الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رجب الشرنوبي يكتب: الجونة.. عراة الفكر أم عراة الجسد!!!

صدى البلد

لا يستطيع أحد ان ينكر دور الفنون ومنها بالتأكيد السينما والدراما في إضافة جوانب إيجابية للشخصية الوطنية..كما لايمكن بالتأكيد إغفال المساهمات الجوهرية للمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية والإعلامية في صنع هذه الشخصية منذ نعومة أظافرها..لكن هل يمكن تصنيف مايحدث علي أرض الجونة وغيرها من مهرجانات العري الفنية التي لاتلتزم بالإطار العام للمجتمع كأحد هذه المكتسبات؟؟!!

فرق كبير بين المحافظة علي هوية المجتمع الدينيةوالثقافيةوبين ماأقرته وبنيت عليه الجماعات المتطرفة أفكارها وبرامجها،بدعوي الحفاظ علي الإلتزام الأخلاقي للمجتمع وخدمة منهج الله في الأرض..كذلك فرق كبير بين مسايرة التقدم والمدنيةوبين مظاهر الإنحلال الفكري والجسدي تحت دعاوي الإبداع والحريات الشخصيةوحرية الرأي والتعبير.

تجديد الخطاب الديني بالتأكيد ضرورة ملحة ومطلوبة..حتي يتمكن المجتمع من تصويب مساره مرة أخري ويستطيع أن يكتسب مزيد من الثقة في خطواته القادمة،بعدأن أُصيب بالضعف والهزال ونهشت فيروسات الأفكارالمتطرفةالمدمرة جسدة طوال العقود الماضية،عودة القوة للجسد بالطبع ستكون مقرونة بعودة روحه المرحة وهويته الوسطية التي عُرف بهاوتميزمنذ آلاف السنين.

تجديد الخطاب الثقافي والفني لاشك أنه أصبح لايقل أهمية وضرورةعن تجديد الخطاب الديني..بعدما أصابه من تلوث سمعي وبصري وأفكار متطرفة منحرفة،لاتقل قدرتها التدميرية عن تلك التي في حوزة الجماعات الإرهابية..تميزت الفنون والدراما المصرية منذ أمد بعيد بتأثيرها الطاغي في المنطقة العربية وأحياناً كثيرة داخل القارة الأفريقية،أحتلت المسارح ودورالعرض السينمائي وصناعة الدراما المصرية دائماً المرتبة الاولي في منطقتنا العربية،كماعُرف عنها أيضاً منذ البداية مراعاتها الدائمةللإطار العام الحاكم للمجتمع المصري وخصوصيته،من تقاليد وأعراف وقيم دينيةوروحيةوثقافية ومجتمعية..تمثل في مجموعها خليط يشكل الهوية الوطنية.

مهرجانات عريقة مثل القاهرة السينمائي الدولي والأسكندرية السينمائي الدولي،رغم بدايتهما منذمنتصف سبعينيات القرن الماضي علي أيدي عظام مثل كمال الملاح وسعد الدين وهبة،لم يسبق أن تعرض أياً منهما لموجة حادةمن النقد والهجوم المجتمعي بهذا الشكل،مثلما يتعرض مهرجان الجونةالذي لم تتعدي سنوات عمره للآن أصابع اليدالواحدة..بل ربما عُقدت دورات كثيرةلكل منهما وأنتهت دون أن يشعر بها أحد،سوي المتواجدين بالوسط الفني والمهتمين بصناعة السينما،أوعلي الأكثر الجمهورالذي ينتظر المهرجان كل عام..للإستمتاع بآخر ماأنتجته صناعة السينما العالمية والعربية.

من المؤكد أن مهرجان الجونة وغيره من مشاهد العري الفكري والجسدي داخل المجتمع..هو نتاج طبيعي لسنوات طويلة من العشوائية،سيطرفيهاالمال علي كل شيء في المجتمع فهو الهدف من كل شيء وهو المحرك لأي شيء داخله،ضعف المجتمع ووهن وأصبح فريسة لسطوة رؤوس الأموال ومايتزامن معها من ثورة منفلتة من التكنولوجيا الغير منضبطة،في ظل غياب تام للوقاية والحمايةالحقيقية التي يجب أن توفرها مؤسسات الدولة الخاصة بصناعةوعي ووجدان النشيء الصغير.

ماتمتلأ به مواقع التواصل الإجتماعي وتطبيقاتها المختلفة من عري وخواء فكري مثل التك توك وغيرها..لايختلف كثيراً عن مايتصدر المواقع والمنصات من أخبار مهرجان الجونة..وماهي إلامشاهد وصورمصغرة تمثل تشخيص حقيقي وصادق للحالة التي وصل إليها المجتمع المصري في الوقت الراهن.

ربما يدافع البعض عن خصوصية الوسط الفني وظهور الفنانين والفنانات بهذا السلوك الشاذ وهذا الشكل العاري،بما يعني أنه لا يتعدي كونه مشهد طبيعي ضمن مشاهد أكثر منها سخونةتتصدرمعظم المهرجانات العالميةولايثار حولها أي انتقاد مثلما يحدث عندنا.

قطعاً من حق أصحاب المهرجان والمستثمرين فيه والمشاركين أن يدافعوا عن إستثماراتهم بكل السبل المتاحة التي تضمن لهم حماية إستثماراتهم..لكن علي الجانب الآخرمن حقنا نحن أيضاً أن نحافظ علي هويتنا وندافع عن وجودنا وأعماقنا الحضارية..من حقنا رفض تصورينا بهذا الشكل وإعتبارنا مجردصوراً مستنسخة من مجتمعات تختلف عنا في كل شيء..من حقنا أن نكون نحن إمتداداً لآبائنا وأولادنا إمتداد لنا وللحضارة العريقة التي صنعها أجدادنا تضرب جذورها في التاريخ آلاف السنين.

من حقكم أن تفعلوا ماتشاءون لكن دون التعدي علي حقوقنا نحن وأبنائنا مادمنا نعيش في وطن واحد..من حقنا أن نرفضكم جميعاً ..من يتخذ من الدين مطية للوصول لأهدافه المتطرفة التي ماأنزل الله بها من سلطان ومن يتخذون من أجسادهم سلعاً يشوهوا بها معالمنا وملامحنا ويسعون لطمس هويتنا فقط لتحقيق مزيد من الشهرة ومزيداً من جمع الأموال.

عودة ضرورية للدور المحوري لوزارة الثقافة وترسانتها من قصور الثقافة التي أنفقت عليها الدولة مليارات الجنيهات إذا كنا بصدد إعادة تأسيس حقيقي للمجتمع..عودة الدور الجوهري للبيوت الفنية للدولة وإحكام رقابتها علي المؤسسات الفنية الخاصة ضرورة للحفاظ علي هوية المجتمع..ضرورة تفهم النقابات الفنية والقائمين عليها للمضمون الحقيقي من رسائل الدعم التي توليها قيادة الدولة للفنون..بما يعني أنها ليست بمثابةشيكات علي بياض ليفعل من يشاء كل مايشاء وقتما يشاء..أصبح حتميا الآن أن يعي المسئولين عن الإعلام الحكومي والخاص التقليدي والحديث بأن تسليط الضوء علي هذه المظاهر الضارة بالمجتمع ماهي إلاشراكة غير مباشرة في هدم المجتمع.

فهل ينجح الفريقين ومتطرفيهم في قيادة المجتمع إلي حيث يؤمنون ويعتقدون؟؟!!أم ينجح المجتمع بتنوع ثقافته وموروثه الفكري أن يبتلعهم ويقتادهم هو إلي حيث يريد؟؟!!هذا ماسوف تجيب عليه الأيام القادمة.