الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ياسر عبيدو يكتب: نصر أكتوبر.. لماذا لم يحفر مساره الطبيعى كاملًا؟

صدى البلد

لفتة كاشفة لأولويات فكر الرئيس عبدالفتاح السيسي لما ينبغى كما تعودنا منه بعد ذلك فإن أجلت فهى تؤجل فقط الى حين قريب ،فمنذ كان مرشحا للرئاسة ابان الثورة المصرية خلال لقائه وفد الفنانين اشار  إلى ضرورة أن تكون هناك أفلام ومواد درامية عن حرب أكتوبر والتحديات، التي واجهتها مصر، مضيفًا أنه ولابد أن تتم كتابة التاريخ والواقع، الذي نعيشه بكل دقة وعناية، حتى لا يأتي أحد ليزيف هذا التاريخ أو ينقصه حقه».
وأضاف السيسي خلال لقائه وفدًا ضم نحو 50 فنانًا «مصر تحتاج إلى رفع مستويات الوعي الفكري والثقافي، إلى جانب دعم البناء الاقتصادي والسياسي، كما حدث مع الأمة الألمانية، التي عرف عنها الجودة والإتقان في مختلف الدول، وكذلك الأمة اليابانية، التي عرف الجميع عنها الانضباط والالتزام».
واضاف الرئيس ساعتها «الأمم تقدم حاضرها ومستقبلها من خلال الفن، والأفلام، التي تم إنتاجها حول الحرب العالمية الأولى والثانية ساهمت بشكل كبير جدًا في تقديم تلك البلاد بصورة معينة ساعدت على نموها وتطورها خلال مراحل التطور والتقدم الإنساني، الذي تحقق عبر تاريخها».
هذا فى البواكير قبل ان يعتلى سدة الحكم ويقينى أنه لن يهدأ حتى يتم عمل أفلام عظيمة بقدر الانتصار الاعظم فى حياة المصريين والعرب بشهادة كل دول العالم حتى أعداء الامة
وللمفارقة لم يتم انتاج سوى بضع أفلام تُعد على أصابع اليد، وبضعة أعمال درامية محفورة فى وجداننا عن حرب أكتوبر، قدمها كبار النجوم على مدى 45 عاما، وتُعاد كل عام فى ذكرى الانتصارات، بشكل جعلها محفوظة عن ظهر قلب عاما بعد الآخر، دون أن تُقدم أعمالا جديدة، حيث يعتبرها المنتجون الحاليون مغامرة غير مربحة وغير مجدية، لن تحقق العائد منها، لتبقى أعمال مثل «أبناء الصمت، والعمر لحظة، والوفاء العظيم، وحتى آخر العمر، والرصاصة لا تزال فى جيبى» فى الذاكرة، بينما مرت حرب أكتوبر كمحاور ثانوية فى أعمال مثل «رأفت الهجان، ودموع فى عيون وقحة، والثعلب، وحرب الجواسيس» دون التركيز بشكل كبير على
المخرج محمد فاضل، قال فى شهادته عن هذا الحدث إن هذا الحديث السنوى الذى نتذكره فقط يوم 6 أكتوبر، ثم تمر السنة بـ355 يوما لننسى، ونعود مرة أخرى لنتذكر، مشيرًا إلى أن المشكلة ليست لدى الفنانين بل المشكلة فى الجهات المسؤولة التى توافق على الإنتاج والجهات التى يجب أن تقوم بالإنتاج.
ويضيف «فاضل»،حقيقة مخزية حين قال  «لا أعتقد أن هناك قطاعا خاصا حاليًا يعمل بالإنتاج الفنى التجارى لديه أى استعداد لعمل فيلم أو مسلسل عن حرب أكتوبر أو أى شىء من المشروعات القومية، فإذن هذا هو دور الدولة، مثل دور الدولة فى التعليم والصحة».
وتابع: «هناك نوع من الأعمال الفنية يجب أن تقوم بها الدولة، وكانت هناك محاولات كثيرة، أنا شخصيا بدأت محاولاتى سنة 77 لما كان فيه سيناريو عن الأستاذ جمال الغيطانى عن الشهيد البطل إبراهيم الرفاعى لمدة ثلاث سنوات ثم أوقفت محاولاتى».
وفى الحقيقة «كانت هناك محاولات أخرى عن خطة الخداع الاستراتيجى عن كتاب للدكتور صلاح قبضايا، وكان سيناريو عاطف بشاى، ووقع فاضل أيضا عقودا مع جهاز السينما، ثم جاءت ورقة من جهات مسؤولة تقول توقفوا عن هذا الفيلم».
وتساءل «فاضل»حينها بقوله: «لماذا لا توجد أعمال عن دراما أكتوبر ليس فقط عن حرب أكتوبر، ولماذا لا توجد أعمال أخرى عن قناة السويس الجديدة، واستصلاح الأراضى، وأعمال الغاز، كل هذه أمور تستحق أعمالا فنية تعبر عنها، مثلا المدن الجديدة، فهذه دراما لوحدها تستحق أن تُقدم بأعمال درامية كثيرة لا حدود لها ولكن من يقدم».وذكرت الناقدة ماجدة موريس، إن الدراما الوطنية بشكل عام التى تعتمد على مشاهد عسكرية وعلى قصص المفترض أن تحتاج لمراجعة أجهزة الأمن القومى والجيش، مشيرة إلى أن ذلك يحتاج لوقت طويل وتكلفة كبيرة.
وأضافت «موريس»،فى شهادتها للتاريخ «موضوع تقديم أعمال لها علاقة بالحرب أصبح غير سهل، من قبل كان أسهل بكثير ووقتها قدمنا أفلاما مثل (الطريق إلى إيلات وناصر 56 وأيام السادات وأبناء الصمت وأغنية على الممر)، وكل هذه الأفلام أنتجت، وكانت الأمور بها تسهيلات أكثر من الآن، فحاليا التسهيلات أصبحت صعبة، فالشئون المعنوية أعتقد أنها السبب على الرغم من احتياجنا الشديد لهذا النوع من الأعمال، فكانت هناك مسابقة نفذتها القوات المسلحة والدعوة كانت عبر التليفزيون، كان يُكتب أسفل الشاشة عن قصص البطولات القومية والمعارك المصرية».
وبالتأكيد أى عمل من النوع الوطنى فى أيدى الشئون المعنوية يليق أكثر، لأنها الجهة الوحيدة القادرة على أن تعطى تصاريح للتصوير فى أماكن معينة أو يخص الدخول للقوات المسلحة وإنتاج هذه الأعمال».
اذن فالأفضل أن يكون هناك نداء للشئون المعنوية والقوات المسلحة والمنتجين والمجلس الأعلى للإعلام وغرفة صناعة السينما ونقابة السينمائيين،وقبلهم ضغط وزيرة الثقافة كل هؤلاء لابد أن يصلهم فعلا نداء أننا باحتياج لهذه النوعية من الأفلام».
والحقيقة  إن غياب دراما حرب أكتوبر عن الشاشة تُسأل عنها المحطات الفضائية، حيث لا توجد محطات تسأل عن ذلك حاليًا.
ويجمع أهل المهنة أن «الفنون نجحت فى تعريف الأجيال الحديثة بالحرب ولكن هم من يُسألون عن ذلك، لأن كلا منهم شاهدها بشكل مختلف، ولكنى حاليًا أسأل نفسى سؤالا: لماذا قلّت واختفت الأعمال التى تقدم الحرب هذه الأيام».
وبشهادة المخرجة إنعام محمد على إن الدراما التى قدمت حرب أكتوبر غابت عن الشاشة بسبب عدم إنتاج القطاع العام، مشيرة إلى أن القطاع الخاص فى الإنتاج أصبح لا يهتم بمثل هذه الأعمال. وتابعت: «فيلما جمال عبد الناصر وأيام السادات أنتجهما قطاع الإنتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون التابع للدولة، ولكن حاليا لا يوجد إنتاج، الدولة رفعت يديها عن مؤسسة السينما والثقافة، وهذا سبب غياب إنتاج الأعمال الوطنية عن الشاشة، وأصبح حاليًا المتسيد فى العرض المسلسلات الاجتماعية البوليسية». وواصلت: «المؤلفون معظمهم ورش وتغيرت، أما قديما كان الكُتاب لديهم رؤية وكانت لهم حرفة، لكن حاليًا اختفى هذا أيضًا».
وعن رأيها فى الأعمال التى قدمت عن الحرب اكدت  أن هذه الفنون نجحت فى تعريف الأجيال، التى لم تشارك فى الحرب، بالتضحيات والبطولات لجنودنا، وأبسط رد فيلم (الطريق إلى إيلات) لدرجة أن بعض الناس تصورت أن هؤلاء الممثلين هم الناس الحقيقيون الذين قاموا بالمهمة، وهو دليل على إتقانهم ونجاحهم فى تقديم العمل، فالمخرج تكون له وجهة نظر كبيرة فى توجيه الفنان، يعنى مثلا فى مسلسل (أم كلثوم) مشهد موت جمال عبدالناصر،وتلفت انعام الى لمحة مهمةحين قالت للفنانة صابرين اسألى والدك ووالدتك كيف عاشا هذه اللحظة؟ وفعلاً نفذتها بالمشهد الذى ظهرت فيه وهى تقع من على الكرسى».
وقال الكاتب مجدى صابر، إن غياب دراما أكتوبر عن الشاشة بسبب أن الحرب لم تلاحقها الدراما، سواء التليفزيونية أو السينمائية، مشيرًا إلى أن كل الدراما التى أنتجت عملت على جزئية صغيرة.
وأضاف «صابر»،فى شهادته «الأفلام التى قُدمت كانت الحرب بها هامشية، ولم تتعمق فى الحرب ومدى استعداد الدولة المصرية والجيش، وما حدث من بطولات ليست عسكرية بل بطولات استخباراتية، لذلك أنا فى تصورى أن حرب أكتوبر ظُلمت ظلما بينا، والدراما لم تلاحقها فلم تصنع أعمالًا تليق بها، فهذه الحرب العظيمة كسرت ونسفت الكثير من النظريات العسكرية والقتالية حتى على مستوى الدول العظمى من حرب المدرعات والطيران والصواريخ والقتال على الأرض والمشاة، وأيضًا حرب عبور الموانع المائية أضخم مانع مائى فى التاريخ».
واكد أن هذه الأعمال مكلفة جدا وتحتاج لأن تقف وراءها الدولة وليس المنتج الذى يريد أن يقدم مسلسلا بميزانية متوسطة كى يستعيد أمواله ويحقق الربح، فهذه الأعمال فى تصورى هى أعمال دراما وطنية تنوط بها أولًا الدولة التى تنفق عليها وهى التى تجهزها، وهذا يمكن كان بيحصل بشكل جزئى فى القطاعات الحكومية فى الإنتاج الدرامى، مثل قطاع الإنتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى، لكن حتى هذه القطاعات الحكومية تخلت عنها فأغلقت أبوابها، ولكن كل سنة نعود ونطرح السؤال للمرة الألف: لماذا لا توجد أعمال عن حرب أكتوبر السنة الماضية والسنة اللى قبلها والسنة اللى قبل قبلها؟ رديت عليهم وقولتلهم هاتيجوا السنة الجاية وأرد عليكوا بنفس الإجابة، زى بالضبط قضية أشرف مروان بأنه كان بطلا مصريا وكان عميلا مزدوجا، هل حد فكر ينتجله فيلم؟، هل خدع الإسرائيليين؟ وإسرائيل قالت إنه كان عميلا إسرائيليا خدع المصريين».
وعن استمرار عرض الأعمال القديمة حتى الآن، قال صابر: «لعدم وجود غيرها، لأننا فى كل مناسبة لا نجد غيرها لنذيعها، فهناك قصور فى الفكر وقصور فى فهم دور الإعلام، وقصور فى فهم دور القوة الناعمة، إحنا لهجتنا وصلت للعالم كله بعكس لهجات كثيرة، لأن الفيلم المصرى والأغنية المصرية والمسلسل المصرى وصلّها للعالم كله، مهما نسافر فى كل دولة نلاقيهم فاهمينا، نحن وصلنا لهم بالفن والدراما والأغنية، وكل ذلك تحت القوة الناعمة، وقتها لم نحتلهم بالصواريخ، ولكن فرضنا وجودنا بالفن».
اذن نستطيع ان نتبين انه «ستعود هذه المكانة عندما يكون هناك وزير إعلام، ويوجد اهتمام بدور الإعلام ودور الفن والثقافة وتأثيرها فى المجتمع والعالم، أيضًا عندما يكون هناك إيمان بأهمية الدراما الوطنية، فنحن أمام تأريخ لأجمل وأكبر انتصار فى العصر الحديث للدولة المصرية لأولادنا وأحفادنا الذين لم يشاهدوا الحرب ولم يسمعوا عنها والتى بنينا فيها الوطنية والاعتزاز بالوطن، فحرب لابد أن تُؤرخ،والا ستذهب فى غياهب النسيان ولو لم نقدمها سنكون مقصرين».