة الوداع عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:" استَوصوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّهنَّ عندَكُم عَوانٍ"، وعن عائشة رضى الله عنها:" ما ضرَب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا قطُّ بيدِه، ولا امرأةً، ولا خادمًا"، وفي بيان النهي المطلق عن ضرب النساء ذكر أبا داود والنسائي من حديث إياس بن عبدالله " لا تضربوا إماء الله"، وفي بيان الموقف الشرعي للإسلام من العنف الزوجي أكد علماء وواعظات الأزهر والأوقاف أن الأمر غير مباح في الإسلام وأن ما يشاع في أمر المرأة الناشز ليس إلا إعلام بعدم الرضا بطريقة ليس فيها عنف كإمساك السواك أو فرشة أسنان ويشر لها بها دون تعدٍ أو إهانة.
ولفت العلماء من خلال تصريحات خاصة لـ"صدى البلد"، أن الشريعة الإسلامية أعلت من شأن السكن والمودة والرحمة في الزواج لما يمثله من ميثاق غليظ يقوم على احترام متبادل لا صراع بين طرفين، مؤكدين أن هناك آيات وأحاديث نهت عن الضرب أو العنف نهائياً ضد المرأة أو غيرها وإن كانت متهمة بأبشع الجرائم المتعلقة بالعرض.
الضرب في القرآن وجوب أم إباحة
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي وزير الأوقاف الأسبق، إن الله تبارك وتعالى لم يأمر بضرب النساء لكنه أباحه، وفرق كبير بين الأمر والإباحة، وقد جعل الله الضرب مرحلة ثالثة بعد الوعظ والتذكير بشرع الله وبعد الهجر في الفراش، مما يؤكد أن المرأة هنا تكون مُصرة على فعل ما يكرهه زوجها وأن الموعظة لم تجد والهجر لم ينفع، موضحاً أن الشرع يشترط أن يكون الضرب غير مبرح أي مجرد إيلام خفيف بعد أن فشلت كل الطرق في إصلاحها.
وبين الشعراوي في كتابه "فتاوى النساء" أن الله أوجب على المرأة طاعة زوجها لما يبذله من جهد وما يتحمله من مشقة وما يتعرض له من مضايقات تعيده إلى البيت متعباً منهمكاً الأمر الذي يجعل واجب المرأة أن تكون سكناً لزوجها وتزيل عنه إرهاق الحياة ومتاعبها، مؤكداً أن الضرب معناه إظهار عدم الرضا عن شيء يحدث وليس الكراهية ومثله مثل ضرب الأب ابنه، مشدداً على أن الشرع الحنيف حض الزوج على الترفق بهن لضعفهن وقلة حيلتهن.
استثناء من ممنوع
فيما أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أن ضرب الزوجة ليس مطلقًا ولم يقل به الإسلام ولا القرآن ولا يمكن أن تأتِ به أي شريعة أو أي نظام يحترم الإنسان، لافتاً إلى أن الضرب الرمزي يأتي في حالة المرأة الناشز كحل ثالث إن لم يصلح معها النصح والهجر، وهذا الضرب الرمزي له ضوابط وحدود.
وأشار الإمام الأكبر خلال لقائه الرمضاني، إلى أن خيار الضرب الرمزي الذي يأتي كخيار ثالث بعد النصح والهجر، ليس فرضاً ولا واجباً ولا سنة ولا مندوباً، بل هو مباح للزوج إذا وجد نفسه أمام زوجة ناشز وتأكد له أن هذه الوسيلة الوحيدة هي التي سترد الزوجة.
وشدد على أنه يباح للزوج أن يلجأ إلى الضرب الرمزي كاستثناء من أصل الممنوع، فالضرب كأصل ممنوع في الإسلام، ولأنه استثناء فقد وضعت له شروط حازمة، فغير الناشز يحرم ضربها حتى لو وقع بين الزوجين خلاف، ويحرم على الخاطب أن يمد يده على خطيبته، وشرط آخر أن يكون ضرب الزوج للزوجة بهدف الإصلاح لا العدوان.
ترويع الزوجة والأولاد حرام
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن اعتداء الزوج على زوجته وتهديدها وترويعها وكذلك الأولاد من الأمور التي أجمع المسلمون على تحريمها، ولا علاقة لها بتعاليم الإسلام ولا بالشريعة الإسلامية، وفاعل ذلك آثم شرعًا.
وقالت، إن الإسلام دين الرحمة، ووصف الله تعالى حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه رحمة للعالمين فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» [الأنبياء : 107]، وأكد الشرع على حق الضعيف في الرحمة به، وجعل المرأة أحد الضعيفين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم وَالمَرْأة».. (رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيد).
وأضافت الإفتاء، أن الإمام النووي قال في كتاب (رياض الصالحين)، والمرأة أحق بالرحمة من غيرها؛ لضعف بنيتها واحتياجها في كثير من الأحيان إلى من يقوم بشأنها؛ ولذلك شبه النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء بالزجاج في الرقة واللطافة وضعف البنية، فقال لأنجشة: «ويحكَ يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ».. (متفق عليه).
وأشارت إلى أنه فهم ذلك علماء المسلمين، وطبقوه أسمَى تطبيق، حتى كان من عباراتهم التي كوَّنت منهج تفكيرهم الفقهي: "الأنوثة عجز دائم يستوجب الرعاية أبدًا".
ونبهت على أن الإسلام أمر الزوج بإحسان عشرة زوجته، وأخبر سبحانه أن الحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة، فقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [الروم : 21].
ونوهت بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حسن معاملتهم لزوجاتهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي».. (رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها)، مؤكدة أن الشرع حض على الرفق في معالجة الأخطاء، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفق في الأمر كله، فقال: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (رواه مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها).
وأفتت بأنه يجوز للحاكم أن يقيد هذا المباح ويمنع الأزواج من ضرب الزوجات عند إساءة استخدامه ويوقع العقوبة على ممارسه، فقد أجاز الشارع للحاكم تقييد المباح للمصلحة؛ حيث يتخذه بعض الأزواج تُكَأَةً للضرب المبرح، أو للتنفيس عن غضبهم وانتقامهم لا بغرض الإصلاح، فيحدث ما لا تُحمَد عقباه من نشر الروح العدوانية في الحياة الأسرية، ولذلك فللحاكم أن يَمنَعه سدًّا للذريعة، أو حتى عند عدم صلاحيته كوسيلة للإصلاح كما هو الحاصل الآن في أكثر البيئات؛ حيث أصبح الضرب في أغلب صوره وسيلة للعقاب البدني المبرح بل والانتقام أحيانًا، وهذا مُحَرَّمٌ بلا خلاف بين أحد من العلماء.
الرحمة والمودة
قال الشيخ علي عبد الباقي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية سابقاً، إنه لا يوجد مبرر على الإطلاق لضرب الزوج لزوجته، حيث إن الشريعة الإسلامية أوجبت الاحترام بين الطرفين والمعاشرة بالمعروف فقال تبارك وتعالى : "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
ولفت عبد الباقي في تصريحات لـ صدى البلد، إلى أن الحديث عن مبرر للضرب لا يجوز لأن الاعتداء مرفوض ولا يقبل وليس في شريعتنا إلا الرحمة والمودة أو التسريح بالإحسان، مؤكداً أن رحمة الإسلام بالزوجة وفضلها جعلها لا تضار بأفعالها في رؤية أولادها، حيث يقول تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ"، مؤكداً على أن الشريعة جعلت هناك قصاص في حالة الاعتداء باعتباره تعدٍ غير مقبول على الآخر.
الزواج قائم على المودة
منسق عام حملة سكن ومودة بوزارة الأوقاف الدكتورة وفاء عبد السلام قالت إن الإسلام دين الرحمة ولم يجعل هناك مبرراً للعنف لا داخل الأسرة أو خارجها، مشددة على أنه لا يوجد في الإسلام حاجة اسمها ضرب الزوجة حتى لو امرأة ناشز التي يحتج بها الكثيرون فالأمر لا يتعدى كونه تقويم نفسي.
ولفتت "عبد السلام" إلى أن القرآن جعل هناك تدرجاً في التعامل مع المرأة الناشز بأن يتم نصحها أولاً ثم الهجر في المضاجع ثم الضرب غير المبرح يقول تعالى: "فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ"، فبدأت الآية بالموعظة ثم الهجر في المضجع ثم الضرب غير الموجع بهدف التقويم النفسي ليس أكثر، دون إهانتها أو تعنيفها العنف الذي نراه، مشيرة إلى أن التعامل بين الرجل والمرأة يجب أن يكون وفق منهج النبي وصحابته رضوان الله عليهم، فما ورد كان ضرباً بالسواك وهو الآن ما يوازي فرشة الأسنان وهذا لا يعني الضرب بل هو مجرد تقويم لسلوكها وتلك هي المرحلة الثالثة لا الأولى.
وبينت أن الهجر في المضجع تعلمناه من سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها:" "إنِّي لأعلمُ إذا كنتِ عنِّي راضيةً، وإذا كنتِ عليَّ غَضْبَى». قالت: فقلتُ: مِن أين تَعْرف ذلك؟ فقال: «أمَّا إذا كنتِ عني راضيةً، فإنكِ تقولين: لا وربِّ محمد، وإذا كنتِ علي غَضبى، قلتِ: لا وربِّ إبراهيم». قالت: قلتُ: أجل والله يا رسول الله، ما أهْجُرُ إلَّا اسمَك".
وشددت منسق "سكن ومودة" على أن ما نراه اليوم من عنف هو نتاج البعد عن الدين، وما ينبغي العمل عليه الآن هو تكاتف أدوار الإعلام والأمهات والمساجد من أجل ترسيخ العلاقة الزوجية القائمة على المودة والرحمة التي جعلها الله تبارك وتعالى عنواناً للزواج فقال:"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، مشيرة إلى أن التعبير بالمودة لا الحب لأن الحب ميل قلبي بينما المودة سلوك، فالبيوت لا تقام على قصص الحب بل هي علاقات بين الزوجين قوامها سلوكيات تعالج المشاكل وحال انتفاء المودة بينهما فالرحمة تسود ومنها حال مرض أحدهما أو تقدم بهما السن.
واستشهدت الواعظة بالأوقاف على سمو العلاقة الزوجية والحكمة في معالجة ما يطرأ من مشكلات بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك قائل:" علينا بالمنهج النبوي فلا يوجد أصعب من حادثة الإفك وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الموضوع بتروي حتى مع تأخر الوحي".
الضرب الرمزي
بينما أشارت منال المسلاوي الواعظة بالأوقاف، إلى أن هناك من آيات الله تعالى الدالة على قدرته وعظمته أن خلق لنا من أنفسنا أزواجاً معللاً ذلك بقوله تعالى (لتسكنوا إليها) أي ليجد الرجل بعد عناء ومشقة يومه في السعي على رزقه ورزق أسرتهالهدوء والسكن والراحة والطمأنينة، فعند عودة الرجل إلى بيته بعد عناء يوم طويل تكون المرأة في استقباله أفضل استقبال يعوضه عن هذه المشقة فيجد الراحة فى بيته والحنان والدفء والهدوء مع زوجته، وهذا هو الأصل والطبيعي في الزواج، فالسكون هنا هو سكون قلبى تزول معه كل هموم ومتاعب الحياة، لهذا يجب على المرأة أن تعمل جاهدة على أن تكون نعم السكن للزوج من خلال الحرص على راحته وسعادته.
وبينت أن المرأة الذكية هي التي تحافظ على بيتها وعلى زوجها وتسعى جاهدة لإسعاد زوجها والحفاظ على بيتها، وكذلك الزوج يحرص أيضاً على بيته وأسرته، وتتحقق المحافظة على البيت من خلال احترام الزوجين لبعضهما البعض والذي يتحقق معه قوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، موضحة أنه نظراً لضغوط وصعوبة الحياة قد يتعرض الزوج خارج المنزل للكثير من المشاكل والصعوبات والتي قد تؤثر على سلوكيات وأخلاق الزوج مع زوجته بالإضافة إلى أن في الأصل قد تكون شخصية الزوج غير سوية وبها خلل فقد يكون شخص عصبى أو مستفز، على الجانب الأخر قد تكون شخصية الزوجة كذلك، وهنا يصعب تحقيق السكن والمودة والهدوء والراحة.
وشددت على أن الضرب على إطلاقه غير جائز شرعاً، وإنما في حالة الخوف من نشوز المرأة وهدم بيت الزوجية يكون الضرب هنا استثناء ويسبقه خطوات إذا لم تستجيب المرأة وترجع عن عنادها يكون ضربها ضرب من باب التهديد ضرب غير مؤذى ولا مبرح ويطلق عليه بعض العلماء ضرب رمزي.