الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رحمة للعالمين!

كان النبي عليه الصلاة والسلام في حياته رحمة للمؤمنين الذين تعاملوا معه، لأنه كان نموذج لمكارم الأخلاق: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم 4، وقال تعالى عن النبي أنه جاء للناس رحمة لهم بأخلاقه وبالقرآن الكريم كرسالة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء 107، الكلام هنا عن إرساله عليه السلام بالقرآن الكريم رحمة للعالمين، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام بقى القرآن الكريم رحمة للناس.
ومع ذلك فالقرآن الكريم لم يهتد به الكثير من الناس، لأن الكتب السماوية لم ينزل معها ملائكة تجبر الناس على الإيمان بها، حتى أن أقارب الأنبياء منهم من كان كافراً، مثل ابن النبي نوح، وأبو النبي ابراهيم، وأبى لهب عم النبي محمد.
والهداية اختيار شخصي، فامرأة فرعون اهتدت هى والسيدة مريم لأنهما شاءتا الهداية، فصارتا مثلاً للذين آمنوا، وأن زوجتي النبيين نوح ولوط شاءتا الضلالة: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) التحريم 10-12.
وفي قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) القصص 56، فمن يشاء الهداية يهده الله، ويزيده هدى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) مريم 76، ومن يشاء الضلالة يتركه تعالى في ضلاله، ويزيده ضلالاً: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً) مريم75.
هو اختيار واختبار، وعادة يفشل في الاختبار أغلبية الناس، وقد نبه تعالى النبي بأن اكثر من في الأرض مضلون ولو اتبعهم فسيضلونه: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) الانعام 116.
ولذلك فمقابل الحرية في الإيمان أو الكفر توجد مسئولية عن هذه الحرية، ومن يشاء الكفر ويموت به سيلقى عذاباً، ومن يشاء الهداية ويموت بها سيلقى نعيماً: (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً. أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) الكهف 29-31.
جاء وصف القرآن الكريم بأنه رحمة، ويخاطب تعالى الناس ليؤكد لهم أن القرآن جاءهم لمن شاء منهم الهداية والرحمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس 57، وأنه هدى ورحمة لمن يتبصر به ويعقله: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الجاثية 20، لذا يجب على المؤمنين به أن يستمعوا إليه في إنصات وتفكر لعلهم به يرحمون: (هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الاعراف 203-204.
فالقرآن الكريم يكون للمؤمنين شفاء ورحمة: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً) الإسراء 82، ويزيد الظالمين خسارة فعندما تقرأ عليهم القرآن يزدادون به طغياناً وكفراً: (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) المائدة 68.
وصفهم تعالى: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً. وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً) الاسراء 45-46. فالقرآن الكريم هدى ورحمة للمؤمنين به: (وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) النمل 77، وليس لمن أنكره وكفر به.
ولذلك يقول تعالى فالرحمة بالقرآن متاحة للجميع، وهذه الرحمة لمن يؤمن بها ويعمل بها، وليست للكافر بها: (حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الدخان 1-6.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط