قصائد وكتب ومجلدات؛ أبحرت في نهرها؛ أغلبها كان مدحا وتاريخا وعشقا؛ لكن أغربها كان تلك التي «حرمتها».. القهوة.. هذا المشروب العجيب الذي يحول المود بشكل مدهش؛ وكتب عنها الشاعر الراحل محمود درويش إحدى قصائده، ووصفها بـ«عذراء الصباح الصامت»، كانت في فترة من الفترات من المحرمات، وتعامل معاملة الخمر؛بل ذهب البعض إلى أن خطرها أشد من المسكرات، وبات شاربها مهددا بالإعدام والسجن، وتحل اليوم ذكرى اليوم العالمي للقهوة 29 سبتمبر.
العيدروسي اليمني صاحب الفضل
يرجع تاريخ اكتشاف مشروب القهوة، إلى القرن الخامس عشر الميلادي، في اليمن، وتحديدا في زوايا الصوفية؛ حيث استعان بها الصوفيون والدراويش لتكون معينا لهم على التعبد ليلا، وقد اشتهرت الموانئ اليمنية لاحقا بتصديرها إلى سواحل المحيط الهندي، وسائر الأسواق العالمية، ولم تكن القهوة معروفة حتى نهاية القرن العاشر الهجري، وقد ذكرت المصادر التاريخية، ومنها «النور السافر عن أخبار القرن العاشر» للشيخ العيدروس، والكواكب السائرة للغزي: «إن مكتشفها هو أبو بكر بن عبدالله العيدروسي»، وهو من مشايخ اليمن المتصوفة، فقد كان في رحلة تجارية عام 900 هجريا، ومر بشجر البن، فاقتات من ثمره، حين رآه متروكا مع كثرته، فوجد فيه تنشيطا للعبادة، واجتلابا للسهر، فاتخذها قوتا وطعاما وشرابا، وأرشد أتباعه إلى ذلك، ثم انتشرت في اليمن، ثم إلى الحجاز، ثم الشام ومصر، ومنها إلى سائر البلاد.
فنجان قهوة يُكلف شاربها رقبته
قطع شفتيك أو قطع رقبتك بالسيف.. أحكام واجبة النفاذ؛ تنفذ في حق عشاق القهوة أيام الدولة العثمانية؛ لأن الباب العالي حرمها على الناس واعتبرها رجسا من صنع الشيطان، مدعيًا وجود أحاديث نبوية تحذر من يتناولها من عذاب أليم.
وفي القرن الخامس عشر، تفنن العثمانيون في إهانة القهوة وعاملوا من يعشقوها أو يرتشفوها كما يعامل الفاسقون والمجرمون وقطاع الطرق، مستندين في ذلك على فتاوى مشايخ السلطان، الذين أقروا بأن من يجلس في مجالس القهوة يعد من أراذل الناس؛ لكونها مضرة بالصحة ومذهبة للعقل وتحرض على التخلف عن صلاة الفجر؛ بسبب أنها تدفع للسهر.
واستند مشايخ السلطان أيضا على أن النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» لم يتناول القهوة، وبالتالي فهي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولم يكتف فقهاء السلطان بذلك فقط، بل افتروا على النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» بأحاديث هو منها براء؛ منها على سبيل المثال: «من شرب القهوة يحشر يوم القيامة، ووجهه أسود من أسافل أوانيها»، وهو حديث لم يذكره أي من رواة الحديث، ومجهول المصدر.
الرد على التحريم بالفقه الحكيم
على جانب آخر، ظهر عدد من الفقهاء المناصرين للقهوة، كالشيخ أبي بكر المكي الذي ألف رسالته: «إثارة النخوة بحُكم القهوة» ثم رد برسالة أخرى: «إجابة الدعوة بنصّ القهوة»، وفي دمشق كان هناك الشيخ أبو الفتح المكي، الذي يصفه بعض المؤرخين بأنه كان «مغالياً في نصرة القهوة».
وكان من أبرز المحلين القاضي محمد بن إياس، الذي أجرى تجربة في بيته قبل إصدار الفتوى، وكان دافعه إلى ذلك حادثة القبض على مجموعة من متعاطي القهوة في القاهرة عام 1539 وحبسهم بتهمة شرب القهوة؛ حيث دعا ابن إياس جماعة من الناس إلى بيته، وقدم لضيوفه القهوة، واستمر في الحديث معهم في قضايا فقهية وعلمية اختبارا لتركيزهم، وعندما رأى أنهم قد حافظوا على تركيزهم، أقرها وأفتى بأنها حلال.
وفي عام 1524، شهدت كل من إسطنبول ومكة المكرمة والقاهرة، حالة من الاحتجاجات والشغب الضخمة بسبب فتوى تحريم شرب القهوة، وزادت حده الاحتجاجات بعد تدخل التجار في الأزمة التي كان لها صدى واسعا في كل من الدوائر الشعبية والرسمية على حد سواء، وكادت أن تحدث فيها مجازر بين المؤيدين والمعارضين، وبالفعل سقط على أثر ذلك الخلاف أحد التجار قتيلا وأصيب الكثيرون، وتم تدمير عدد من المقاهي والممتلكات الخاصة.
فوائد المواظبة على شرب القهوة
نشرت صحيفة جمعية الطب الأمريكية، دراسة توضح أن شرب القهوةيساعد على كبح نمو سرطان القولون في جسم الإنسان، حيث وجد الباحثون أن المواظبة على شرب القهوة من شأنه أن يساعدالجسمويطيل أمد حياة المريض، وهو أمر يضاف إلى قائمة طويلة من المنافع.
ونقلت قناة "wytv" الأمريكية، عن الطبيب سونيل كاماث، أن القهوة تحقق هذه الفوائد لأنها غنية بالمواد المضادة للأكسدة، إلى جانب عناصر أخرى، وترى الدراسة أنه لا يجدرُ بمن يشرب كوبا أو كوبين من القهوة في اليوم الواحدة أن يشعر بالقلق، لأن هذه العادة ليست مضرة كما يعتقد البعض.
وأضاف الطبيب كاماث، أن شرب القهوة يؤدي هذا الدور الإيجابي في كبح انتشار السرطان، وربما يحمي أيضا في حالة أمراض أخرى، ووجد الباحثون أن القهوة مفيدة للجسم، سواء جرى تحضيرها من البن العادي، أو كانت قهوة أزيلت منها مادةالكافيين.
وكانت دراسات سابقة قد وجدت أن استهلاك القهوة يقلل احتمال الإصابة بأمراض مثلالسكري من النوع الثانيواضطرابات الكبد والقلب.