حكم إعطاء الصدقة للمتسولين .. يحرم على الغني أن يسأل الناس من الصدقات المال، ولا يحل له ما يأخذه بذلك، وقد حذر الشرع الشريف أشد التحذير من أن يسأل أحد الناس من غير حاجة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» رواه الشيخان، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» رواه الترمذي، وروى الإمام مسلم في -صحيحه- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ».
هل يجوز إعطاء الصدقة للمتسولين
أما المعطي فإن أعطى السائل ظانه فقيراً، فله الأجر على صدقته؛ لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لمن أخذ صدقة والده: «لَكَ مَا نَوَيتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذتَ يَا مَعنُ» رواه البخاري، فإذا بان بعد ذلك أنه غير محتاج، فإن كان ما أعطاه من الزكاة فله أن يستردها، ليدفعها لمستحق حتى تبرأ ذمته، وإن كانت من الصدقات فلا يسترجعها، وإن بان غير مستحق؛ لأن الصدقة تجوز على الغني، وله الأجر على ما دفع.
"هل يجوز التصدق على متسولين يحترفون الشحاذة؟
قال الشيخ عبد الله العجمي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: الأمر إليك إن أعطيتهم فلك الأجر وإن لم تعطهم فلا شيء عليك، وابحث عمن يستحقون».
ما حكم الشرع في التسَوُّل وما حكم إعطاء المتسولين المنتشرين في الأماكن العامة؟
قالت دار الإفتاء، إن أصل التَّسَوُّل في اللغة: استرخاء البطن. وقد ولَّد المتأخرون تَسَوَّلَ بمعنى: سأل واستعطى. والمصدر القياسي لـ"تَسَوَّل" سواء أكان بالمعنى الأصيل أم المولَّد هو التسوُّل. ويُطلَق التسَوُّل ويراد به: طلب الصدقة مِن الناس، وهو ما يُسمَّى بالشحاذة، والأصل في سؤال الناس مِن غير حاجة أو ضرورة داعية أنَّه مذمومٌ في الشرع؛ لأنه يتضمن المذلةَ والمهانةَ للمسلم، وهو مما يُنَزِّهُه عنهما الشرعُ الشريفُ.
وروى مسلمٌ عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألَا تُبايِعُونَ رسولَ الله؟» وكنا حديثَ عَهدٍ ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: «ألا تُبايِعُونَ رسولَ الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: «ألَا تُبايِعُونَ رسولَ الله؟» قال: فبَسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا»، وأَسَرَّ كلمة خفية، «ولا تسألوا الناس شيئًا». قال الراوي: "فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوطُ أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه".
وروى الإمام أحمد وابن حِبَّان واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال: «لا يَفتح إنسانٌ على نفسه بابَ مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، لأَنْ يَعمِد الرجل حبلًا إلى جبل فيحتطب على ظهره ويأكل منه خيرٌ مِن أن يسأل الناس مُعطًى أو ممنوعًا».
والناس لهم أحوال في المسألة، وباختلاف أحوالهم تختلف أحكامهم؛ فالسائل إذا كان غنيًّا عن المسألة بمال أو حرفة أو صناعة ويُظهِر الفقر والمسكنة ليعطيه الناس؛ فسؤاله حرام، ويدل على هذا ظاهر الأحاديث الواردة في النهي عن السؤال؛ ومنها ما رواه البخاري ومسلمٌ واللفظ له من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تَزَالُ المَسألةُ بأحَدِكُم حتَّى يَلقَى اللهَ وليسَ في وَجهِهِ مُزعَةُ لَحمٍ». والمزعة هي: القطعة.
قال القاضي عياض رحمه الله في "إكمال المُعلِم" (3/574، ط. دار الوفاء): [قيل: معناه: يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقطًا لا وَجه له عند الله. وقيل: هو على ظاهره؛ يُحشَر وجهُه عظمًا دون لحم عقوبةً مِن الله وتمييزًا له وعلامةً بذنبه لمَّا طَلَب المسألة بالوَجه، كما جاء في الأحاديث الأخرى مِن العقوبات في الأعضاء التي كان بها العصيان. وهذا فيمن سأل لغير ضرورة وتَكَثُّرًا] .
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن سأل الناس أموالهم تَكَثُّرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقلَّ أو ليستَكثِر»؛ قَالَ القَاضِي عياض في "إكمال المعلم" (3/ 575): [يعني معاقبته له بالنار؛ إذ غَرَّ مِن نفسه وأخذ باسم الفقر ما لا يحل له، وقد يكون الجمر على وجهه، أي: يُرَد ما يأخذ جمرًا فيكوى به، كما جاء في مانع الزكاة].
وروى أبو داود من حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن سَألَ وَعِندَهُ مَا يُغنِيهِ فإنِّما يَستَكثِرُ مِنَ النَّار -أو: مِن جَمرِ جَهَنَّمَ» فقالوا: يا رسول الله وما يُغنِيهِ؟ قال: «قَدرُ مَا يُغَدِّيهِ ويُعَشِّيهِ -أو: أن يكونَ له شِبْعُ يَومٍ وليلةٍ أو ليلةٍ ويوم».
ومنها ما رواه الطبراني في "الكبير" عن مسعود بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يزال العبد يسأل وهو غنيٌّ حتى يَخلَق وجهُه فما يكون له عند الله وجه».
وروى البيهقي في "الشُّعَب" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن سأل الناس في غير فاقةٍ نَزَلَتْ به أو عيالٍ لا يطيقهم جاء يومَ القيامة بوجهٍ ليس عليه لحَم».
وروى ابن خزيمة في "صحيحه" عن حبشي بن جنادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن سأل وله ما يُغنيه فإنما يأكل الجمر»، ورواه البيهقي في "الشعب" بلفظ: «الذي يسأل مِن غير حاجةٍ كمثل الذي يلتقط الجمر».
والقول بالتحريم في هذه الصورة هو ما نَصَّ عليه فقهاء الشافعية؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 407، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويَحْرُم عليه) أي: الغني (أخْذُها) أي: الصدقة (إن أظهر الفاقة) وعليه حَمَلوا خبرَ الذي مات مِن أهل الصُّفَّةِ وتَرَكَ دينارين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ»] اهـ. بل وعدَّها الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه "الزواجر" (1/ 304، ط. دار الفكر) من جملة الكبائر.
أمَّا إن كان السائل مضطرًا للسؤال؛ لفاقة أو لحاجة وقع فيها، أو لعجز منه عن الكسب فيباح له السؤال حينئذٍ ولا يحرم؛ ودليل ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إنَّ المسألةَ لا تَصْلُحُ إلا لثَلاثَةٍ: لذي فَقْرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ».
والفقر المدقع هو الشديد، والغرم المفظع؛ أي الغرامة أو الدَّين الثقيل، والدم الموجع المراد به: دم يوجع القاتل أو أولياءه بأن تلزمه الدية وليس لهم ما يؤدي به الدية، فيطالبهم أولياء المقتول به فتنبعث الفتنة والمخاصمة بينهم. "عون المعبود" للعظيم آبادي (5/ 38، ط. دار الكتب العلمية).
قال الإمام النووي رحمه الله في "المجموع شرح المهذب" (6/ 236، ط. المطبعة المنيرية): [وأما السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب فليس بحرامٍ ولا مكروه].
بل قد تكون المسألة واجبة في بعض الصور؛ كفقير أو عاجز عن الكسب وحياته مرهونة بسؤاله الناس ما يقيمه فإن لم يسألهم هلك، وعليه يُحمل ما رواه أبو نُعَيم في "الحِلية" عن سفيان الثوري: "مَن جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار".
حكم إعطاء الصدقة للمستولين
وأفادت دار الإفتاء، بأن إعطاء المتسولين فليس على إطلاقه، بل هو منوط بغلبة الظن بحاجة السائل وصدقه، وإذا رأى المعطي أن يتحرى عن حاله فله ذلك خاصة في أموال الزكاة التي أوجب الله صرفها لمستحقيها، وتظهر أهمية ذلك في بعض الأماكن التي أصبح التسول فيها حرفة يتكسب منها أصحابها، بل مهنة تُمتهن ويُساق إليها الأطفال لتعلمها من صغرهم، ولا شك أن ذلك مؤشر خطر على أمن المجتمع وسلامته، وانتشار التسول وصيرورته ظاهرةً هو دليلٌ على تخلف الشعوب والأمم، وشاهد على قلة التكافل والتعاون فيما بين الناس.
ويجب على الجهات المسؤولة أن تبحث في هذه الظاهرة وأسبابها؛ لتعمل على الحدِّ منها بكفاية الفقراء والمحتاجين، ومنع من تُسَوِّل له نفسه التسول والتعرض للناس من غير حاجة.