الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هدير فتاح محمد تكتب: ضحايا أم مذنبون؟!

صدى البلد


نسمع كثيرًا عن عبارة الهجرة غير الشرعية وما يترتب عليها من وفيات لعدد كثير من الشباب، وسميت بالهجرة غير الشرعية لأن الشباب ينتقلون خارج بلدهم بدون تصريح رسمي وبطرق غير قانونية إلى بلد آخر بهدف الإقامة والعمل بها، والبلد التي يصلون إليها غير مسموح لهم بالإقامة أو العمل بها، وغالبًا ما يتم القبض عليهم وترحيلهم إلى بلادهم مما يعرضهم للمسائلة القانونية وتوقيع بعض العقوبات عليهم.
إن الهجرة غير الشرعية هي نوع من أنواع الانتحار لما فيها من تعريض الإنسان نفسه للقتل أو الهلاك وقد نهانا الله عن ذلك، قال تعالى: {.... وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ....} [النساء : 29]." وقال سبحانه: {....وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ....} [البقرة: 195].
فما هي الدوافع التي تجعل هؤلاء الشباب يخاطرون بحياتهم من أجل الهجرة؟ وهل هم ضحايا أم مذنبون؟!
ولنروي قصة لأحد الشباب في سفره لإحدى البلاد الأوروبية بطريقة غير شرعية والأسباب التي جعلته يلجأ لذلك فيقول: نشأت في أسرة متوسطة الحال وأصرت الأسرة على أن أكمل تعليمي الجامعي وبالفعل تخرجت من أحد الجامعات بتقدير جيد، وبدأت بالبحث عن وظيفة حتى وجدت واحدة لكنها براتب قليل لأني لا أمتلك الخبرة، فرفضت العمل طمعًا في إيجاد وظيفة ذات راتب مرتفع، وتواصلت مع أحد أصدقائي وشرحت له وضعي، فحدثني عن السفر إلى أحد البلاد الأوروبية والأموال الطائلة التي سأحصل عليها بعد فترة قصيرة من العمل هناك، فاقتنعت جدًا بالفكرة لكني لم أكن أمتلك المبلغ الذي سأدفعه مقابل سفري فتحدثت مع والدي رفضوا في بداية الأمر لكني أقنعتهم في النهاية، فقامت أمي ببيع ما تمتلكه من ذهب واستلف أبي باقي المبلغ من أحد الأقارب حتى أكملت المبلغ المطلوب، ذهبت سريعًا لإعطاء المال لصاحب المركب؛ بدأت أستعد للسفر دون حمل الكثير من الأغراض حتى لا تشكل ثقلًا على المركب كما أوصاني صاحبها، جاء يوم السفر وأحسست بأني قد اقتربت من تحقيق أحلامي وسرعان ما استيقظت من شرود ذهني على صوت صاحب المركب إلى هنا تنتهي مهمتي معكم هيا اقفزوا إلى الماء وأكملوا سباحة ما تبقى من مسافة إلى الشاطئ، قفزت إلى الماء أنا وباقي الشباب وبدأنا بالسباحة والتصدي للأمواج العالية ودرجة الحرارة المنخفضة شعرت بأطرافي تتجمد، والتفت من حولي لأجد الكثير من الشباب يغرق، حاولت انقاذ أحدهم لكن دون فائدة للحظة شعرت وكأن دقات قلبي تتباطئ وكأنه سيتوقف حاولت توفير ما بقي لدي من طاقة للوصول للشاطئ وأغمضت عيني حتى لا أرى من حولي، واصلت السباحة أنا ومن تبقى من الشباب حتى وصلت لأحد الشواطئ، وبعد أن استطعت تجميع ما تبقى من أنفاسي انطلقت لأبحث عن عنوان صديق ليوفر لي الإقامة معه مؤقتًا وأستطيع البحث عن عمل، بحثت كثيرًا عن عمل إلى أن قام صديقي بتوفير عمل صغير (تنظيف الأطباق) في أحد المطاعم، لكن ما أحصله من هذا العمل لا يكفي إلا لتوفير الطعام والشراب وأجرة السكن، شعرت بأنني قد جازفت كثيرًا بحثًا عن تحقيق أحلامي لكن أحلامي الآن باتت مبعثرة، إلى أن حدثني أحدهم من العاملين معي بنقل وتوصيل بعض البضائع الممنوعة مقابل مبلغ مالي كبير، جلست أفكر قليلًا قبل أن أوافق لكني ضعفت أمام المال فوافقت على العمل، وبدأت بالفعل بجني الكثير من المال، لكن في أحد الأيام قامت الشرطة بالقبض علىّ وأخذت حكم ثلاث سنوات وترحيلي إلى بلدي؛ فأحسست أن أحلامي قد ضاعت في اليوم الذي وافقت فيه على السفر وفي اللحظة التي قفزت فيها إلى الماء.
ومن وقتها وأنا أسأل نفسي هذا السؤال كل يوم هل أنا ضحية أم مذنب؟
في الواقع إن حال هذا الشاب كحال الكثير من الشباب ممن رفضوا العمل في بلدهم وعلقوا آمالهم وأحلامهم على السفر الخارج طمعًا في كسب الكثير من المال في وقت قصير وسعوا في طلب ذلك بطرق غير مشروعة، ومع الأسف نجد بعض الأهالي تساعدهم على ذلك، وبدلًا من تحقيق أحلام أولادهم دفنوا أولادهم مع أحلامهم.
في الحقيقة إنني أجد أن هذا الشاب وغيره من الشباب ممن يسافرون بطرق غير مشروعة هم ضحايا مذنبون.
هم ضحايا للطمع وعدم الرضا عن حالهم، هم ضحايا لهؤلاء الأشخاص ممن يبيعون الموت مقابل المال، مذنبون لتعريض أنفسهم للهلاك والمسائلة القانونية.