الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليلى موسي تكتب: فرص إعادة تعويم النظام أو تحييده

صدى البلد

في خضم الأحداث والتطورات والمستجدات المتسارعة التي تعج بها المنطقة مؤخراً؛ والتي فتحت المجال أمام الكثير من التأويلات والاستنتاجات والتكهنات؛ التي في غالبيتها افتقدت للمصداقية والأسس الموضوعية ، بل وتناقضت مع معطيات الواقع المعاش. إذ ماقيل عن قرارت تطبيع أدت إلى حالة من الاحباط وفقدان الأمل لدى شريحة واسعة من الشعب الذي انهكته سنوات الأزمة الطويلة؛ والتي كانت إحدى ركائزها الأساسية بنية النظام الحالي هذا من جانب، ومن جانب آخر فقدان الثقة بمحيطه العربي. كما أدت إلى فتح شهية البعض الآخر للحديث عن انتصارات وهمية حققها، وأن سوريا في طريقها إلى إنهاء الأزمة، وأن الحياة ستعود إلى مجراها الطبيعي وكأن شيئاً لم يكن؛ بينما ظلت شريحة أخرى لم تُعر أي اهتمام كونه لن يأتِ بأي جديد لعدم إيفاء شروط نجاحه.
شهدت الأيام القليلة المنصرمة بعضاً من الأحداث والتطورات التي كانت من المحظورات سابقاً؛ منها مدّ خط الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وفتح معبر نصيب الأردني مع سوريا، والحديث عن تبادل تجاري واقتصادي بين البلدين، و اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المصري السيد سامح شكري مع نظيره السوري فيصل مقداد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ودعوة الجزائر بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية والمشاركة في القمة العربية الحادية والثلاثين؛ والمزمع عقدها قبل نهاية العام الحالي في الجزائر. وفي خطوة متقدمة من الإمارات بفتح سفارتها منذ 2018؛ والتي شكلت خطوة البداية نحو إعادة التطبيع؛ وكان من المتوقع – حينها- أن تكون بداية لسلسلة انفتاحات أخرى، إلا أنها لم تحصل لعدم توفر الأرضية اللازمة. وغيرها من الإجراءات والحديث عن التطبيع بين الحكومة السورية وبعض الدول العربية الأخرى في ظل التعنت والرفض القاطع من قبل البعض الآخر لأي انفتاح مع الحكومة السورية مالم تغير من سلوكياتها وتستجيب للشروط المفروضة عليها، وإزالة الأسباب التي أدت إلى حدوث القطيعة مع محيطها العربي.
خطوة التطبيع مع الحكومة السورية اعتبرتها نسبة لا بأس بها من الشارع العربي بأنها خطوة على الدرب الصحيح؛ كخطوة في إطار قطع الطريق أمام التدخلات الخارجية والإقليمية؛ و في مقدمتها تحييد كل من إيران وتركيا عن الملف السوري، وحتى أن الكثيرين من الساسة والمحللين والمتابعين للشأن السوري ظلوا ينظرون إلى تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية من الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبت حينها، لسببن أولهما؛ فتح المجال أمام النظام لممارسة المزيد من العنف بحق شعبه؛ وثانيهما فتح المجال للتوغل الإيراني والتركي في الأزمة السورية. لذلك وجدوا في خطوة التطبيع مع الحكومة السورية إنها جاءت في نصابها الصحيح؛ وإن جاءت متأخرة.
ومن ناحية أخرى أثار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتسلم طالبان للحكم، وما سيتركه من تداعيات ودفع معنوي لصالح تمدد الجماعات الإسلاموية أكثر في المنطقة وتنشيط خلاياها النائمة وبشكل خاص في سوريا، حيث لم تُخفِ جبهة النصرة بهجتها، بل سارعت إلى الاحتفاء بـ " النصر المظفر" لطالبان - على حد وصفها- ولهذا قد تأتي خطوة التطبيع هذه في إطار الجهود العربية المشتركة في مكافحة الإرهاب والجماعات الراديكالية التي تعاني منها غالبية الدول العربية.
وكما وجدها أخرون بأنها خطوة لتشجيع النظام على التمادي في ممارساته بانتهاك حقوق الإنسان وقواعد ومبادئ القانون الدولي؛ وتصب لصالح استمرارية الحكومة وداعميها من الإيرانيين؛ وبالتالي مزيداً من المعاناة للشعب السوري.
فإلى جانب الرغبة العربية بالتطبيع مع الحكومة السورية للحفاظ على السيادة السورية وإنهاء التدخلات الخارجية وبشكل خاص الإيرانية؛ والتمهيد للانتقال إلى مرحلة الانتقال السياسي وإنهاء الأزمة، تبقى الرغبة الروسية لإعادة تعويم النظام بالسيطرة على كامل الجغرافية ؛ محققةً التفرد الروسي بالعملية السياسية وإدارتها.
ربما تتقاطع الرغبة العربية والروسية بالحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، والتخلص من التدخلات الخارجية، ولكنها مهمة ليست من السهولة بمكان انجازها لوجود عراقيل جمة منها:
• وجود العديد من القوى والدول المتدخلة في الأزمة السورية؛ وحجم التناقضات التي تجمع بينها.
• اختلاف وتباين المواقف بين الدول العربية حيال عملية التطبيع.
• العلاقات العضوية، وصلاتها القوية التي تربط النظام السوري بالإيرانيين.
• التواجد الإيراني القوي وسيطرته على مساحات واسعة من الأرض السورية، لنشر عقيدتها الطائفية إلى جانب هيمنتها على مراكز صنع القرار، وبالتالي لن تقبل بأي علاقة تطبيع تكون على حساب تواجدها ومشروعها المتمثل في " الهلال الشيعي" ما لم يكن قرار إخراج القوات الأجنبية بقرار متوافق عليه إقليمياً ودولياً.
• تركيا ومشروع الميثاق الملي وعدم تخليها عن أدواتها من الجماعات الإسلاموية لتحقيق أجنداتها ومشاريعها في المنطقة، وحضورها في الأزمة السورية.
• ذهنية النظام وعدم تجاوبه مع أية شروط أو استعدادات لأي تنازل يقدمه؛ وهذا ما عبّر عنه وزير خارجيتها عن رغبته القوية وترحيب الحكومة السوية بالتطبيع من دون شروط مسبقة.
• النظام السوري ليس في موقف قوي يؤهله لاتخاذ قرارته بإرادته الحرة؛ بعيداً عن التدخلات الخارجية.
كما هو معلوم فأن الحديث عن خطوات السير نحو التطبيع جرت في ظل مخالفة لعقوبات قانون قيصر الأمريكي؛ حيث فسرها البعض على أنها تليين من الجانب الأمريكي وبتوافق روسي أمريكي للبدء بالعمل على حلحلة الأزمة السورية؛ كما التي جرت بالاتفاق حول تفويض معبر باب الهوى، وتسويات أحداث درعا التي رافقها صمت أمريكي على غير العادة. ربما يأتي السماح للأردن بالتطبيع كأحد الأطراف المساهمة في ضبط الحدود الجنوبية السورية من الجماعات المسلحة بعد سيطرة النظام عليها من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار الصمت الأمريكي والليونة التي تبديها تأتي في صياغة استراتيجيتها التي اطلقتها مؤخراً بحل الأزمات والمشاكل بالعمل الدبلوماسي والحوار وليس بالعمل العسكري؛ وإبداء قبولها بوجود النظام الحالي شريطة تغيير سلوكياته؛ وهي الاستراتيجية التي تتبعها مع إيران بخصوص برنامجها النووي.
إذاً في ظل المعطيات والمؤشرات الموجودة تبقى حظوظ وفرص نجاح عمليات التطبيع لإنقاذ الحكومة السورية من خلال تعويمها أو إعادة انتاجها قليلة، كون النظام في أضعف مراحله، وكل ما يشاع عن انتصارات باستعادة الأراضي ما هي إلا انتصارات وهمية وللاستهلاك الإعلامي؛ لأنها تمت بدعم ومساندة روسيا وإيران. لذا، من الصعوبة تخلي النظام عن الإيرانيين، بالإضافة لذلك فإن عمليات التطبيع يتطلبها توافق دولي وإقليمي وهي من الصعوبة تحقيقها لتعارض حجم التناقضات بين أجندات والمشاريع الدولية والإقليمية. وبالتالي فإن أية عملية تطبيع يجب أن تتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالأزمة السورية؛ وخاصة القرار 2254 والتي لم تتوفر حتى الآن. وبالمقابل يمكن اعتبار خطوات التطبيع ايجابية لخدمة السوريين ككل؛ وستشكل بداية للضغط ودفع الحكومة السورية لتغيير سلوكياتها؛ ودفعها نحو البدء بحوار جدي للتفاوض مع المعارضة للخروج من الأزمة. والاتجاه نحو سوريا مستقبلية تدار بمشاركة مختلف أطيافها، وإنهاء تواجد الدول الإقليمية وإفشال مشاريعها في المنطقة، والحفاظ على السيادة السورية.