لا يكاد يمر عام دون أفتعال صراع على وسائل التواصل الاجتماعى بين المسلمين ودولة كبرى عسكرياً أو أقتصاديا أو سكانياً, مع أمريكا تارة ومع فرنسا تارة ومع غيرهم تارة , تتعالى الشعارات وتتبارى الهشتاجات والبوستات من خلف النوافذ المضيئة والشاشات , تُزرع الكراهية ويُشعل الغضب, ويُختطف الاسلام بواسطة مجموعة من البُسطاء أو الجهلاء أو المغرر بهم مستخدمين أحاديث وسور فى غير موضعها, فتحت شعار نصرة أخاك المسلم المظلوم , الكل يغرد والكل يكتب دون وعى أو تفكر فى أصل الموضوع أو أبعادُه أو من المستفيد الحقيقى من وراؤه .
وهذه الايام تطالعنا وسائل التواصل الاجتماعى بهشتاجات وبوستات حول وجود تحذير أبادة من الهند للمسلمين فى كشمير , وحديثى السن وحديثى العهد بالسياسة الدولية يعتقدون بأن الصراع فى وعلى كشمير هو صراع دينى , ويروج المستفيدون من وراء أفتعال أزمة تضر بعموم المسلمين سواء فى داخل الهند أو خارجها الأمر على أنه شئ جديد وليس منذ عشرات السنين , وأن الهند دولة تعبد غير الله قررت القضاء على المسلمين فى كشمير لأنهم يعبدون الله , على الرغم من أن الهند نفسها تضم بين مكوناتها الدينية مائتى مليون مسلم يمارسون حرية دينية وسياسية يحسدهم عليها مسلمون كثيرون فى دول ذات أغلبية مسلمة .
ففى الهند وصل هندى مسلم الى رئاسة الوزراء فى أنتخابات حرة نزيهة على خطى الاسلام الاول الذى يساوى بين الناس جميعاً , على الرغم من أنهم بحسابات عدد السكان أقل عددا من الهندوس والسيخ , بكل تأكيد هناك تنافس على أسس دينية بين اتباع الديانات الثلاث الكبرى فى الهند, وهناك أخطاء فادحة وكوراث يرتكبها بعض المنتمين الى الطوائف الثلاث فى حق بعضهم البعض , بسبب أنكار بعض المنتمين لكل طائفة لبعض معتقدات غيرهم من المنتمين للطوائف الاخرى أو السخرية منها , لكن فى النهاية الجميع يعيشون فى دولة واحدة تربطهم علاقات جيدة, يتفقون ويختلفون فى أطار دولة واحدة هى الهند الكبرى
فالهند اليوم هى صاحبة أكبر عدد من الشباب فى العالم , ففيها 65 % من السكان دون عمر 35 عاماً , وهى بذلك تمتلك من الشباب أكثر مما تمتلكه الصين حالياً , بل ان كل التقديرات تشير الى أن الهند ستكون أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان بعد خمسة سنوات على الاكثر , وربما هذا هو سبب أعادة تهييج أزمة كشمير القديمة الجديدة والزج بالمسلمين فيها لادخال الهنود عامة والمسلمون خاصة فى صراعات توقف نموهم الاقتصادى والسكانى .
كل حسابات العقل والمنطق والحسابات الدينية الاسلامية تقول ان من مصلحة الاسلام والمسلمين الارتباط بعلاقات ود وصداقة مع كل شعوب ودول العالم كبيرة كانت أو صغيرة , فالاسلام لم يدخل الغالبية العظمى من الدول الا عن طريق العلاقات الودية , بل أن اكبر ثلاث دول أسلامية فى العالم من حيث عدد السكان لم يغزوها عسكرى مسلم واحد , ودخلت جميعها الاسلام عن طريق معاملة التجار المسلمين الامناء عندما كانت أخلاق الاسلام الحسنة هى من تحكم معاملاتهم , أو عن طريق التواصل السلمى بين الناس .
لذا علينا ان نعود الى أصل الاسلام وحياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وننفتح على العالم كما كان يفعل , نتعايش مع كل دولة حسب ظروفها وحسب قوانينها وحسب ثقافتها , دون تقصير أو أخلال بما نؤمن به من تعاليم الاسلام وفرائضه وقواعده التى لا تعارض مع أى نظام حكم فى العالم , فالاسلام كله يُسر , فعلى سبيل المثال أركان الاسلام الخمسة يمكنك التمسك بها دون ان تخالف أى قانون فى أى دولة, وأخلاق الاسلام من الصدق والامانة والولاء للدولة التى تعيش فيها , تتناسب مع كل أنظمة دول العالم بغض النظر عن أختلافاتها السياسية أو الايدلوجية , لأنها أخلاق الفطرة السليمة التى فطر الله الناس عليها .
لكن للأسف بعض المسلمين يقعون فى شراك أعداءهم أو مستغليهم وينجرون خلف النزعات الانفصالية عن دولهم أو التقوقع حول أنفسهم , سعياً نحو تكوين دويلات صغيرة يحكمونها , دويلات تعادى جيرانها, فى تعارض تام مع أبسط قواعد ومبادئ الاسلام الحقيقية , مما يجعلهم هدفاً مباشراً للعداء مع غيرهم , عداء الرابح فيه ليس مسلماً والخاسر فيه مسلم , فلا تنخدعوا بالشعارات وأنظروا الى الصورة كاملة قبل ان تغردوا أو تكتبوا كلمة واحدة عن أى أمر يخص عامة المسلمين فى أى مكان فى العالم .