تحل اليوم ذكرى رحيل رائد أدب الطفل في العالم العربي كامل كيلاني والذي يعد أحد أهم رواد هذا الفن القصصي. والكيلاني هو ابن جيل عاصر تغيرات كثيرة داخل المجتمع المصري خاصة التغيرات التي أعقبت حقبة الخديوي إسماعيل وبداية تأثير الطابع الأوروبي على المجال العام وخاصة الثقافي داخل مصر في تلك الفترة، فقد ولد في عام 1897 داخل حي القلعة بالقاهرة، ولعائلة يتصل نسبها بالشيخ المغربي عبد القادر الجيلاني.
ظهرت براعة كامل كيلاني وذكاءه في سن مبكر إذ إن والده تنبه لهذا الأمر فألحقه بالكتاب وحفظ القرآن الكريم، وبعدها أدخله مدرسة أم عباس وتحديدا سنة 1907، وحينها ظهر اهتمامه بالأدب العربي؛ فحفظ ألفية ابن مالك وبعض الأبيات الشعرية.
نقلة ثقافية
لم ينبهر كامل كيلاني كثيرا بالتغيرات التي حلت على مدينة القاهرة في ذلك الوقت إذ إنه لم تبهره المدينة الجديدة بتغيراتها التي أبهرت أقرانه،وقد أراد أن يستفيد من هذه الحداثة والنقلة الثقافية لكن في خدمة التراث العربي، والذي ظل طوال حياته يعتز بانتمائه لهذا الإرث، فخلال فترات العطلة الصيفية كان دائما ما يتردد على الأزهر الشريف؛ لحضور دروس الشيوخ سيد المرصفي، ومحمد السحرتي، ومصطفى الحلبي الشامي الحلواني.
وقد تأثر الصبي بوالده كثيرا إذ كان دائما ما يذهب لمكتبة أبيه الواثعة بالقرب من ميدان القلعة، وهناك تكونت ملامح شخصيته تلك.
ورغم أنه أحب اللغة العربية، إلا إنه كان دائما ما يرفض الأسلوب الصعب التي تقدم به الكتب المكتوبة بالعربية، وبسبب علمه وثقافته استطاع أن يطلع على الكتب المكتوبة بالإنجليزية والتي وجدها تستخدم لغة سهلة الصياغة ليس بها تعقيدات، بجانب أن الكتب الإنجليزية في تلك الفترة كانت تحوي صورا وإشارات تقرب المعنى، وقد أتقن أيضا اللغة الفرنسية والتي زادت من معرفته بما يدور في الخارج من مجريات.
تثقيف الشعب
ونتيجة لاتقانه اللغات الأجنبية التحق سنة سنة 1917 مدرسا للترجمة بالمدرسة التحضيرية. وبجانب وظيفته تلك فقد التحق بالجامعة الأهلية، وهناك تعرف على زملاءه من الجامعيين الأوائل ومنهم زكي مبارك، وعبد الوهاب عزام، وفريد رفاعي، وغيرهم.
امن كامل كيلاني أن الخطب الشعبية الحماسية لن تجدي نفعا مع شعب غيبه الاستعمار، إذ إنه كان يدرك أن تثقيف الشعب هو أول ما يجب تبنيه لتحقيق الاستقلال الكامل، وفي عام 1920 قررت سلطات الاحتلال البريطاني الكيلاني إلى محافظة البحيرة؛ وذلك للعمل بمدرسة الأقباط الثانوية في دمنهور، لكنه ترك التدريس سنة 1922 وعاد للقاهرة ليعمل بوزارة الأوقاف، إلى أن أحيل للمعاش في عام 1954.
أراد كامل كيلاني أن يربي النشأة على حب اللغة العربية وتبسيطها والابتعاد عن التعقيدات اللغوية، فقد أصبحت الكتابة للأطفال، هي مشروعه الشخصي الذي أراد تحقيقه خلال حياته، وقد كتب قصة السندباد البحري سنة 1927 وهي أول أعماله التي كتبها، بجانب استخدامه للصور في أعماله، بجانب أنه تمسك باللغة العربية الفصحى ولم يستخدم اللهجة العامية، أبدا في كتابته، رغم تعرضه للكثير من النقد لعدم استخدامه الفصحى، خاصة مع وجود تيار كبير داخل المجتمع أراد تبني اللغة العامية في الكتابات، وهو الرأي الذي تبناه اللكثير من المستشرقين في ذلك الوقت، وتبعهم بعذ الكتاب العرب والمصريين، وعلى رأسهم أحمد لطفي السيد، سلامة موسى، لويس عوض.
التشبث بالفصحى
أيقن من خلال هذه الحملة أن اللغة العربية الفصحي أصبحت في خطر، فقد انتابه القلق حينها وصمم على استكمال مشروعه، خاصة مع إدراكه خطورة الأمر على الجيل الصاعد من الأطفال، لذلك تشبث بالعربية وأراد إنقاذها من محاولات التغريب..
وقد تأثر الكيلاني بالأسلوب القرآني، والذي انعكس على أعماله، إذ إنه استوحى بعض القصص من القران الكريم، ومنها قصة يوسف عليه السلام، وقصة (عجائب الدنيا الثلاث) والمستوحاة من قصة سيدنا موسى عليه السلام، وقصة (قابيل وهابيل).
رحل كامل كيلاني عن عالمنا، في أكتوبر من عام 1959، بعدما نجح من تحقيق مشروعه الأدبي وقد اعتبر أنه أحد أهم وأبرز رواد أدب الطفل في العالم العربي.