قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

تنمية سيناء.. العبور الجديد

رغم الإنتصار العسكري العظيم ، و الحاسم، للقوات المسلحة المصرية ، على إسرائيل ، في حرب أكتوبر، 1973 ، إلا أن تحرير سيناء ، في تقديري ، لم يتم فعليا ، على أرض الواقع ، إلا في سنة 2019، تاريخ بداية إنهاء عزلة سيناء نهائيا عن الوطن الأم ، من خلال ربطها بوادي النيل و الدلتا بسلسلة من من الأنفاق بداية من بورسعيد ، و مرورا بالإسماعيلية ، و أخيرا في سبتمبر 2021 ، بإفتتاح نفق الشهيد أحمد حمدي 2 بالسويس . فنصر أكتوبر 1973 ، كان إنتصارا عسكريا مدويا على العدو الخارجي، لكن نصر 2019، كان إنتصارا على العدو الداخلي ، و المتمثل في الخمول، و الجمود ، وإهمال التنمية . فما معنى أن تحرر أرضا مساحتها أكثر من 60 ألف كيلو متر مربع ، أي ثلاثة أضعاف مساحة الدولة العبرية، مقابل تضحيات هائلة من الشهداء ، ثم نتركها بلا تنمية ، ليعشش فيها إلإرهاب، و تظل ثرواتها الطبيعية الهائلة ، سواء كانت ثروات معدنية ، أو زراعية ، إو صناعية ، أو سياحية، بلا إستغلال حقيقي أو عائد .

أما الأمر الأخطر في ترك سيناء بلا تنمية ، فقد تجسد في الضرر الجسيم الذي نزل بالأمن القومي المصري ، و هذه قصة قديمة ، يعود تاريخها للعدوان الثلاثي على سيناء، و مدن القناة ، في 1956 . فبعد إنسحاب الدول الغازية الثلاث عن أرض مصر ، و هي أنجلترا ، و فرنسا ، و إسرائيل، شكل الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر ، لجنة تقصي حقائق ، لمعرفة الأسباب التي إلتي مكنت إسرائيل من إستمرار إحتلالها لسيناء حتى مارس 1957 ، بتأخير قدره 3 أشهر كاملة عن أنسحاب القوات الإنجليزية و الفرنسية من منطقة القناة ، في 23 ديسمبر 1956 . و اتفقت جميع آراء الخبراء العسكريين ، و السياسيين، حينذاك ، على أن سبب تعنت إسرائيل ، و رفضها الإنسحاب من سيناء ، يعود إلى غياب المقاومة الشعبية ضد القوات الإسرائيلية المحتلة ، لغياب الكثافات السكانية على أرض الفيروز، فيما كانت المقاومة الشعبية الباسلة في مدن القناة ، لا سيما ، في بورسعيد ، من أهم الأسباب التي أجبرت الفرنسيين و الإنجليز على الإنسحاب من مصر .

كما إتفقت جميع الآراء ، أيضا ، على أن السبيل الوحيد لتشجيع المصريين على إستيطان سيناء ، هو تنميتها ، لتسهيل نقل الكثافات السكانية الهائلة من الوادي و الدلتا اليها ، خاصة من أجل أستيعاب الهجرة المتزايدة من الريف، الى القاهرة ، و الإسكندرية، في إطار مكافحة ظاهرة العشوائيات التي بدأت في الظهور في نهايات الخمسينات و تفحلت لتصبح قنبلة موقوتة في التسعينات و الألفية الجديدة .

و قد حدث بالفعل ما كان يحذر منه الخبراء ، فبعد مرور 11 عاما ، من العدوان الثلاثي على مصر ، تمكنت إسرائيل في حرب 1967 من إحتلال سيناء مرة أخرى و البقاء فيها في أمن وأمان لمدة تزيد عن 10 سنوات، فقدت مصر خلال فترة طويلة منا عائدات قناة السويس ، أهم دخل لمصر من العملة الصعبة، فضلا عن بترول سيناء ، بسبب غياب المقاومة الشعبية ، نتيجة إهمال التنمية في سيناء . و لم يمهل الإرهابيون الرئيس أنور السادات الوقت لإستكمال خطته الطموحة لتعمير سيناء بعد أن أعاد تشغيل القناة في 1975 ، فأغتالوه في يوم إنتصاره ، قبل أشهر قليلة من إنسحاب إسرائيل من كافة أراضي سيناء . و خلال حكم الرئيس الراحل ،حسني مبارك ، تركزت عملية التنمية في جنوب سيناء ، في السياحة دون غيرها ، خاصة في شرم الشيخ في حين تركت، شمال سيناء ، و وسطها ، دون تنمية ، ليعشش فيها الإرهاب ، و يكثر فيها عمليات التهريب ، من سلاح ، و مخدرات ، و منتجات فاسدة ،و مقلدة ، لا سيما من خلال الأنفاق ، التي كانت تشق بين سيناء و غزة . و مع إندلاع ثورة 25 يناير ، و خلال العام الذي حكمت فيه جماعة الإخوان الإرهابية مصر ، تحولت سيناء بسبب الفراغ الأمني، و غياب عمليات التنمية ، إلى ملاذ آمن ، و مرتع للإرهابيين ، خاصة بعد أن تدفق على سيناء ، كم هائل من من الارهابيين و الأسلحة ، التي تم تهريبها من ليبيا ، بعد سقوط القوات المسلحة الليبية .

و مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر، بمقتضى ثورة 30 يونيو 2013 ، و بحنكة رجل المخابرات ، إزدادت قناعته بأن تنمية سيناء ، هي السبيل الوحيد للحفاظ على الأمن القومي المصري ، سواء من العدو الخارجي أو القضاء على الإرهاب من منطلق أن الإرهاب لم يتوحش في سيناء إلا بسبب قلة الرزق ، و الفراغ السكاني الذي تعاني منه سيناء ، رغم ما تزخر به سيناء من ثرورات هائلة . وكان الحل الأمثل في إنهاء عزلة سيناء نهائيا عن الوطن الأم يكمن في ربطها بمجموعة الأنفاق التي تم إفتتاحها أعتبارا من 2019 ، فضلا عن تسليح سيناء ببنية تحتية قادرة على جذب الإستثمارات ، الداخلية ، و الخارجية ، لإستغلال ثروات سيناء .

و رغم أن سيناء تعد المورد الأول للثروة المعدنية في مصر ، من بترول، و نحاس، و فوسفات، و حديد، و فحم، و منجنيز ، و يورانيوم ، و رخام ، وجرانيت الخ الخ الا أني سأختص بالحديث أهم ثروات سيناء على الإطلاق و هي " الرمال البيضاء "فهذه الرمال ، تعد كنزا مهملا ، و لا أدل من إرتفاع أسعار السيارات في العالم في الوقت الحالي بسبب عدم توافر الرقائق الإلكترونية التي تعد الرمال اليضاء أهم مكونات تصنيعها لنعرف أهمية هذه الرمال .

فالرمال البيضاء في سيناء ، تتميز بنسبة نقاء عالية تصل لنحو ، 98 في المائة ، و هي أعلى نسبة نقاء في العالم . و الغريب في الأمر، أن هذه الرمال كانت تصدر ب20 دولارا فقط للطن، لكل من الصين ، و كوريا الجنوبية ، والولايات المتحدة ، و تركيا ، و اليابان، و اسرائيل ، لتعود لنا في شكل منتجات زجاجية ، ب 100 دولار للطن ، و عندما تصنع منه الرقائق الألكترونية التي تقوم عليها الصناعات الراقية، مثل صناعة الدوائر الإلكترونية للسيارات ، و الحاسبات، الاجهزة الالكترونية ، و الهواتف الذكية، و تطبيقات الذكاء الاصطناعي، و العاب الفيديو، ودوائر التحكم في الالات، و الطائرات، و مركبات الفضاء، و منظمات القلب ، و الغسالات، فإنها تعود الينا بنحو 100 ألف دولار للطن . باختصار فإن صناعة الرقائق الالكترونية ، هي عصب الصناعات الراقية ، و التي يصل سوقها العالمي الي 4 تريليون دولار ، يمكن لمصر أن تحصد منها جانبا مهما . لكن كيف يمكن أن يكون لها ذلك ، و سيناء بلد الرمال البيضاء، كانت تعاني من الإرهاب، و من صعوبة الوصول إليها و افتقارها للبنية التحتية ؟ . فاليوم بعد إنطلاق التنمية في سيناء، لم يعد مطلوب منا سوى جذب الإستثمارات الى سيناء ، ونقل التكنولوجيا اليها من الصين ،أو أمريكا ، أو كوريا الجنوبية ، أو اليابان ، لإقامة هذه الصناعة على أرض الفيروز ، و هي الصناعة الكفيلة بتحويل مصر لدولة غنية .

أما السياحة الدينية ، التي تمثل أحد أهم الدخل السياحي لبعض الدول مثل ، السعودية، و الفاتيكان ، فكيف لنا أن تجاهل إمكانية تحويل سيناء لكنز سياحي من خلال إستغلال رحلة العائلة المقدسة التي بدأت في سيناء . فيكفي أن أشير إلى أن مدينة فرنسية فقيرة مثل مدينة " لورد" ، تحولت بفضل السياحة الدينية ، الى مدينة ثرية، بعد أن إستغل أهلها شائعة ، تحدثت عن رؤية فتاة قالت أنها رأت السيدة العذراء ، فوق أحد كنائسها ، ليزور هذه المدينة، 8 ملايين سائح كل عام ، من مختلف أنحاء العالم، أي ما يساوي إجمالي السائحين الذين يزورون مصر .

و لم تكن محطة بحر البقر، لاعادة تدوير مياه الصرف، التي إفتتحها مؤخر الرئيس السيسي إلا نتاج إنهاء عزلة سيناء ، من خلال الأنفاق ، و الكباري، فهذه المحطة ، ستساهم في ري نصف مليون فدان في سيناء، لتكتمل منظومة التنمية ، من زراعة ، و صناعة ، و تكنولوجيا ، و سياحة .

و أخيرا ، نستطيع أن نقول، أن الوقت قد حان ، ليقوم المصريون بدورهم في تعمير سيناء، للمساهمة في تأمين الأمن القومي المصري، داخليا ، و خارجيا، بعد أن تحملت القوات المسلحة مسئوليتها الوطنية على أكمل وجه سواء بتحرير الأرض، أو تطهيرها من الإرهاب ، أو تسليحها بالبنية التحتية المتطورة و ربطها للأبد بالوطن الأم بسهولة و يسر .