الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. جيهان فرحات تكتب: تاريخ مبدعات مصر في الفن التشكيلي

صدى البلد

 

ظهر الفن التشكيلي منذ أقدم العصور وتألق الابداع والمبدعين في مجالات متعددة ، لخدمة طقوس الآلهة والملوك وحتى الموتى.
وارتبطت الفنون المصرية القديمة، النحت والرسم والنقش، ارتباطا وثيقا بالهندسة المعمارية. وكانت تستخدم من أجل زخرفة المعابد والمقابر. أثر ذلك كثيرا في وجدان وذوق الشعب المصري 
ازدهر فن النحت في الدولة القديمة والوسطي والحديثة، وظهرت إبداعات رائعة من اعمال التماثيل بأنواع مختلفة. واستخدم المصريون حجم التمثال للتعبير عن هيبه واهمية الشخص فحجم تمثال الفرعون مثلا كان يفوق الحجم الطبيعي.
وانتشرت الحضارة المصرية القديمة في العالم وتميزت بأشكال معمارية فريدة ومتنوعة؛ المقابر الملكية والمعابد والسدود والاهرامات...... وغيرها. 
وعندما جاء الإسكندر الأكبر إلى مصر، امتزج الفن المصري بالفن الإغريقي وتبنى أساليبه في اللون والحركة كما تأثر الفن المصري بموضوعات الأساطير الإغريقية.
وازدهرت العمارة المدنية في العصر اليوناني؛ ومنها فنار الإسكندرية، ثالث عجائب الدنيا العظمى.
وفي الحضارة القبطية كان النسيج فنا شائعا واستمر خلال العصور؛ حيث انتشرت صناعة القماش والسجاد الفاخر واستخدم في زخرفة أبنية الكنائس والأديرة.  
وركز المبدع في العصر الإسلامي على الأشكال النباتية والحيوانية والهندسية؛ وصناعة زجاج المشربيات وفن الأرابيسك وتميز ابداع الفن التشكيلي في العصر الإسلامي بجاذبيته وجودة ومهارة اعماله. 
وخاصا في عصر الفاطميين الذي تميز بدقة التصوير والحركة وبرسم الإنسان والحيوان على التحف، والنقوش المرسومة على جدران الحمام الفاطمي بمصر القديمة والمصنوعات الزجاجية الفاطمية.
ولذلك نجد الفنون الحديثة في مصر ارتبطت بتعاظم الشعور الوطني العام لدى المواطن وبعملية تحديث وتنوير عميقة بحثا عن الذات والهوية الحضارية لمصر.
وهكذا كان النهوض بالفنون خاصا الفن التشكيلي جزءا من النهوض الثقافي العام.
ويظهر ذلك الدور العظيم والمؤثر لبعض رواد الفن التشكيلي في مصر، في مجالات فنونهم كانت بمثابة مساهمة ملموسة في حركة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال في ذات الوقت.
 ولذلك توالى في مصر ظهور العديد من الجماعات الفنية التشكيلية، منذ عام 1928 تأسست "جماعة الخيال" وحتى عام 1981 تكونت "جماعة المحور" من اعلام الحركة التشكيلية.
هذه الجماعات الفنية ساهمت بشكل واضح وعميق في عرض الفن التشكيلي المصري ونشره والتعريف به على نطاق واسع وشكلت ملامح واضحة في حركة تشكيل الوجدان المصري المعاصر. 
وعند التحدث عن تاريخ ابداعات المرأة في كل هذا السخاء المعرفي والفني عبر العصور، نجد بصمات المرأة الإبداعية في كل مكان ومن أشهر السيدات الرائدات والمبدعات، الذين استطعن أن يقدمن أعمالا مؤثرة لا تنسى اثرت في الفن المصري الحديث، وأصبحوا اسطورة من اساطير الابداع خلدت أسمائهم واعمالهم في تاريخ مصر ؛
الفنانة المبدعة / عفت ناجى التي عاشت بين عامي (5 أبريل 1905 - و4 أكتوبر 1994) استطاعت أن تفرض أعمالها الرائعة من خلال لوحاتها العظيمة، ولدت بالإسكندرية، برعت في الموسيقى والكتابة، وتعمقت فى نواحي تاريخ الفن والأدب، كتبت العديد من المقطوعات الموسيقية وتفوقت فى الشعر، وعبرت بالخط واللون عن المنشئات الميكانيكية أثناء تواجدها بالسد العالي بشكل أبداعي فريد ومختلف، كتبت  العديد من الدراسات الفنية في الصحف المصرية والأجنبية

ونجد المبدعة / مارجريت نخلة عاشت في الفترة بين عامى (1908-1979)، تميزت بلوحاتها الفنية عن المسيح والأيقونات الدينية، أغلبها بالأبيض والأسود، يوجد بعض من لوحاتها في المتاحف وحصلت على ميدالية من معرض باريس الدولي 1937، وجائزة الرسم الأولى من معرض صالون القاهرة 1959.
وبحسب كتاب "مارجريت نخلة" للكاتب عصمت داوستاشى، كانت لوحاتها تعبر عن مصر وروحها الشعبية الاصيلة، واهتمت بالتفاصيل وملامح الحياة الخفية في وجوه المصريين، وصلت مجموع أعمالها إلى 82 لوحة فنية ما بين المدارس التعبيرية والانطباعية، ومن أشهرها " البورصة - حمام النساء" كما كلفتها الكنيسة برسم لوحات "العشاء الأخير" و"ميلاد السيد المسيح" .
كما اشتهرت المبدعة / تحية حليم بين عامى (سبتمبر 1919 - مايو 2003)، تلميذة الفنان حامد عبد الله والتحقت بأكاديمية جوليان حتى1951 قدمت العديد من اللوحات الزيتية والألوان المائية، أقامت العديد من المعارض الخاصة ابتداء من 1942 - 1996 في إنجلترا – السويد، شاركت فى العديد من المعارض العامة والقومية وصالون القاهرة منذ عام 1943، وجمعت العديد من المقتنيات الخاصة لبعض الأسر المصرية العريقة، ومن أبرز لوحاتها (المظاهرة - شم النسيم - مهاجرو كفر عبده - القافلة).  أنشأت مرسماً خاصاً بها في الزمالك لإنتاج وتدريس الفن 1957 وحصلت على جائزة مسابقة جوجنهايم الدولى بنيويورك 1958 وحصلت جائزة الدولة التقديرية 1996.
اما المبدعة المناضلة/ انجى أفلاطون ، التي عاشت بين عامي (1924- 1989) كانت من عائلة ارستقراطية، لكنها عبرت بفنها الراقي المميز عن الطبقات الكادحة، ورسمت معاناة الفقراء البسطاء، إذ انتجت خلال فترة اعتقالها أعمالاً رائعة تصور مأساة الفقراء من الفلاحات والعاملات بالحقول، كانت سببا في شهرة أعمالها التعبيرية ذات الألوان الساخنة مما أعطاها طابعا فريدا وشخصية فنية مستقلة. وبعد خروجها من السجن رسمت لوحات عديدة عن الروح المصرية، يوجد منها أكثر من ثمانين عملاً ويوجد مجموعة من مقتنياتها الشخصية فى قصر الأمير طاز فى القاهرة القديمة، واستطاعت الحصول على العديد من الكريمات منها - وسام (فارس للفنون والآداب) من وزارة الثقافة الفرنسية 1985 – 1986.
ونتذكر أيضا المبدعة الفنانة /  زينب عبد الحميد، عاشت بين عامي (1919-2002) ساهمت فى تأسيس جماعة الفن الحديث التي شاركت في معارضها بالقاهرة والإسكندرية لمدة عشرة اعوام منذ 1947 وبحسب الناقد مكرم حنين، تتفرد الفنانة زينب بشخصيتها الفنية المتفردة فقد اختلفت تماماً عن كافة رسامي المناظر الطبيعية في مصر لسببين : الأول زاوية الرؤية التي اختارتها بمنظور الطائر، فهي ترى الأشياء من أعلى وكأنها طائر محلق متأمل، والسبب الثاني هو التناول الموازييكى الذى تتحول فيه جميع الأشكال المرسومة إلى تفاصيل هندسية الطابع مرصوصة بكل الدقة.
وتم الاحتفاظ بلوحاتها فى العديد من الأماكن الرسمية، ومتواجدة ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة، كُرمت فى العيد الخمسين لكلية التربية الفنية 1993 - 1994، وتم تكريمها في المعرض القومي عام 1999.
وكذلك المبدعة الفنانة / جاذبية سرى رائدة من مواليد عام 1925 تعتبر من مجموعة الفنانات اللاتى صعدن إلى الشهرة خلال الفترة الناصرية فى الخمسينات، وصفها متحف الفن الحديث بأنها إحدى هؤلاء اللائي تفاعلن خلال ستين عاماً، تحظى لوحاتها الغنية بالألوان باحترام الكثيرين، وتميزت بالصبر والحكمة في مرحله كان الإنتاج الفني في مصر يمر بمراحل صعبة.
تتميز لوحاتها المبكرة بشخصيات نسائية قوية، مهيبة من كل الطبقات الاجتماعية، ومن لوحاتها البارزة "الحياة على النيل ـ مرحلة المدينة، مرحلة الصحراء، مرحلة البحر"، حصلت على عدة جوائز مهامه منها الجائزة الرابعة الكبرى للفن العالمي المعاصر - موناكو 1968، وجائزة الدولة التقديرية عام 2000.
وأخيرا وليس اخراً، اشتهرت المبدعة الفنانة/ زينب السجينى  عام 1930، وهى متفردة بدأت منذ خمسينيات ، استطاعت بعبقرية ونظرة فنية رائعة تجسيد النساء المصريات السمراوات، في معظم أعمالها حول الطفولة والأمومة، اختارت حزن المرأة ورقة الطفلة لتجسدها وتعبر عنها في معظم  لوحاتها.
أقامت معارض خاصة فى القاهرة والإسكندرية ولبنان ويوغوسلافيا منذ 1956، صدر كتاب عنها باسم (زينب السجينى) عام 1999 يضم صور مجموعة من لوحاتها مع بعض كتابات النقاد والفنانين من زملائها، حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في التصوير، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1980، الجائزة الأولى في التصوير من بينالى القاهرة الدولي الرابع 1994.
ولو تعمقنا في البحث عن المبدعات المصريات في مجال الفن التشكيلي قديما وحتى وقتنا الحالي، نحتاج الى ايام واسابيع وشهور للتعرف على التجارب الناجحة والمتألقة لمبدعات مصر الرائدات في عالم الفن؛
ولكن السطور السابقة هي مجرد نبذة صغيرة عن مدى تفوق وتأثير المرأة المبدعة في مجال الفنون منذ القدم ..... وعلينا ان نتذكرهم دائما، ونتعلم من تجارب نجاحهم وكفاحهم وتأثيرهم المستمر في عالم الفن بل في عالم المرأة المبدعة.