نشر الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، حديث عن سيدنا ﷺ: "من حسن إسلام المرء تركة ما لا يعنيه" موضحًا أنه أدب عالي، لا نراه فى حياتنا حيث يتصدر كل إنسان فى غير موضعه وعمله، فيهرف بما لا يعرف، ويتكلم بما لا يتقن، وكل ذلك محسوب عليه لا له.
واستشهد بحديث قال رسول الله ﷺ: « كُلُّ كَلاَمِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ إِلاَّ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْىٌ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرُ اللَّهِ » فتعجب قوم من ذلك عند سفيان الثورى رحمه الله تعالى ورضى عنه قال : فلما تعجبون قال تعالى : (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) وقال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفاًّ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً) سفيان يستدل بالقرآن على صحة الحديث ويخلصهم من العجب الذى قد يقتضى رفضه، فإن كل كلام ابن أدم عليه لا له، إلا فى هذه الثلاثة.
وأضاف: وعندما يقول ﷺ: من حسن إسلام المرء تركة ما لا يعنيه " فهى كلمة جامعة يحيى الإنسان لتطبيقها أدباً مع الله، كما ورد عن أبى ذر رضى الله تعالى عنه سُئل سيدنا رسول الله ﷺ عما فى صحف إبراهيم فقال ﷺ : ( عَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ) [ابن حبان] هذا هو العاقل الذى يريد أن يشتغل بما يعنيه من الإسلام لا بما يعنيه من دنياه، هذا هو العاقل الذى يستحى من الله.
وأكمل: ويقول رسول الله ﷺ : « الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ،وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ » هذه هى حقيقة الحياء من الرب سبحانه وتعالى أن تحفظ الرأس وما وعى، وأنظر إلى بلاغته وفصاحته ﷺ ، فلم يقل أن تحفظ عينك من النظر الحرام، ولسانك من القول الحرام، وأُذنك من السمع الحرام، وأنفك من الشم الحرام، ولكن قال الرأس وما وعى، فتضمن ذلك أيضاً الفكر الحرام.
واختتم الدكتور علي جمعة أنه ينبغى على كل مسلم أن تنزه باطنك وأن تطهره لله حياءاً من الله، وأن تأكل الحلال فتحفظ البطن وما حوى " أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء "، وأن تذكر الموت، فمن ذكر الموت فإنه لا يتفسق، ويكون على ذكر من ربه، والبلى فلا شئ باقي على هذه الحياة الدنيا (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، ارجعوا مرة ثانية إلى أدب الإسلام، فإن الإسلام كله حلاوة، يأمر بالمعروف وبالجمال وبالنظافة ، وينهى عن القبح وقلة الحياء وقلة الأدب.