الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود أبو حبيب يكتب: سر الرقم 6 ونكسة تل أبيب

صدى البلد

 

الحرية لا تُباع ولا تُشترى.. تلك افتتاحيتي لمعرض الحديث عن القضية التي سطرت كلماتي فخرًا لمناقشتها، فالفكرة الهوليوودية التى استخدمها فلسطينيون ستة؛ لانتزاع حريتهم من بين أسوار سجن "الجلبوع" الإسرائيلي- الأكثر حراسةً والأشد تأمينًا-، هى صفعةٌ قويةٌ على جبين الكيان المحتل الغاصب لأرضهم، والذي يعمل دائمًا على تكبيل حرية المُناضلين الفلسطينيين، لكن هذه الصفعة تُثبت أنه مهما استوحشت عتمة السجون، واشتد العذاب والألم بين جدرانها؛ ستظل الإرادة الفلسطينية صامدةً لا تنكسر، وقادرةً على قهر العدو الصهيوني، مهما بلغ تجييشه المادي والمعنوي، وقبل هذا كله، هى دليلٌ أيضًا على أنه لن يمنحنا العدو حريتنا ما لم ننتزعها بأيدينا.


هذا المشهد الدرامي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكأننا نُشاهد الجزء الآخر للفيلم الأمريكي "الخلاص من شاو شانك The Shawshank - Redemption"، بطولة " تيم روبنز"، والذي يحكي قصة مَصرفي حُكم عليه بالمؤبد، فتَعرَّف على صديقٍ له داخل السجن، والذى جسَّده "مورغان فريمان"، فتشاركا سويًا في حفر نفقٍ تحت السجن للهروب، لكن هذه القصة التى خُطت بعزيمة ومثابرة هؤلاء الأبطال، تُثبت أن الإرادة الفلسطينية قادرةٌ على تحويل الخيال الهيلوودي إلى واقعٍ مرير يُؤرِّق الاحتلال، وأن اختراق قيود السجَّان ليس أمرًا محالًا، حتى لو لم يكن فى أيدينا غير ملعقة الطعام، كما أثبتت الواقعة للفلسطينيين أنفسهم أنهم حقًا قادرون، وأن المنظومة الأمنية لا تحتاج إلى شىءٍ لخَرقها سوى العزيمة، التي يملكها الأبطال الـ 6، تلك العزيمة التى جعلت من ملعقة طعامٍ صغيرة واحدةً من أكبر آلات حفر الأنفاق في العالم، وهى العزيمة ذاتها التي امتلكها أبطال الجيش المصرى فى السادس من أكتوبر 1973م؛ لكسر خُرافة الجيش الذى لا يُقهر، وها هو يقهرها بملعقة 6 أبطالٍ، وبين 6 أكتوبر، و6 أسرى، ستون درسًا للحرية.


لاشك أنني عندما شاهدت فيلم"الخلاص من شاو شانك Th Shawshank - Redemption"، كنتُ منبهرًا بخيال المُؤلِّف، الذي استطاع أن يُثبت أن الحلم مهما كان مستحيلًا، فإن العزيمة والإصرار كفيلان بأن يصلا بك إلى هدفك في النهاية، لكن المشهد الذي صنعه 6 من آلاف الأبطال المحتجزين خلف أسوار القهر والظلم، التى شيَّدها الكيان الصهيوني؛ جعلني أُجزم بأن الدراما الخيالية على الشاشة الفضية، هناك مَنْ يحوِّلها حقيقةً مرئيةً متى ظُلم؛ بحثًا عن الحرية، وهو ما يُؤكِّد أن إرادة وعزيمة هذا الشعب لم تفتر بعد، والجهد الذى بذله هؤلاء الأبطال للوصول لنهاية النفق؛ ليستنشقوا نسائم الحرية، لهو رسالةٌ واضحةٌ للفلسطينيين والعالم، أن الحرية ستأتي، وأنه مهما كابدنا فى طريقها من مشقةٍ وعناءٍ؛ لن يبلغ معشار العنت والجهد الذى قطعهُ الأبطال الـ 6، بدايةً من أول النفق حتى نهايته، لكن سيظل الفيصل هو الإرادة والعزيمة.


كنت أظن عند سماعي بخبر هروب الأسرى، أنه لا سبيل لجيش الاحتلال في إزالة آثار هذه الصفعة، إلا أن يُعيدهم إلى سجونه؛ حفظًا لماء الوجه، ومداراةً على هذا الخرق الأمني الذي حدث في أكثر سجونه تأمينًا وحراسةً، وكنت آمل في البداية أن يتم منح هؤلاء الأبطال حق اللجوء لإحدى الدول التي تمنع وصول يد العدو إليهم، لكن سرعان ما أمسكت قوات العدو بـهؤلاء الأبطال، وبدأ يتسرَّب إلىَّ خيبة الأمل من جديد، لكن التفاؤل والعزيمة التي تحدَّث بها زكريا الزبيدى، أحد الأبطال الـ6، والذي حاول الفرار مجددًا عندما تم الإمساك به، وتوعَّد العدو بأنه سيحصل على حريته من جديد، يُثبت أن الفشل هو أن نفقد العزيمة والإرادة في النجاح وليس في الإخفاق فيه، ومن استطاع أن يتنفَّس هواء الحرية ولو ليومٍ؛ لن يستطيع أحدٌ أن يحرمه منها.


لا أعلم ذنبًا لهؤلاء الأبطال الذين أُلقى بهم في غيابات السجون الإسرائيلية، إلا أنهم كانوا يبحثون عن الحرية التى استلبها العدو منهم، فلم يجدوا أمامهم من سبيلٍ إلا أن ينتزعوها انتزاعًا، والنفق الذى خرج منه الأسرى من سجن الجلبوع، لهو أشد صعوبةً من خروج الفلسطينيين إلى الحرية الحقيقية التي أصبح أيقونتها على أرض فلسطين الأبطال الـ6، الذين لم يملكوا ثمنًا لها سوى العزيمة والإرادة.