الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نوستالجيا.. تاريخ الجرامافون في مصر والوطن العربي.. ودور محمد فوزي في تغيير المستقبل

الجرامافون
الجرامافون

الجرامافون أو الجراموفون أو الفونوغراف كلها أسماء لنفس الجهاز الذي كان يستخدم قديما لتسجيل الصوت عليه ثم إعادة تشغيله وسماعه مرة أخرى باستخدام أسطوانة دائرية خاصة بالجهاز ليتم تسجيل الصوت عليها.
بدأت فكرة الجرامافون ووُضعت أساساته على يد المخترع الفرنسي ليون سكوت، حيث قام باستغلال ما تحدثه موجات الصوت من اهتزازات لجعل قلم يسجلها على ورقة، وكان الهدف من ذلك الاختراع وقتها هو محاولة دراسة خصائص الصوت وليس تسجيل الصوت لإعادة تشغيله مرة أخرى. 
ثم جاء توماس أديسون بعد ذلك عام 1877م لتحسين هذا الاختراع والاستفادة منه وتحويل قدرته من التسجيلية للباعثة أيضا، واستعان في التسجيل بأسطوانة معدنية ملفوفة بالصفيح، حيث تقوم إبرة صغيرة متصلة بغشاء يهتز من موجات الصوت المنبعثة بحفر تلك الموجات على الأسطوانة ثم يتم استعادة الصوت أو شبيه الصوت وليس الصوت تماما عن طريق جعل الإبرة تمس الأسطوانة أثناء دورانها فتتأثر بالحفر والنقرات على سطحها ليهتز الغشاء وينبعث منه الصوت الشبيه.
وتوالت التحسينات بعد ذلك للجهاز وللمادة التي تصنع منها الأسطوانة مما أدى إلى زيادة جودة الصوت ونقائه حتى عام 1925م حيث بدأ تصنيع الجرامافون بمحركات كهربائية فظهرت التسجيلات الكهربائية بصوت أكثر نقاء ووضوح ثم تطورت الأجهزة الصوتية وبالتدريج تم الاستغناء عن الجرامافون برغم أن البعض ما زالوا يملكون تلك الأجهزة كتحفة فاخرة تاريخية وثمينة.

مما يتكون؟


يتكون الجراموفون من مكبر الصوت والسن والخزانة ونظام التشغيل ومدور الأسطوانات والأسطوانات، حيث يتم وضع الأسطوانة على مدور الأسطوانات الذي يعمل على تدوير الأسطوانة بسرعات مختلفة، وعند بدء التشغيل تنتقل الاهتزازات الناتجة من السن إلى ما يُسمى الخزانة، حيث تُحول إلى طاقة كهربائية ثم تنتقل الموجات الكهربائية بعد ذلك عبر الأسلاك إلى مكبرات الصوت التي تقوم بتكبير الإشارات الضعيفة وتحول الموجات الكهربية  إلى موجات صوتية ونظام التشغيل أو المحرك الذي يُشغل الجهاز ويعمل على تدوير الأسطوانة ويتم عن طريقه تغيير سرعة الدوران برفعها أو خفضها.

 

أما لاستعادة الصوت، يتم وضع إبرة ملحقة بحاجز غشائى على الأسطوانة، وأثناء دوران الأسطوانة، تتسبب النقرات الرقيقة فى اهتزاز الإبرة والحاجز الغشائي، ومن هذه الاهتزازات تصدر أصوات تشابه تقريبًا الصوت الأصلي، الأمر الذى أحدث نقلة نوعية فى عالم الصوتيات فى تاريخ البشرية.

مصر رائدة في استخدامه!

وتعتبر مصر أولى الدول العربية التي دخلتها معامل التسجيل، وكان ذلك عام 1890، وأولى البلاد العربية التي سجلت أسطوانات تجارية عام 1903 أو 1904 وكانت للمطرب عبده الحامولي، بحسب أطروحة للباحث فريدريك لاغرانغ عن «الشعر والموسيقى في مصر في عصر النهضة».

وبما أن مصر كانت موئل الإبداع، وبوابة الفن والموسيقى الأولى في العالم العربي، فإن أنشطة التسجيل وصناعة الأسطوانات فيها من قبل الشركات الأجنبية كانت تدر ذهبا، وتحقق أرباحا ضخمة.

 لذا صمم الموسيقار محمد فوزي على أن يكسر احتكار الأجنبي لهذه الصناعة وينتج أسطوانات غير قابلة للكسر، بأسعار تقل مرتين عن أسعار أسطوانات الشركات الأجنبية. وهكذا ولدت «شركة مصرفون» عام 1958 وأنفق عليها صاحبها محمد فوزي كل مدخراته من عمله في السينما والتلحين والغناء، بل تفرغ لإدارتها من أجل أن يثبت أقدامها في أسواق الشرق الأوسط، غير أن الحكومة المصرية لجأت عام 1961 إلى تأميم الشركة، وتعيين صاحبها على رأسها كموظف براتب شهري مقداره مائة جنيه فقط، الأمر الذي تسبب لفوزي في الإحباط والإصابة بمرض نفسي وجسدي ليتوفى عام 1966 مأسوفا عليه.

دخول الاختراع للمنطقة العربية

يعتبر فناننا الشعبي محمد زويد، أول مطرب بحريني يسجل أغانيه على أسطوانات، وكان ذلك عام 1929 في بغداد عبر «شركة بيضافون أبوغزال» لصاحبيها بطرس وجبران بيضا. 

وكانت هذه الشركة تزور بغداد ومناطق الخليج وتتحرى عن المقرئين والمطربين لتسجل نتاجهم مقابل أجور تدفعها لهم. 

والجدير بالذكر أنّ زويد، بعد أنْ تعلم أصول الغناء والعزف في «دار البصرة» القريبة من سكنه في داعوس «بـَمـْبي» في بوماهر في المحرق، التابعة لرائد فن الصوت الخليجي محمد بن فارس، زكاه الأخير ليسجل بدلا عنه أولى أغنياته في العراق عام 1929 أي بعد عامين من قيام المطرب الكويتي عبد اللطيف عبد الرحمن العبيد الشهير بعبداللطيف الكويتي، بتسجيل أول أسطوانة له لدى الشركة ذاتها في العراق، وكان التسجيل لأغنية بعنوان «عواذلُ ذاتِ الخال فيّ حواسدُ».

 لكن هناك من يؤكد أن أول من سجل من المطربين الكويتيين هو عبد الله فضالة عام 1913 في استوديوهات خاصة في بمبي، كما يؤكد أنّ الفضالة هو أول مطرب خليجي يسجل في القاهرة لدى بيضافون عام 1929 أغاني مثل: «شدوا الضعاين»، و«قلت آه من لهيب النار»، و«إنّ هندا يرق منها المـُحيــّا»، بينما سجل عبداللطيف الكويتي لأول مرة في القاهرة عام 1933 لدى شركة «أوديون».

 أما أول من سجل أسطوانة من مطربي الحجاز، فهو الشريف هاشم العبدلي الذي سجل خمسة أعمال مختارة لصالح شركة ميشيان عام 1920، وإن كان البعض يؤرخ بدايات تسجيل الغناء في الحجاز بقيام القنصلية الهولندية في جدة عام 1905 بتسجيل نماذج من الغناء الحجازي الجماعي على أسطوانات.

باندلاع الحرب العالمية الثانية توقف ذهاب مطربي الخليج إلى البصرة وبغداد وبمبي للتسجيل، الأمر الذي أصاب هذا النشاط بالشلل، غير أنه بعد انتهاء الحرب، وتحديدا منذ عام 1948، عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي، لكن بصورة أخرى، إذ كانت آلات ومعامل التسجيل قد جـُلبت إلى البحرين على يد محمود الساعاتي وأولاده، الذين كانوا بمثابة وكلاء حصريين لأول ثلاث شركات تسجيل في البحرين وهي: «بيضافون»، و«هزماسترفويس» و«أوديون».

وشهد العام نفسه أي 1948 انفصال اثنين من أبناء محمود الساعاتي (وهما عبدالحسين وشقيقه عبد الرحمن) عن والدهما لإنشاء شركتهم الخاصة لتسجيل الأسطوانات، التي أطلقا عليها «شركة الأسطوانات العربية» وكان مقرها في شارع المهزع. أما ستوديو التسجيل التابع للشركة فكان موقعه في بيت من بيوت فريج المخارقة. ومما يـُروى أن أول أغنية ســُجلت فيه كانت «يحيا عمر قال» من أداء المطرب يوسف فوني، وبعده تم تسجيل أغانٍ في الاستوديو نفسه للمطرب عبد الله أحمد الذي قيده صاحبا الشركة بعقد احتكاري مقابل راتب شهري مقداره 100 روبية.

هذا عن تسجيل الأغاني، أما عن تحويلها إلى أسطوانات فإن التسجيلات كانت ترسل إلى بمبي لوضعها في قوالب، وكانت العملية تستغرق شهرا، وكان الحد الأدنى لكل طلبية هو 50 أسطوانة من تلك التي كان يطلق عليها «الحجر» كناية عن ثقلها.

ومن الطرائف التي تقال في هذا السياق أن أهالي فريج المخارقة بالمنامة تقدموا بشكوى إلى الشرطة ضد ستوديو الأخوين ساعاتي بدعوى أن أصوات الغناء والآلات الموسيقية تسبب لهم الإزعاج وقلة الراحة، فتم عرض الموضوع على مدير الشرطة آنذاك المرحوم العقيد علي ميرزا (والد الوزير عبد الحسين ميرزا) الذي أمر أفراده بتفكيك آلات التسجيل وحجزها، فلم يجد الأخوان ساعاتي أمامهما سوى اللجوء إلى حاكم البلاد المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي نصحهما بالتفاهم مع أهالي «المخارقة»، وحينما رفض هؤلاء التفاهم نقل الأخوان ساعاتي الأمر إلى المستشار تشارلز بلغريف الذي طعن في عملية الحجز والمصادرة لأجهزتهما كونها لم تتم بأمر المحكمة ولم تجر وفق الإجراءات القانونية.

وهكذا عادت عجلة الإنتاج في «شركة الأسطوانات العربية» لتدور مسجلة أغاني بحرينية لأحمد خالد هجرس وعلي خالد هجرس، وعبد الله أحمد، وأخرى عمانية لحمد بن حليس وحمد الصوري وسالم راشد الصوري وموزة سعيد وموزة خميس وشمة الخضارية، قبل أن ينفصل عبد الحسين عن أخيه عبدالرحمن عام 1960، ليؤسس كل منهما شركته الخاصة للتسجيل.
وهكذا يـُعزى لآل ساعاتي ليس الفضل الأكبر والدور الأهم في النهضة الغنائية في البحرين عن طريق التسجيل وإنتاج الأسطوانات فحسب، وإنما أيضا تعبيدهم الطريق لآخرين لدخول هذا المجال، من أمثال جرجي وإبراهيم إسحاق سويري، و«إبراهيم وصالح أبناء عبد القادر تقي»، ثم المطرب العماني «سالم راشد الهاشمي» المعروف بسالم راشد الصوري الذي أنشأ شركة «سالم فون» في بمبي في 1947 لتسجيل وإنتاج الأسطوانات ونقل نشاطها لاحقا إلى البحرين، حيث أقام فيها مذاك وحتى عام 1971، عاملا في الحقل الفني ومنتجا للعديد من الأعمال الغنائية مثل: «يا مركب الهند»، و«واصلني مرة»، و«حبيب القلب»، و«بوراشد يقول»، و«مسيت البارحة مجبور» و«نايم المدلول».

وعليه شهدت حقبة الخمسينات والستينات ظهور شركات ومعامل تسجيل غنائية كثيرة مثل «عرب فون»، و«النهضة» لصاحبهما عبد الحسين الساعاتي، و«الهلال» و«عمر الخيام» لصاحبهما عبد الكريم الساعاتي، و«إسماعيل فون» لصاحبها إسماعيل الساعاتي، و«عبدالرحمن فون» لصاحبها عبدالرحمن الساعاتي، و«سالم فون» لصاحبها سالم راشد الصوري، و«أنور فون» لصاحبها قرجي إسحاق سويري، وكل هذه المعامل كان مقرها في شارع ولي العهد بالمنامة.

 أما شركة «إبراهيم فون» لصاحبها إبراهيم إسحاق سويري، وشركة «بحرين فون» لصاحبيها إبراهيم وصالح عبد القادر تقي، فقد اتخذتا من شارع الخليفة، وشارع الشيخ عبد الله بالمنامة مقرين لهما على التوالي.

كما تذكر المصادر التاريخية أن المطرب الكويتي عبدالله فضالة السليطي، الذي عمل في إذاعة البحرين أثناء الحرب العالمية الثانية لمدة أربع سنوات، سجل العديد من «الأصوات» و«السامريات» و«اليمانيات» مثل: «غرد حمام الغصون»، و«جزي البارحة جفني عن النوم» و«ياهل المحبة» في البحرين لدى «سالم فون» و«إبراهيم».