هنا الطريق الدائري الأوسطي.. حالة من الحزن الشديد، لا صوت يعلو أصوات سرائن الإسعاف والشرطة، وبمنتصف الطريق ميكروباص مهشم تكاد تعرفه من خلال ما تبقى منه، و سيارة "تريلا" تقف أمامه وكأنها ابتلعت بعض أجزائه.
"ياخبر ده ميكروباص أبو خالد.. بتاع ديروط".. بهذه الكلمات تمتم شخصا مر على الحادث يعرف جيدا شكل الميكروباص وقائده، وتوقف يتذكر السائق عبدالله طاهر يونس، وابتسامته و لهجته الصعيدية، وكيف كان يراه واقفا بجوار السيارة في الموقف.
- "فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين"
الأربعاء 20 أكتوبر.. وبالتحديد قبيل الغروب بنحو ساعة ونصف الساعة، حين ظهرت سيارة نقل "تريلا" على الطريق الدائري الأوسطي بأكتوبر وكأنها مبتلعة أجزاء سيارة "ميكروباص"، في مشهد يتخلله آية قرآنية ظهرت بمحض الصدفة مكتوبة على مقدمة السيارة النقل وخلفية السيارة الميكروباص، لتظهر عقب الحادث في مشهد واحد.

- حاسب يا عبدالله النقل.. الكلمات الأخيرة في الميكروباص
صرخات مرتفعة لم تمضى سوى بضعة ثواني.. حتى صرخ الجميع داخل الميكروباص حاسب يا اسطى، حاسب يا عبدالله النقل في وشك، فكانت "سيارة نقل تريلا" أمامه مباشرة، ليتحول الميكروباص في لحظات إلي قطعة حديدية "خردة"، ينفجر منه الزجاج الملطخ بالدماء، وسرعان ما توقفت السيارات على اليسار واليمين، الجميع يهرع صوب الميكروباص، محاولات هنا وهناك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلا أنه لم يكن هناك صوتا بداخله سوى أنفاس بسيطة لفظها الضحايا قبل موتهم.

- جثث وأشلاء ملطخة بالدماء
بمجرد اقتراب الجميع من الميكروباص، كانت رائحة الموت، وسيل الدماء يخرج من كل صوب.. مرتادي الطريق لا يستطيعون إخراج جثامين الضحايا من الداخل، وفي الأفق كانت سرائن الشرطة والإسعاف والحماية المدنية، حين وصلت إلي موقع الحادث برفقة اللواء مؤمن الساعدي مساعد وزير الداخلية مدير الادارة العامة للمرور، وقيادات الادارة.

- الصواريخ والقواطع لإخراج الجثث
سرعان ما بدأ رجال الحماية المدنية أعمالهم.. تقطيع في صاج السيارة الميكروباص لإخراج جثامين الضحايا، ومحاولات لرجال الإسعاف في إنقاذ شخصين يلفظوا أنفاسهم الأخيرة، ومرت الدقيقة تلو الأخرى، حتى أعلن الحادث عن سقوط نحو 17 قتيلا، وما هي دقائق قليلة حتى كانت كلمة القدر حين تم الإعلان عن مصرع الشخصين المصابين في الحادث لترتفع الحصيلة إلي 19 جثة.

- سواق التريلا كان ميت
تلك كانت الرواية الأولى في الحادث.. بمجرد وصول رجال الشرطة إلي موقع الحادث على الطريق الدائري بمنطقة أكتوبر، أكد شهود العيان على الواقعة بأن سائق التريلا توفي أو أصيب بغيبوبة والجميع شاهد التريلا وهي تصطدم بالحواجز الخرسانية ثم عبورها للاتجاه الآخر واصطدامها بالميكروباص.

- إنفجار الإطار الخاص بـ النقل
وكانت هناك رواية أخرى لشهود العيان.. فهناك من أكد على أن الحادث بسبب إنفجار إطار السيارة النقل "التريلا" وعدم سيطرة سائقها عليها مما أدى إلي عبورها الاتجاه الآخر وانحرافها نحو الميكروباص، ولعل السبب الحقيقي في الحادث سيكون في يد جهات التحقيق واللجان الهندسية التي ستحدد بكل دقة سبب حدوث الواقعة.

- أبناء نجع أبو كريم.. شقيقان في الميكروباص
القصص المأساوية في حادث ميكروباص الطريق الدائري الأوسطي كانت كثيرة.. ولعل واحدة منها كانت مؤثرة، فـ الشقيقان سيد وعبدالغفار "خميس سيد جمعة" كانا سويا في ميكروباص الموت، يضحكان و يتهامسان ويتناولا سويا أطراف الحديث حتى حانت اللحظة وكتب القدر كلمته بوفاتهم سويا واختلاط دمائهم معا أحياء وأموات.

- السائق ونجل عمه.. عبدالله طاهر
لم تكن تلك هي القصة المأساوية الوحيدة.. بل كان عبدالله طاهر يونس الشاب الثلاثيني ونجل عمه يونس مفضل يونس الشاب العشريني، اللذان يعملان سائقا على الميكروباص سويا بداخله، الجميع يشهد لهم بالإحترام والأدب وأيضا الهدوء، إلا أن القدر كتب بأن يغادر السائق الدنيا وبرفقته نجل عمه مختلطة دماء أجسادهم ببعضها البعض.

- جثامين ضحايا ميكروباص الموت
ميكروباص الموت على الطريق الدائري الأوسطي كتب أسماء 17 ضحية سُطرت دمائهم الطاهرة على الطريق، وهم حسن مصطفى عيسى 24 سنة "البحيرة"، ونادية جميل صدقي 30 سنة "المنيا"، ومحمد ابراهيم عبدالرازق 40 سنة "البحيرة"، ورمضان السيد الاعصر 45 سنة "البحيرة"، وعبدالحميد عبدالله 17 سنة "أسيوط"، والسيد عبدالفتاح 58 سنة "اسكندرية"، ومصطفى رجب مصطفى 35 سنة "البحيرة"، وأحمد عبد التواب عبد الحميد 33 سنة "أسيوط".

- جثامين مجهولة الهوية.. طفلتين في الحادث
وما زالت مشرحة المستشفى المركزي تضم في ثلاجتها 5 جثث مجهولة الهوية بينها طفلتين إحداهن عامين والأخرى 10 أعوام، حيث ناظرت النيابة العامة جثامين كل الضحايا، وصرحت بدفنهم جميعهم، ومحاولة التعرف على الجثامين المجهولة.