الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التطعيم ضد كورونا وحق المجتمع

في عام 1901 اجتاح مرض "الجدري" شمال شرقي الولايات المتحدة الأمريكية مما تسبب في وفاة عشرات الآلاف جرّاء الإصابة به، حتى أن الناجين منه قد حملوا آثاره البالغة من فقدان للبصر أو تشوهات بالوجه والجلد

وكان "الجدري" قد انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية عبر المهاجرين إليها من أوروبا في ذلك الحين، فبدأت الولايات المتحدة بتحديد أماكن للحجر الصحي للقادمين من أوروبا مع اتخاذ الكثير من الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس "الجدري"، وبما أن هذا الفيروس حينها كان له لقاح قد تم استخدامه من قبل في أوروبا، فقد أقرّت الولايات المتحدة الأمريكية استخدامه بشكل إجباري على المواطنين في بعض الولايات ومنها ولاية "ماساتشوستس" التي فرضت غرامة تعادل (اليوم) حوالي 100 دولار على كل من يمتنع عن أخذ اللقاح الذي كان يصيب ببعض الأعراض الجانبية القوية

وبالفعل بدأت حملة التطعيم الإجباري التي اتسمت في بعض الأحيان بإكراه المواطنين على تلقي اللقاح ولو بالقوة!

في ذلك الوقت كان هناك قسّ ذائع الصيت من أصل سويدي يُدعى "هينينج جاكوبسون"، وقد كان هذا القسّ الذي هاجر من السويد إلى الولايات المتحدة في مرحلة الطفولة هو مؤسس الكنيسة البروتستانتية في "بوسطن" بولاية "ماساتشوستس" وله شأن كبير بالولاية من حيث التأثير الديني والاجتماعي
وقد رفض هذا القسّ تلقي اللقاح معتمدًا على حقه الدستوري الذي يكفله له الدستور الأمريكي في قبول أو رفض هذا الأمر، ونظرًا لأهمية هذا الرجل فقد حاول مسؤولو الصحة بالولاية إقناعه بتلقي اللقاح، لكنه رفض تمامًا الانصياع لهم معللًا ذلك الرفض بأنه قد تلقاه في السويد عندما كان طفلًا، فلم يجد المسؤولون بُدًّا من فرض الغرامة عليه أسوة بما يتم العمل به مع المواطنين الرافضين للقاح، فلم يستجب لذلك أيضًا معتبرًا ذلك مخالفًا للدستور ويمسّ حريته الشخصية حتى تطور الأمر إلى قضية رأي عام وصلت للمحكمة العليا بالولايات المتحدة الأمريكية

وبعد مرور ثلاث سنوات من السجال القانوني جاء حكم المحكمة التاريخي الذي يتم الاستناد إليه إلى الآن في الكثير من القضايا المشابهة، فقد حكمت المحكمة لصالح إدارة الولاية ضد القسّ، ونص قرار المحكمة على أن للحكومة صلاحية فرض التطعيم على المواطنين في الحالات التي تكون فيها المصلحة العامة أهم من المصلحة الفردية، وبهذا أصبحت السيادة للدولة على حق الفرد في التصرف بجسده، وهو ما تم تنفيذه بعدها في التاريخ الأمريكي مرات عديدة حيث أصبح هذا الحكم من مبادئ القانون التي لم تتغير حتى الآن رغم التطور الرهيب فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحرية الشخصية، وقد أخذت بعض الدول ومنها سويسرا من هذه الواقعة مرجعية في القانون ويتحدث الإعلام هناك الآن عن التلويح باستخدام هذا المبدأ القانوني في فرض اللقاح على المواطنين نظرًا لوجود بعض التيارات المعارضة للقاح كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض بلدان العالم الأخرى

وإذا كان هناك على مر التاريخ من الأشخاص من يعارض التطعيم في زمن الأوبئة، فإن ما حدث في محافظة المنيا في مصر يُعد الأغرب على الإطلاق، فقد تم العثور على أكثر من مائة ألف عبوة لقاح ملقاة على جانب إحدى الترع وسط أكوام القمامة بإحدى القرى!

إذا كان من الممكن وجود بعض المعترضين على تلقي اللقاح في مختلف دول العالم، فليس من حق أحدهم أن يمنع الآخرين من الحصول عليه أو أن يقوم بالتخلص من عبواته بهذا الشكل، فتلك جريمة لن يغفرها التاريخ قبل القانون لمرتكبيها ممن فقدوا عقولهم وأخلاقهم بارتكابهم لها، فعلاوة على الخسائر المادية التي تتكبدها الدولة جرّاء تلك الممارسات الخبيثة، فإن البعد الأخلاقي لها قد تجاوز كل حدود الخسة والوضاعة، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من مائة وعشرين عامًا قد حكمت بأحقية الدولة في فرض التطعيم على الأفراد، فإنه يجب أن يكون لدينا الحق هنا في الحصول على التطعيم وأن نرى من يحرمون المجتمع من الحصول عليه بتلك الطريقة وراء القضبان، وأن ينالوا عقابهم الرادع الذي يجعل أمثالهم يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على هكذا أفعال

ومن هنا يجب أن يعلم الجميع أن هذا اللقاح مع الإجراءات الاحترازية المعروفة هم الضمان الوحيد لحماية الفرد والمجتمع من الإصابة بكورونا التي قد تتسبب في الوفاة، كما أن الحصول على اللقاح الآن أصبح أساسيًا للمسافرين والعاملين ببعض الوظائف

ويحسب للحكومة المصرية حرصها على توفير لقاحات كورونا للمواطنين مجانًا حرصًا على صحتهم، مما يكلف الموازنة العامة للدولة مبالغ طائلة، لذا وجب على المواطن الصالح المسارعة في الحصول على اللقاح حفاظًا على نفسه والمجتمع، فقد بات التطعيم ضد كورونا حقًا للمجتمع على الأفراد.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط