الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جماهير المهرجانات الشعبية في قاعة الأوبرا!

 

في الأول من نوفمبر عام 1869 افتتح الخديوي إسماعيل دار الأوبرا الخديوية بمنطقة الأزبكية بوسط البلد احتفالًا بافتتاح قناة السويس حيث دعا عددًا كبيرًا من الملوك والأمراء لحضور ذلك الافتتاح، ومنذ ذلك التاريخ ويعرف المصريون قيمة دار الأوبرا وقيمة الفن الذي تقدمه على مسارحها وفي قاعاتها
وقد ظل هذا المبنى البديع قابعًا مكانه يضيء سماء الثقافة العربية بالفن والإبداع حتى يوم الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1971 حين شب حريق فيه فأتى عليه وأنهى مسيرتة التي استمرت لأكثر من قرن من الزمان

شرع المصريون بعدها من خلال الحكومات المتعاقبة في محاولة بناء دار أوبرا جديدة عوضًا عن تلك التي احترقت، وقد وقع الاختيار على أرض الجزيرة أمام مبنى مجلس قيادة الثورة القديم، ولم ير هذا المشروع النور إلا في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي بعد أن حصلت الحكومة المصرية على منحة يابانية تقدر بنحو 33 مليون دولار أمريكي لإقامة دار جديدة للأوبرا تم بناؤها على الطراز الإسلامي وافتتحت رسميًا في العاشر من أكتوبر عام 1988

ومنذ ذلك الحين عادت لمصر دار الأوبرا العريقة بتقاليدها الموروثة التي يعرفها روادها من متذوقي الفن والإبداع، حيث لا يمكن لأي من الرواد دخول حفلات المسرح الكبير دون ارتداء البدلة الرسمية ورابطة العنق كما أنه من المعتاد أن تدخل السيدات أيضًا بالملابس الرسمية المناسبة لذلك المكان، بالإضافة لعدم اصطحاب الأطفال أو المأكولات والمشروبات إلى داخل القاعات مع الالتزام بالهدوء وعدم استخدام الهواتف النقالة بأي شكل كان…

وقد تعاقب على رئاسة دار الأوبرا عدد من القامات الفنية والثقافية بداية من الدكتورة رتيبة الحفني مرورًا بالدكتور سمير فرج والدكتورة إيناس عبد الدايم - وزيرة الثقافة الحالية - حتى الدكتور مجدي صابر - الرئيس الحالي لدار الأوبرا ولم يتغير شيء من هذا النظام المعروف

وقد اعتدت منذ افتتاح الأوبرا الحالية المواظبة على حضور العديد من الحفلات والفعاليات بها، ولم ألحظ طوال الثلاثة عقود المنصرمة تغيرًا قد طرأ على النظام المتبع أو سلوك الجمهور الذي تعود على حضور حفلاتها، حتى الحفلة الأخيرة التي حضرتها يوم الجمعة الماضي 15 أكتوبر الحالي في المسرح الكبير للفرقة القومية العربية للموسيقى حيث شاهدت مع الحضور من جمهور الأوبرا دخول عدد من الجماهير يبدو أنهم من أسرة واحدة، شباب ونساء في أعمار مختلفة يتراوح عددهم بين العشرة والعشرين، جلس معظمهم في الصفوف الوسطى المواجهة للمسرح وقد نزع الرجال رابطات العنق التي مروا بها من البوابات، في حين كانت ترتدي السيدات والفتيات ملابس لا تتناسب إطلاقًا مع المكان كالجينز والأحذية الرياضية، وكأنها المرة الأولى لهم في الأوبرا، كل هذا يمكن غض الطرف عنه وإغفاله من جماهير الأوبرا العاديين لا سيّما إذا كان العرض الفني ممتعًا كما كان بالفعل، لكن الذي أزعج الجميع هو السلوك العجيب الذي قام به هؤلاء وكأنهم في إحدى حفلات الإسفاف المسماة ب "المهرجانات الشعبية"، فلم تكف هذه الزمرة من الجمهور طوال الحفل عن التحدث بصوت عال والضحكات الرنانة والحركة المستمرة والهرج والمرج الذي لا يسمح لبقية الجماهير بالاستمتاع بسماع المطربين والمطربات، بالإضافة إلى التصفيق والرقص والتمايل على كل لحن (مقسوم) وكأننا في حفل في حارة شعبية ل (عبده كوارع) - الذي لا أعرفه -، ناهيك عن الحديث في الهواتف النقالة والتصوير والشات بالإضاءة الكاملة للهواتف أثناء أداء الفقرات الغنائية …

ما هذا؟ أهذا هو جمهور الأوبرا؟!
لقد فكرت في ترك الحفل مبكرًا خصوصًا أنه تأخر عن موعده وكان هناك أعداد أخرى غير تلك المجموعة من الجماهير لا تلتزم بالتقاليد المعروفة في الزي والسلوك، لكنني لم أترك الحفل حتى أرى ماذا سيحدث 
و انتهى الحفل بالفعل، وهنا اشتبك أحدهم مع الأمن بالسباب الذي يعف اللسان عن ذكره أمام الحضور على البوابة والناس في حالة من الذهول…لكن الأمن استدعى الشرطة بعدها!

لا أدري كيف يمكن السماح بحدوث مثل هذه الأحداث ولا كيفية السيطرة عليها والمحافظة على مستوى جمهور الأوبرا وعدم منح التذاكر لمثل هؤلاء أو السماح لهم بالدخول، لكنني استأت مما حدث بالفعل وقررت الكتابة عنه حتى يمكن المحافظة على تقاليد هذا المكان في المستقبل ووضع الضوابط والشروط لهؤلاء المزعجين إذا أرادوا الحضور وإلا فلا

نحن نزهو بأننا أقدم بلاد المنطقة التي تمتلك دورًا للأوبرا ونعتز بتقاليدها، لذا لن نسمح لهؤلاء بإفساد ذلك، وسنظل نستمتع بتلك السهرات الراقية بين جمهور الأوبرا الحقيقي.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط