ينفق الجامعون الأثرياء الملايين لشراء هياكل عظمية للديناصورات في مزادات يقام أحدها، في باريس على حيوان ترايسيراتوبس، مما يثير لدى مسؤولي المتاحف وعلماء المتحجرات أسفاً شديداً لكون هذه الأحافير تصبح جزءاً من مجموعات خاصة بدلاً من أن تكون معروضة في المتاحف.
ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، قال عالم المتحجرات فرنسيس دورانتون قبل وقت قصير من بيع «بيغ جون»، وهو أكبر ترايسيراتوبس معروف ويقدر سعره ما بين 1.4 و1.8 مليون دولار: «المحزن أننا لا نستطيع المنافسة».
وأوضح العالم ومدير متحف تولوز للتاريخ الطبيعي أن هذا المبلغ «يعادل موازنة المتحف المخصصة للاستحواذ على مدى 20 أو 25 عاما».
وعلى غرار سواه من هياكل الديناصورات المجاز بيعها، يتوقع أن يصبح «بيغ جون» بعد مزاد دار «دروو» جزءاً من مجموعة أحد هواة الجمع، أي ملك طرف خاص، فيفلت هذا الحيوان الذي يبلغ طوله ثمانية أمتار وعمره 66 مليون عام، من أيدي العلم والمتاحف وبالتالي عامة الناس. أما في هذه الحالة بالذات، فتبدو درجة الإحباط أقل.
وعلق عالم المتحجرات في المعهد الملكي للعلوم الطبيعية في بلجيكا باسكال غودفروا قائلاً: «هنا، نحن لا نأبه، فلدينا الكثير من الترايسيراتوبس!».
فهذا النوع معروف وتتوافر منه «هياكل عظمية كاملة»، بحسب فرنسيس دورانتون الذي أشار إلى أن هذا الهيكل الذي اكتشفه الجيولوجي والتر ستاين بيل عام 2014 في ولاية داكوتا الأميركية أكبر قليلاً ليس إلا».
أما أمينة مجموعات علم الحفريات في المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية آن ليز فولي فرأت أن لهذا الهيكل أهمية «حتى لو كان لترايسيراتوبس»، إذ لاحظت أن «ثمة دائماً جوانب غير معروفة كثيراً» ورأت أن «بعض العظام قد تكون محفوظة بشكل أفضل وقد توفر معلومات جديدة».
وأكد عالم الحفريات في متحف التاريخ الطبيعي في باريس نور الدين جليل أن «ما مِن أحد يستطيع أن يقول سلفاً ما إذا كان لدى (الترايسيراتوبس) معلومات» غير معروفة، لكنه أشار إلى أن العينة المبيعة بالذات خضعت للتحليل في المنبع من قبل علماء حفريات محترفين.
لكن الحال ليست كذلك بالنسبة إلى هياكل الديناصورات العظمية الأخرى التي تطرح للبيع في السوق، إذ غالباً ما يساء تحديد نوع العينة بسبب الافتقار إلى المهارات العلمية المناسبة.
ولاحظ باسكال غودفروا أن «نصف ما يُطرح للبيع مجرد هراء كبير!»، إذ «غالباً ما تُعرَض قطع مثيرة للاهتمام، ولكن يُساء تحديد نوعها، أو تتعرض للضرر أثناء إعادة تكوينها، بفعل امتزاج العظام بالبلاستيك على سبيل المثال».
وبالتالي يمكن أن يكون الهيكل عائداً إلى نوع غير معروف إطلاقاً أو غير معروف كثيراً، من دون أن يتنبه أحد إلى ذلك. وقالت آن ليز فولي: «إذا كان نوعاً جديداً، فتكون الخسارة هائلة، لأننا لن ندرك حتى أنه كان موجوداً على كوكب الأرض».
وقال عالم الحفريات الأميركي ستيف بروسايت الذي ألف كتاباً بعنوان «انتصار الديناصورات وسقوطها» ترجم إلى 21 لغة «هذه الحفريات تشكل تراثنا الطبيعي وهي بمثابة مؤشرات توفر لنا معلومات عن تطور الأرض».
وتثير هذه المزادات أيضاً مسألة حرمان الجمهور الاطلاع على بقايا الديناصورات. وقال مدير متحف تولوز إن «عرض ترايسيراتوبس في متحف يشعل المواهب العلمية في عيون الأطفال».
وروى ستيف بروسايت وهو استشاري لفيلم «جوراسيك بارك 3» الذي يُطرح في دور السينما سنة 2022: «عندما كنت مراهقاً، عُرض الهيكل العظمي لديناصور ريكس سو في متحف فيلد في شيكاغو. وجعلتني رؤيته أرغب في أن أصبح عالم حفريات». ورأى العالم أن قدره كان ليختلف لو كان الديناصور معروضاً في قاعة استقبال رجل أعمال ثري.
ومع أن هذا النوع من التجارة موجود منذ أن اكتشف الإنسان المتحجرات، أثار الجزء الأول من «جوراسيك بارك» في تسعينات القرن العشرين شغفاً جديداً، وخصوصاً في صفوف في أوساط المشاهير.
ويستحيل في الوقت الراهن إلزام المشترين إتاحة العينات التي يستحوذون عليها للعلماء بغرض الدراسة، لكن غودفروا قال إن ذلك ممكن في بعض الحالات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه التجارة تحفز على العمل لاكتشاف المتحجرات، خصوصاً في الولايات المتحدة، فالسماح ببيعها بشروط معينة يمكن أن يكون دافعاً للتنقيب عنها في بعض البلدان، بحسب نور الدين جليل.