قبل 10 سنوات، في 20 أكتوبر 2011، أعلن المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي الليبي عبد الحفيظ غوقة مقتل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في مدينة سرت شمالي البلاد، وتلا في إعلانه عبارة "هذه نهاية الاستبداد والديكتاتورية في ليبيا".
القذافي الذي لم يمت
وبعد 10 سنوات على رحيل القذافي، تبدو عبارة غوقة الآن مفرطة في تفاؤلها، فلا البلاد استقرت ولا حتى اكتمل مشروع توحيدها الذي يمر بمخاض صعب يُفترض أنه يشرف على اكتماله مع إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في 24 ديسمبر المقبل.
قالت قناة "فرانس 24" في تقرير لها إن القذافي في سقوطه المدوي، على يد ثورة شعبية تحولت إلى صراع مسلح دموي بعد تدخل عدة أطراف دولية، اصطحب بعضًا من أفراد عائلته أثناء هروبه، من بينهم ثلاثة من أبنائه الذكور، معتصم وخميس وسيف العرب، والذين قتلوا جميعهم أثناء أحداث ثورة 2011. لكن أشهر أبنائه، سيف الإسلام، والذي كان يحظى بدعم والده لخلافته في الحكم إضافة لاعتبار الغرب له ذا رؤية إصلاحية قادرة على نشر الديمقراطية في البلاد وتحرير اقتصادها، لا يزال على قيد الحياة.
وفي نوفمبر 2011 اعتقلت جماعة مسلحة في الزنتان سيف الإسلام، جنوب غرب العاصمة طرابلس، ثم حكم عليه بالإعدام عام 2015 بعد محاكمة عاجلة. ونظرا لأنه على قائمة المطلوبين التابعة للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، اختفى سيف الإسلام لمدة طويلة، وبقي بعيدا عن الأنظار حتى بعد إعلان إطلاق سراحه في عام 2017.
حنين لسنوات الأب؟
وظل سيف الإسلام مختفيًا حتى ظهوره المفاجئ، في يوليو الماضي وهو بعمر 49 عامًا، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية المرموقة. واستغل سيف الإسلام القذافي الظهور الإعلامي المدوي هذا لإعلان عودته القريبة إلى معترك السياسة الليبية. عودة مهد لها انتخاب حكومة مؤقتة في شهر مارس الماضي يقع على عاتقها توحيد مؤسسات الدولة في الشرق والغرب والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر المقبل.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن مثل هذه العودة، فبعض السياسيين الليبيين يرون أن إعادة إدماج أنصار القذافي السابقين في العملية السياسية أمر ضروري لتحقيق المصالحة الوطنية وضمان نجاحها. فبالفعل في مارس عام 2018، ولجس نبض الرأي العام، أعلنت الجبهة الشعبية الليبية، وهي حزب لا يخفي ميوله القذافية، من تونس، ترشيح نجل الزعيم الذي أعلن نفسه "ملكًا لملوك أفريقيا"، في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في مقابلته مع نيويورك تايمز، لم يقل سيف الإسلام، ذو اللحية التي يعلوها الشيب والقميص الأسود المطرز بخيوط ذهبية والمعتمر لعمامة سوداء، ما إذا كان سيرشح نفسه للرئاسة في عام 2021، لكنه قال إنه مقتنع بأن عودته يمكن أن ترجع "الوحدة المفقودة" للبلاد.
ومنذ تلك المقابلة، بات الجميع يأخذون طموحات القذافي الابن السياسية على محمل الجد. يقول عماد الدين بادي المتخصص في الشؤون الليبية والباحث في المجلس الأطلسي الأمريكي، لفرانس 24: "لا يستبعد أنه في يوم من الأيام، في المستقبل البعيد، أن يصل سيف الإسلام القذافي إلى السلطة في ليبيا، وهو أمر ليس من الصعب تماما تصوره أو تخيله". ثم يواصل بقوله: "من جهة أخرى، لا يزال الوقت مبكرا على ذلك. واحتمالية رؤية سيف الإسلام القذافي مرشحا في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل ضئيلة للغاية".
بيد أن عائلة القذافي، وبالأخص سيف الإسلام، لا تزال تحظى بشعبية كبيرة بين من يحنون للماضي وبين بعض المسؤولين السابقين في الجماهيرية الليبية، ناهيك عن العشائر والقبائل التي ظلت موالية لعائلة الديكتاتور السابق إضافة إلى جزء من الرأي العام بالبلاد يشعر بخيبة أمل من غياب الاستقرار وانحدار ليبيا إلى الهاوية.
خيبة أمل لا شك يعتزم ابن القذافي ركوب موجتها. "لم يعد ثمة أموال، وغاب الأمن. لم يعد للحياة معنى هنا. في محطات الوقود: لا يوجد بنزين. يحدث ذلك في بلادنا، نحن من نصدر النفط والغاز إلى إيطاليا… نحن من يضيء نصف إيطاليا بالكهرباء لدينا انقطاع دائم في التيار. هذا أكثر من مجرد فشل. إنه فشل ذريع"، هكذا صرح القذافي الابن لصحيفة نيويورك تايمز.
ويتابع عماد الدين بادي تحليله: "في السنوات الأخيرة، ارتفعت أسهم سيف الإسلام القذافي داخل بعض الجماعات، لا سيما لأسباب اقتصادية أو أمنية أو سياسية تثير حنينا إلى عهد حكم القذافي. وما لم يكن حديثًا شائعا في السنوات الأولى بعد سقوط النظام، فلم يكن أحد يتحدث بالمرة عن عودة هذه العائلة". ويضيف أنه من المفارقات أن تكون "هذه الظاهرة ملحوظة حتى على مستوى الأجيال الشابة، التي لم تكن ناضجة بعد في حياة معمر القذافي أو التي لم تختبر طبيعة نظامه الحقيقية".
هل يعد سيف الإسلام القذافي الخيار المفضل لروسيا؟
يواصل الباحث حديثه بالقول: "مجرد التفكير أن مثل هذا السيناريو لعودة القذافي الصغير إلى السلطة بات معقولا يخبرنا بالكثير، ليس فقط عن الوضع الحالي للطبقة السياسية الليبية، ولكن أيضا عن الاستراتيجيات الجيوسياسية للقوى الأجنبية الكبرى المنخرطة في الملف الليبي".
ويتابع: "لا يجب إغفال حقيقة أن أول ظهور إعلامي له كان على صفحات نيويورك تايمز، فالليبيون ليس من عادتهم قراءة هذه الصحيفة الأمريكية. الرسالة إذن كانت موجهة إلى جمهور أجنبي وبخاصة للبلدان الأكثر ميلا لقبول عودة أحد أفراد هذه الأسرة".
إن سيف الإسلام القذافي، يظل خيارًا سياسيًا جذابًا لبعض القوى الأجنبية الفاعلة في الملف الليبي ولا سيما روسيا. ويشير عماد الدين بادي إلى أنه: "في الوقت الذي سيكون فيه من الصعب جدا على سيف الإسلام القذافي التمتع بالشرعية الداخلية، فهو يمكنه في هذه الحالة الاعتماد على الدعم الخارجي". فروسيا، التي حافظت دائما على علاقات سياسية وعسكرية وحتى اقتصادية مع أسرة القذافي، قد تسعى إلى تعزيز أو حتى فرض العودة إلى نوع من الحكم العشائري، بالاعتماد على سيف الإسلام لتحقيق ذلك".
ومع ذلك، وبغض النظر عن التعقيدات التي قد تسببها إدانته من قبل محكمة ليبية ومذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، فإن احتمال عودة سيف الإسلام القذافي للساحة السياسية ليست محل إجماع داخل البلاد، فأسرته لديها العديد من الأعداء الذين سيفعلون أي شيء لمنعه من العودة إلى حلبة السياسة.
وخلاصة القول في رأي عماد الدين بادي، هي أنه "حتى لو وصل سيف الإسلام إلى السلطة، فلن يكون من اليسير عليه السيطرة على العنف الممنهج في جميع أنحاء ليبيا بسبب تشظي المشهد السياسي والقبلي في البلاد. وعليه أن يدرك أن ليبيا باتت أكثر تعقيدا بالتأكيد مما كان عليه الوضع عام 2011 - عندما توفي والده".