أرسل الله نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للناس كآفة , فلم يتم أرساله لقبيلة بعينها أو منطقة جغراقية محدودة بحدودها , بل للناس كآفة أينما وجدوا , ومن هنا جاءت عالمية دعوة الاسلام ونموها وانتشارها فى شتى بقاع الارض , فالاصل فى الاسلام هو انه دين لا حدود جغرافية له , دين منفتح على كل الحضارات والثقافات ومحتضن لكل رسالات السماء السابقة له , فلا توجد رسالة سماوية سابقة والا أعترف الاسلام بها , بل ان من ضمن شروط الايمان أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله , لا نفرق بين أحد من رسله .
لذا فأن أى دعاوى للتقوقع أو أنفصال المسلمين عن المجتمعات التى يعيشون فيها هى دعاوى ضد الاسلام تماما , لأنها ببساطة تتعارض مباشرة مع ما كان يفعله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى حياته من أنفتاحه على كل الشعوب والقبائل التى أستطاع الوصول اليها بوسائل العصر آن ذاك , وتتعارض تماماً مع ما أوامر الله لنا بالتعايش مع الناس فى قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) صدق الله العظيم .
ولو رجعنا لسيرته العطرة , صلوات الله وسلامه عليه , لوجدناه عاش مع عبدة الاصنام فى قريش قبل الهجرة وتعايش معهم , فلم يأخذ المسلمين اللذين آمنوا معه خارج مكة وينشئ لنفسه ولأصحابه منازل وخيام خاصة بهم تعزلهم عن الكفار والمشركين فى مكة تحت أى دعاوى مثلما نسمع اليوم من بعض الناس , بل عاش بينهم وتعامل معهم اشترى منهم وباع لهم , ولم يخرج من بينهم الا بعد أن أخرجوه ظلما , وعند خروجه من مكة وقف على أعتابها قائلاً , والله لأنك أحب بلاد الله الى الله وأحب بلاد الله الى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت , فلم يخرج هو من آمن معه الا بعد أن أخرجوه أهل مكة .
وعندما وصل الى المدينة المنورة ونصره الانصار لم يكون بهم جيب صغير منعزل عن باقى سكان المدينة , أو يبنى سور حولها وينعزل بالمسلمين عن بقية الناس , بل عاش وتعايش مع الجميع , شارك أهلها ومنهم اليهود فى الزراعة وأقترض منهم ورهن درعه عندهم , وعندما جاؤه وفد من نصارى نجران وتحاوروا معاً فى بعض أمور عقائدهم أكرمهم وأستضافهم ثلاثة أيام فى مسجده الشريف رغم أنهم لم يؤمنوا بما جاء به , فعدم ايمانهم لم يمنعهم حقهم فى ودهم وكرم ضيافتهم وحسن معاملتهم حتى باتوا فى مسجده ثلاث ايام متتالية .
فأين نحن اليوم من اقوام يدعون أنهم مسلمون وأفعالهم تخالف الاسلام و سيرة سيدنا محمد خير الآنام , بدعواتهم الحمقاء للانفصال عن المجتمعات والدول التى يعيشون فيها , وتكوين دويلات أو أمارات صغيرة مغلقة عليهم , بدعوى أنهم مؤمنين وغيرهم كافرين أو مشركين , فحتى وان صدق وصفهم لغيرهم فى بعض البلدان فهم أيضاً يخالفون الله ورسوله , لأن الله يقول لنبيه (إِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ ) وذلك وقت الحرب فما بالك بوقت السلم , فهل هؤلاء أكثر أيماناً بالله من سيدنا رسول الله ؟ وهل هؤلاء أكثر حرصاً على الاسلام منه ؟ كلا والله , هم جهلاء بالدين وما يفعلونه ضد الاسلام والمسلمين .
فالاسلام دعوة عالمية موجهة لكل الناس وليست حكراً على أحد , وليست ملكاً لأحد , ولم يمنح الله أحداً صكوك الايمان والكفر يوزعها على خلق الله كيفما يشاء , بل انه سبحانه وتعالى حسم الخلاف بين المسلمين والكفار فى مسألة العقيدة بقوله سبحانه وتعالى ( لكم دينكم ولى دين ) لذا فأن أى دعوات للانفصال أو الانغلاق على النفس يرفعها بعض الناس بين المسلمين هى دعوات تحارب أنتشار الاسلام , وتقف ضد مبادئ وقيم عاش عليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وطالبنا بالتمسك بها , وللحديث بقية .