الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.هادي التونسي يكتب: تأملات في حفلة صاخبة

صدى البلد


ظننتها واحدة من تلك الحفلات مع أصدقاء يلي العشاء فيها فاصل رقص شرقي، مثلما خبرتها في القاهرة أو أمريكا اللاتينية و أوروبا التي جلب إليها سيدات عرب و أتراك مهاجرات موضة مدارس الرقص الشرقي منذ الثمانينات لأهداف صحية و ترويحية ، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا؛ فنحن في قرية بالمجر، بها ثلاث مدارس للرقص الشرقي، الاولي منها منذ ٢٠٠٣ عندما ارادت امرأة انقاص وزنها فتمرست عليه في  مدينة قريبة، و بدأته كعمل تجاري في القرية  لمبتدئات من الأطفال، و من الهاويات، ومن المحترفات، و تقيم لهن حفلات، و يدخلن مسابقات  علي مستوي المحافظة و الدولة ، و حيث تدخل حوالي  ٤٥٠٠ امرأة مسابقة سنوية لاختيار ملكة الرقص الشرقي بعد انتشار مدارسه و نواديه في المجر الي درجة ان الراقصات المجريات أصبحن بين الأشهر عالميا، و يفزن في مسابقات دولية حتي  في مصر ذاتها بجوائز عديدة.
المختلف هذه المرة كان  تأملي لهذه الحالة المجرية، و خاصة انه سبقتها موسيقي ديسكو غربية و مجرية، و لاحظت ان الاخيرة  كانت سريعة الايقاع و قوية الطبول مثيرة حماسا بل و قشعريرة و نشوة عارمة  علي الحلبة بين مجموعات الراقصين، بما أشعرني بروح احتفالية جماعية، ذكرتني بما قرأت عن قبائل الماجيار المؤسسة القادمة من شرق سيبريا و آسيا الوسطي، و التي اجتاحت أوروبا غزوا و فتكا قبل ان تستقر في المجر و تؤسس دولتها في نهاية القرن العاشر الميلادي، فتلك الطاقة، و تلك النزعة الاحتفالية العشائرية  الفخورة لدي الراقصين بدت مماثلة لما شعر بها اسلافهم  احتفالا بانتصارهم في معركة كبري. 
أما  ذلك الشغف بالرقص الشرقي لدي المجريات فتشعر أيضا أنه موروث في  المكون الأسيوي بچيناتهم قبل اختلاطهم بالاجناس الأوروبية، و ربما عززه احتلال العثمانيين للمجر قرنا و نصف.  ذلك الشغف وجدته في الحفل لدي راقصات تشعرن روحيا بالموسيقي، و تتمايلن  توافقا مع نغماتها  برقة و أنوثة دون ابتذال وسط جمهور مشجع بحماس و احترام و تذوق فني، فبعض الراقصات الهاويات اكاديميات و مدرسات و مهندسات و طبيبات، و بعضهن تعدين منتصف  العمر. و يخلطن الايقاعات و الموسيقي المصرية و التركية احيانا بايقاعات لاتينية و اوروبية.
تعتقد هاويات ذلك الرقص انه يتيح لهن التعبير عن أنوثتهن و اكتساب الثقة بالنفس و ازالة التوتر و الحد من القلق و الكآبة و من زيادة الوزن، و أن به بعض حركات أشبه باليوجا و الپيلاتس، فيعزز التوافق العضلي و التوازن و المرونة،و يقوي عضلات البطن و المفاصل و العظام و يحد من آلام الظهر،  فيزيد الاسترخاء ، و يحسن العلاقات الاجتماعية بين فريق الراقصات، و كل ذلك  مع الاستمتاع بالموسيقي و تأثيرها النفسي و الروحي.
و المثير في الأمر ان النظرة في المجر للرقص الشرقي و الإقبال عليه تختلف عما يحدث في مصر رغم انها الأصل،تاريخيا تحول الرقص الفرعوني في المعابد الي رقص للإمتاع في عصر المماليك، و عندما تم احياؤه في القرن التاسع عشر سميت الراقصات بالعوالم نسبة الي العلم، و اصبحت الافلام المصرية في القرن العشرين تحوي تقليديا فقرات منه، و اصبح بفروعه  و بالتأثيرات الاندلسية و العربية و التركية و الهندية و المغاربية علي وضعه الحالي و مع الرقص الشعبي الذي انتشرت فرقه في الستينات احد انواع الرقص المصري، و هو الذي تجري محاولات مع اليونسكو لتوثيقه حماية له، و لينتشر أسوة بالرقصات الأوروبية و اللاتينية، التي لم تجد في بلادها مقاومة مماثلة لما يحدث في مصر، حيث ان النمط السائد في النظرة السلبية اليه في المجتمع المحافظ زاد منذ السبعينات بنمو التيار الديني المتشدد و ممارسته الضغوط المجتمعية و الوصاية، و كذا بالصعود المالي لطبقة من محدودي الثقافة و التعليم اصبحوا من مرتادي النوادي الليلية ، و يغوون الراقصات بالسفه المالي اضافة لتعرضهن للتقييد وللمراقبة الشرطية. و النتيجة ان المجتمع الذكوري احدث ازمة  للرقص الشرقي و انحسارا بين ممارساته، بينما وفدت الي مصر راقصات اجنبيات للمسابقات وللعائد المادي و نشروه في بلادهن.فهل يمكن و لو تدريجيا ان نعيد لهذا الرقص اعتباره كنوع موثق من الرقص المصري المنتشر عالميا! و هل يمكن  ان يكتسب احترام جمهور راقي مهذب، لا يعلي الغريزة الجنسية علي التذوق الفني الملتزم! و هل يمكن للراقصات البعد عن الغواية و الابتذال ! و هل نضع في الاعتبار -قبل ان تدعي دول اخري نسبه لها -ان نشر هذا الرقص عالميا يؤدي الي الشغف بالتعرف علي بلادنا و تقاليدها و زيادة التقارب بين الشعوب و السياحة الي مصر بما لذلك من فوائد اقتصادية و سياسية، حيث يغير الصورة النمطية عن مصر  لدي الشعوب المتقدمة و التي حرصت علي ترويجها القوي الدولية المناوئة وقوي التطرف !