الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليلى موسي تكتب: مألات الصراع السوري

صدى البلد

 

بعد عقد من الزمن على الأزمة السورية، وفي محاولة من بعض الدول والجهات بإطلاق تصريحات دالة على التفاؤل بأن هناك انفراجة في الأزمة السورية، وعودة للحياة رويداً رويداً إلى مجراها الطبيعي، وعودة المهجرين إلى ديارهم، وأن سوريا محررة 90% وتعيش حالة من الاستقرار والأمن نسبي تحت سيطرة الحكومة المركزية، في محاولة منهم للتغطية على ممارساتهم وسياساتهم، وكسباً للوقت لتمرير استراتيجياتهم وتنفيذاً لمشاريعهم وأجنداتهم.

ساعين من وراء تصريحاتهم الديماغوجية تلك تضليل للرأي العام، مشرعين صحة سياساتهم وإدارتهم للأزمة السورية والسير نحو الاتجاه الصحيح، ليأتي غير بيدرسن المبعوث الخاص للأمم المتحدة يقدم تقريراً لمجلس الأمن بتاريخ 28\ أيلول\2021م، ليوضح مدى كارثية الأزمة السورية وحجم معاناة الشعب السوري مفنداً جميع تلك الادعاءات.

حيث أكد تقريره على "مقتل أكثر من 350 ألف سوري موثقين بالأسماء والتواريخ ما عدا أعداد المفقودين، ونزوح أكثر من 12 مليون سوري داخلياً وخارجياً، إلى جانب وجود عشرات الآلاف من المفقودين والمختطفين والمعتقلين، واقتراب مستويات الفقر إلى 90% بعد عقد من الصراع وسوء الفساد والإدارة، بالإضافة إلى تبعات الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا، وجولات جديدة من العنف، وسوريا مقسمة بحكم أمر الواقع إلى مناطق لنفوذ. وحالات نزوح جديدة من إدلب، والصراع بين الفصائل المسلحة، وازياد الهجمات التركية عبر الطائرات المسيرة داخل الأراضي السورية عن بعد، استمرار خطر تنظيم داعش وغيرها من القضايا المصيرية للشعب السوري، والتي تساهم في زيادة أعباء ومعاناة الشعب السوري".

وبالرغم من تفاؤله بلقاء بوتين- أردوغان والعمل معاً للوقوف على هذه المسائل وبشكل خاص إدلب، إلا أن اللقاء اختتم بين الرئيسان بالحديث عن كورونا، ما هو إلا دليل على عمق الخلافات بين الطرفين وعدم بالخروج بأي نتيجة تساهم في حل المسائل العالقة، على عكس توقعاته عقب الاجتماع استمرار القصف على إدلب ومناطق خفض التصعيد، مما يتضح لنا بأن أي حل أو تفاهم يتطلب إجماع دولي، وليس مختصراً على تفاهم بين الرئيسين بالرغم من كونهما من ضمن الأطراف الرئيسية الفاعلة في الأزمة السورية.

إلى جانب تفاؤله بالوصول إلى منهجية لعمل اللجنة الدستورية لتسيير أعمالها، والذي من المقرر اجتماع هيئة الصياغة المصغرة في جنيف بتاريخ 18\ تشرين الأول\2021 في نيويورك لتكون بداية نحو إحراز تقدم في عمل اللجنة. إلا أنه من الصعوبة إحراز أي تقدم في هذا المجال بحسب المعطيات على أرض الواقع كونها تناقض القرارات الدولية، والتي من المفترض أن تضم مختلف أطياف ومكونات الشعب السوري من جهة، ومن جهة أخرى عدم وجود النية والجدية لدى أطراف الصراع السوري بالوصول إلى تفاهمات لارتباط كل طرف بأجندات وأطراف خارجية إقليمية ودولية. وكما أن نجاح عمل اللجنة الدستورية يتطلب توافقاً دولياً، وهي ما لم تشهد حتى الآن أي تقدم ملموس يلبي متطلبات وحساسية المرحلة بالرغم من حصول بعض التفاهمات كالتالي تمت بخصوص تفويض معبر باب الهوى وآلية إيصال المساعدات الإنسانية.

تقرير السيد بيدرسون هذا يكشف لنا حجم وتجذر الأزمة ومعاناة الشعب السوري، وعدم وجود بوادر للانفراج للأزمة السورية على المدى المنظور، على العكس من ذلك ينذر بكوارث، وفي مقدمتها زيادة موجات الهجرة في ظل تردي الأوضاع المعيشية وشح في المواد الخدمية الأساسية والصحية، وقلة الإمكانيات وضعف البنية التحتية في موجهة وباء كورونا، والبنية التحتية شبه المدمرة. كل تلك الأسباب كفيلة بزيادة حجم التناقضات داخل المجتمع السوري، وبإعادة تحريك الشارع السوري للانتفاض من جديد. وكما يفتح المجال أمام الجماعات الراديكالية والجهات والدول الفاعلة في الأزمة السورية باستغلال الحاجات المادية للشعب السوري عبر تجنيدهم كمرتزقة أو كخلايا نائمة.

كما يساهم في تنشيط الجريمة المنظمة في هكذا حالات وغيرها من المظاهر الاجتماعية المرضية، مما يساهم في تفكيك وتشرذم المجتمع السوري أكثر مما هو عليه.

وهي بيئة مناسبة لتنشيط خلايا تنظيم داعش، وبشكل خاص في ظل الهجمات المستمرة من قبل دولة الاحتلال التركي وتهديداتها المستمرة والتي تبعث على نشر الفوضى وانعدام الأمان والاستقرار، بالإضافة إلى الجرعة المعنوية التي اكتسبها مع غيره من الجماعات المتطرفة من تسلم طالبان السلطة في أفغانستان.

لذا بالرغم من الجولات التي يقوم بها السيد بيدرسون بالتقريب بين أطراف الصراع السوري، سواء جولات اللجنة الدستورية التي من المزمع عقدها بنسختها السادسة أو اجتماعات جنيف، أو سوتشي وآستانا، ستندرج في خانة كسب المزيد من الوقت دون إحراز أي تقدم كون حتى الآن كل ما تم اتخاذه من خطوات في ظل المسارات المذكورة تتناقض والقرار الدولي ٢٢٥٤، الذي حظي باتفاق اجماعي لجميع أطراف الصراع والدول المتدخلة في الأزمة، وفي مقدمتها وجود اقصاء ممنهج لشريحة واسعة من الشعب السوري مثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والتي تشكل ثلث المساحة الجغرافية، ومجلس سوريا الديمقراطية وما يحمله من مشروع  وطني يضم مختلف أطياف المعارضة السورية المختلفة، بالإضافة إلى الأطماع الاقتصادية والتوسعية الاحتلالية لبعض الدول وبشكل خاص الإقليمية منها، وعدم إدراج حل الأزمة السورية ضمن أولويات وأجندات الدول الفاعلة في الأزمة السورية وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، واستمرار التناقضات بين أطراف الصراع السوري وبين الدول المتدخلة في الأزمة السورية، وغيرها من الأسباب التي تشكل عراقيل أمام إيجاد أية تسوية للأزمة السورية وفق القرار الأممي ٢٢٥٤. لذا، وحتى يتم الحفاظ على سوريا ومنع المزيد من تدهورها ينبغي الإسراع في البدء بحوار جدي سوري –سوري، سواء بين أطراف المعارضة نفسها، أو الحوار بين الحكومة المركزية والمعارضة، وضرورة الإسراع بتنفيذ القرار الدولي 2254.