الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«فالصو»!

كلمة "فالصو" من اللغة الإسبانية "falso"، وتعني أن الشيء مزور وليس أصلياً، ويقال ذلك عادة على الجواهر المقلدة، كما يعبر الـ "فالصو"  عن الأوهام التي نعيش فيها وتقيد تفكيرنا، وتجعل تعاملنا غير صحيح مع الناس والأحداث.
ومن القصص الرمزية التي تعبر عن حالة الـ "فالصو": "رجل وجد جوهرة، وذهب بها لمحل جواهرجي، فحصها وقال: فالصو، الرجل قال: انت كذاب وعاوز تسرقها، وذهب لمحل غيره، قال: فالصو، كذبه ومر على غيره وكلهم قالوا: فالصو.
وذهب لمحل أخير توسم في صاحبه أنه رجل أمين، عرض عليه الجوهرة، فحصها وقال: دي كنز، قال الرجل: تشتريها، رد: انها لا تقدر بثمن ولا يقدر على ثمنها الا الملك، انتظر حتى يأتي وتعرضها عليه.
قال الرجل: ومتى يأتي الملك؟، رد: لا أعلم، أنا ممكن اشغلك معي عامل واعلمك الصنعة، وتكسب فلوس كل يوم، ولما يجي الملك ابقى اعرضها عليه.
بعد شهور الرجل تعلم الصنعة، وأصبح يفحص أي جوهرة ويعرف إذا كانت حقيقية ولا فالصو، وجاء اليوم المنتظر، وجاء الملك، الرجل قل في نفسه أفحص الجوهرة قبل عرضها على الملك، فحصها بنفسه واكتشف إنها فالصو.
رجع للجواهرجي وقال: انا فحصت الجوهرة ووجدتها فالصو، لماذا لم تقل لي ذلك من قبل، رد: لو كنت قلت لك كنت كذبتني، أنا عملت فيك معروف وعلمتك صنعة واكتشفت بنفسك إنها فالصو، غير كده كنت هتفضل عايش في الوهم على طول، ولا تتعلم ولا تتغير ومقتنع ان معاك جوهرة وهى فالصو".
الكثير من الناس يؤمنون بمجموعة من الأكاذيب التي خلقوها وصدقوها، وكلما تعمقت الأوهام في النفس، زاد انفصام الذات عن الواقع، وابتعدت عن الحقيقة، فالإنسان عادة ما يميل إلى الوهم ويرفض الحقيقة، وتبقى الحقيقة مزعجة مقلقة، تنفر منها النفس البشرية، بينما تظل الأوهام مريحة ومطمئنة للنفس بعيداً من القلق والمعاناة.
قال تعالى: (قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَا۠ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) الأنعام 104، الإنسان مخير فمن أبصر فلنفسه، والأدلة على الحق موجودة، لأنها صادرة من الله تعالى بمنزلة الشمس للأبصار.
(فَمَنْ أَبْصَرَ)، بتلك الآيات وعمل بها (فَلِنَفْسِهِ)، (وَمَنْ عَمِيَ)، بأن بصر وتبين له الحق فلم يتبصر، فلا ذنب على الرسول لأنه ليس (عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)، لا يحفظ أعمالكم ولا يراقبها، فالعمى عمى القلب الذي يصيب الإنسان في الدنيا يستمر معه إلى الآخرة، فإن العمى ليس عمى البصر، وإنما العمى هو عمى البصيرة عن إدراك الحق والاعتبار.
نحن نعيش حالة "الفالصو" في كل شيء في حياتنا، في الأسواق لبيع كل ما هو مزيف أو مغشوش من البضائع، صناعات كاملة تقوم على التزوير والغش، ماركات ملابس وأحذية ونظارات وساعات مزيفة ومغشوشة حتى في محلاتها الأصلية. 
حتى الكلمات مزيفة، والعلاقات الاجتماعية الأسرة والعمل والصداقة تحولت إلى علاقات "فالصو" تغيب فيها المشاعر الحقيقية، وتسيطر المشاعر المزيفة، نمط حياة يقوم على الغش والخداع بدون مبرر، يشبه طلاء المعدن الرخيص بقشرة من الذهب فيسمى ذلك الذهب "فالصو"، وانتقلت ثقافة "القشرة" إلى كل التعاملات، وتحولت حياتنا إلى "قشرة" مزيفة.
قال تعالى: (ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) آل عمران 179، فالخبيث خبيث، والطيب طيب، لكن القليل من الناس يميز بين الخبيث والطيب، بين الوهم والحقيقة، والله تعالى يتكفل بأن يفعل شيئاً يفرز به الناس. 
وتعتبر حالة التخلص من الأوهام واحدة من حالات جهاد النفس، وهدفها رجوع النفس إلى توازنها الإيجابي، للتمييز بين الحقيقة والوهم، وذلك من خلال إعادة بناء عملية التفكير على أساس النقد والمساءلة، والانفتاح على الآخرين، والسعي وراء اكتساب المعرفة والعقلانية، والتحرر من الجهل والأهواء والانغلاق.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط