يبحث المصريون عن البهجة والسعادة في معظم تفاصيلهم الحياتية مهما اختلفت الأحداث وتعددت المناسبات، ولكن أعظم البهجات هي الفرحة الخاصة بعقد قران عروسين والتي ينتظرها كل بيت مصري منذ القدماء المصريين والتي يسبقها “ليلة الحنة”.
ويسبق تلك الفرحة ليلة سعيدة اخرى أطلق عليها المصريون "ليلة الحنة" وتتسم تلك الليلة بطقوس فرحة ورقص وغناء في منزل العروسة التي تزف غدا لمنزل الزوجية في رحلة حياتية جديدة تهدف الى تكوين أسرة جديدة.
وفي ليلة (الحنة) يقوم العروسان بطلاء أيديهما وأرجلهما بمعجون نبات الحناء، والذي تحول هذا النبات مع مرور الوقت إلى رمزً فريد للشعب المصرى، وعند إعداد المعجون يراعي التوسع فيه لتوزيعه على صديقات العروس والفتيات الصغيرات، كنوع من إشاعة البهجة.
تقوم صديقات العروس بوضع الحنة أيضاً على بشرتهن، ثم ينصرف الجميع وتبقى المقربات منها مثل عماتها وخالاتها، ليكملن الجلسة فتسرد كل منهن فيها ذكريات يوم حنتها، ويتذكرن طفولة العروس، وطبعاً لا تخلو ليلة الحنة المصرية من النكات والضحكات، وختامها إعطاء العروس بعض النصائح الخاصة بليلة الزفاف.
و"الحناء" نبات مصري قديم كان يستخدم فى الرسم إبان عصر الفراعنة، لأنه يتمتع بقدرة على الثبات، فضلًا عن تواجدها فى كتابات المصريين القدماء، إذ استخدمها الفراعنة فى الأظافر وصنعوا من أوراقها معجونا لصبغ الشعر، وعلاج الجروح، كما وجد كثير من المومياوات الفرعونية ظهر عليها آثار استخدامهم للحنة.
ويرى الباحثون أن ليلة "الحنة" تقليد فرعونى قديم، بدأ فى بلاد النوبة، حيث جرت العادة فى النوبة القديمة على أن يوم وليلة الحنة مميزان، فيبدأ العريس يومه فى الصباح الباكر بتقديم «ذبيحة» قد تكون ماشية أو أغنام على أن يحضرها كل أهل القرية.
وفضلا عن أن الحناء تستخدم في الأعراس، فهي تستخدم كأحد العلاجات الشعبية المجربة، وذات النتيجة الطيبة لعلاج التهاب فروة الرأس، كما تستخدم عجينتها في علاج الصداع بوضعها على الجبهة، وتستعمل زهور الحنة في صناعة العطور، وتفيد في علاج تشقق القدمين، وعلاج الفطريات المختلفة، وتستخدم في علاج الأورام والقروح إذا عجنت وضُمَّد بها الأورام.
كما أن "الحنة" كانت العلاج الفعال لتشققات الإيدى والرجلين، وفطريات ما بيع الأصابع، قبل أن يعرف العالم فى العصر الحديث الكريمات المرطبة للجسم والبشرة.
يعتقد بأن المصريين عرفوا الحنة من خلال الأسطورة التاريخية "إيزيس وأوزوريس"، حين قتل "ست" أخوه "أوزوريس"، فقامت زوجته "إيزيس" بجمع أشلائه، وغرقت يداها بدمائه وصبغت باللون الأحمر. فاعتبر المصريون أن هذا اللون هو رمز وفاء كل زوجة لزوجها واعتمدت النساء صبغ يديهن بالحنة.
الحنانة
هي المرأة التي تقوم بعجن الحنة وتجهيز صينية الحنة، ونقشها للعروس في الليلة المنتظرة. في صعيد مصر، تكون الحنانة امرأة كبيرة السن، تردد الأغاني المميزة للعروس، وهي تقوم بنقشها. بينما في البلدان العربية الأخرى، قد تكون الحنانة فتاة صغيرة، أو تعمل في صالون تجميل ببساطة.
سابقاً كانت الحنانة لا تحصل على أموال مقابل تلك الليلة، بينما أصبحت الآن مهنة تقوم بها السيدات، فتغدو ليلة الحنة تجارية، مثل غيرها من الليالي المرتبطة بالاحتفال بالزواج، وأصبح للحنانة مساعدات.
الحنة في السودان قدسية خاصة
تختلف ليلة الحنة في السودان عن سائر العادات، فتقوم العروس بالاستعداد لزفافها قبل ليلة الزفاف بأربعين يوماً، وفي ليلة الحنة ترتدي ثوبها الجديد، وتأتي الحنة على صينية مليئة بالشموع، وتبخر العروس بالصندل والمسك وعطور سودانية لترقيتها وتحصينها من الحسد والسحر.
تقول ثريا إدريس، وهي سودانية متخصصة في إحياء هذه الليلة: "للحنة في السودان قدسية خاصة ليس فقط بليلة الحنة، فمن عادات المرأة السودانية أن تضع الحنة دائماً، بينما العروس يتم نقشها ببعض النقوش للتفاؤل بحياتها الجديدة كخلخال على رجلها وأساور في أيديها".
ليلة الحنة ببلاد المغرب العربي: للفتيات فقط
تقول حياة لمهل التي تسكن مدينة البيضاء في المغرب: "ليلة الحناء في المغرب تبدأ منذ الصباح ولا تقتصر على الاحتفال في المساء، فتذهب العروس في الصباح الباكر مع العازبات من فتيات العائلة إلى الحمام المغربي التقليدي، وتقوم بكرائة (حمام العروسة)، الذي يتم خلاله حمل الشموع داخل الحمام وتزف العروس بالصلاة. مكونات الحمام هي ورد وحناء وغاسول وماء ورد وصابون مغربي وليفة، ولا يمكن أن تقوم العروس بحمامها من دون هذه المكونات، فقد توارثناها عن آبائنا بالمغرب".
وتستكمل لمها: "في المساء يتوافد المدعوون إلى منزل أهل العروس، وهم من الفتيات فقط، فلا يحضر الرجال الاحتفال بليلة الحنة، وترتدي العروس القفطان المغربي، الذي يكون عادةً لونه أخضر، وتضع مكياجاً بسيطاً، وتسريحة شعر عادية، فتفضل أن تحتفظ بظهورها المتكامل والمتألق أكثر ليوم الزفاف. وتحضر "النقاشة" حنة العروس (حليب، بيض، شموع، قالب سكر) وتبدأ بنقش يد العروس ورجليها، وتكون المرة الأولى التي تضع فيها الفتاة حنة على رجلها، إذ من غير اللائق أن تضع المرأة المغربية الحنة على رجلها، وتكون نقوش الحناء عبارة عن اشكال هندسية وطرز الرباطي، وسط الأغاني والزغاريد".
وتروي لمهل أن طقوس ليلة الحنة هي نفسها في جميع جهات المغرب، كما في بلاد المغرب العربي، مع اختلافات طفيفة في شكل اللباس والأشياء المصاحبة لطقس الحنة.
للسعودية ليلة حنة أكثر تحرراً
دخلت العديد من الصيحات الجديدة على ليلة الحنة في السعودية، فأصبحت العروس ترتدي القفطان المغربي المطرز، وتظهر كاشفة الرأس والوجه. وبدأت تتفن في قصات شعرها وارتداء الكثير من الحلي والذهب. وتسيطر التصاميم الهندية على كوشة العروس وكذلك نقوش الحنة على يديها ورجليها. بينما ليلة الحنة التقليدية، كانت تقام في السعودية في اجتماع أهل العروس وصديقاتها، ويتم نقش الحنة للعروس داخل "خيمة" مصنوعة من الستار داخل المنزل، ولا يراها أحد من المدعوات ولا تدخل عليها سوى "الحنانة" لوضع الحنة لها.
العريس مسموح في الإمارات
على عكس طقوس ليلة الحناء في الدول العربية التي تمنع "العريس" من حضور حفل ليلة الحنة، يحضر بالفعل العريس في دولة الإمارات، ويقتصر الحضور على شقيقات العروس ووالدتها والعريس وشقيقاته ووالدته. وتأتي نقاشة الحنة، توضع الحنة على يدي ورجلي العروس وتقوم بربطها بقطعة قماش خضراء، يليق مع ثوبها الأخضر المطرز.
عمان لا تقيم حنه للعروس
تقول عزة المحمودي: "في عمان، لا يحتفل الحضر بليلة الحنة بل تذهب العروس إلى صالون التجميل وتضع الحنة فيه، ولا يراها أحد قبل يوم الملكة والزفة، التي تقام في قاعة المناسبات. وتروي أن البلوش والعمانيين الموجودين في عمان، يحتفلون بليلة الحنة وتكون العروس أيضاً حنيت من قبل، لكن ترتدي ثوباً أخضر وتجلس على كوشة خضراء، من دون إظهار وجهها.
وأهل العريس يأتون بالحنة ويضعونها خفيفاً على رجليها حتى لا تضيع ملامح حنتها التي وضعتها من قبل، ويقوم أهل العريس بوضع النقود على رجليها ثم يعودون إلى منزل العريس لاستكمال مراسم الحناء الخاصة به".