تشهد حركة النهضة الإخوانية في تونس انقسامات وتصدعات كبيرة في هيكلها التنظيمي، حيث انقلب أعضاء الحركة على زعيمهم راشد الغنوشي واصفين إياه بـ "الديكتاتور" وغير المرغوب به في زعامة التنظيم.
وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، تقدم أكثر من 131 عضوا بحركة النهضة في تونس باستقالاتهم، احتجاجا على ما أسموه تعطل الإصلاح داخل الحزب، وكرد فعل على التسيير غير السليم والسياسات الخاطئة التي اتبعها رئيسه راشد الغنوشي.
وجاءت هذه الاستقالات داخل الحركة بعد إصدار الرئيس التونسي قيس سعيد قرارات 25 يوليو الماضي، والتي قام بمقتضاها بتجميد اختصاصات البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة وتعليق العمل بعدد من أبواب الدستور مقابل توليه كامل السلطات.
صراعات قديمة
وفي هذا الصدد، يقول أحمد سلطان، الباحث في شئون الحركات الإرهابية والإسلام السياسي، إن ما يحدث في حركة النهضة هي صراعات قديمة بداخل الحزب اشتعلت خلال السنوات الأخيرة وخلال عام 2020 بالتحديد، لأن راشد الغنوشي مصمم على التمسك بمنصبه كزعيم لحركة النهضة في تونس، في حين أن هناك أجيالا شبابية وقيادات أكثر انفتاحا داخل الحركة التونسية أحق بمقعد القيادة من راشد الغنوشي.
بالعصي والجزرة
وأضاف سلطان، في تصريحات لـ «صدى البلد»، أن راشد الغنوشي عندما وصل إلى تونس في 2011 قال إنه “آن الأوان لنطلق قيادة الحركة للشباب”، ولكن إغراء العمل السري وإغراء التنظيم جعله متمسكا بأمور حركة النهضة وتحكم بها «بالعصي والجزرة»، معتمدا على علاقته بالتنظيم الدولي للإخوان وإمساكه بملف التمويل الداخلي والملف المالي للحركة.
الانقلاب على الغنوشي
ولفت إلى أنه مؤخرا بدأت النبرة الناقمة على راشد الغنوشي في التصاعد، حتى أنه قبل الأزمة التونسية الحالية وتحديدا في 2020 تقدم أكثر من 100 عضو من حركة النهضة، وهم قياديون في مجلس الشورى وقياديون في المكتب التنفيذي في الحركة، بطلب إلى راشد الغنوشي يفيد بألا يترشح مجددا لرئاسة حركة النهضة ولا يقوم بتعديل الفصل 31 من ميثاق النهضة الداخلي الذي ينص على عدم ترشح زعيم الحركة إلى أكثر من دورتين رئاسيتين، وبالفعل ترشح الغنوشي لفترتيين رئيسيتين انتهتا في 2020.
وأشار إلى أنه بالرغم من انتهاء الفترتين الرئاسيتين لراشد الغنوشي، إلا أنه ما زال يتزعم حركة النهضة، بسبب أن التيار المقرب من الغنوشي قام بلعبة داخل الحركة وهي تأجيل المؤتمر 11 لحركة النهضة، والذي كان من المقرر أن يتم فيه انتخاب رئيس جديد للنهضة، من أجل أن يظل الغنوشي في السلطة.
رد الغنوشي
وتابع: «عندما تم تأجيل المؤتمر، قال الغنوشي في رده على المجموعة التي طالبت باستقالته إن الزعماء بخلاف الرؤساء، الزعماء لا بد أن تستثمر فيهم الأحزاب ويكملوا فتراتهم في رئاسة الحزب أو الحركة ويكملوا فترات عديدة لأنهم نجحوا"، هكذا كان يفكر راشد الغنوشي بالرغم من أن الحركة كان تنقسم وتتشظى وتعاني من صراعات جيلية وفجوات بين القيادات والقواعد التنظيمية».
تصرفات سياسية خاطئة
وذكر أن شباب حركة النهضة انقلبوا على الحركة وانقلب قيادات من مجلس الشورى والمكتب التنفيذي على راشد الغنوشي، واعتبروا أنه سبب من أسباب الأزمة الحالية في تونس التي تعصف بمستقبل النهضة السياسي، وحملوه المسئولية نتيجة تصرفاته السياسية على مدار السنوات الماضية، نتيجة خلفه للوعود التي قطعها على نفسه وعلى حركة النهضة مؤخرا مثلما كان يقول إنه لا يطمح إلى أي منصب سياسي ولكنه ترشح لرئاسة البرلمان، مما عطل الحياة السياسية في تونس وانعكس ذلك على الوضع الاقتصادي في البلاد نتيجة القرارات الخاطئة والسياسات الخاطئة التي كان يتخذها في فترة حكومة للبرلمان والحكومة التي كانت تابعة له.
الإصرار على الإطاحة بالغنوشي
وأوضح سلطان أن راشد الغنوشي يعول على ارتباطه بالتنظيم الدولي وعلى وجود تيار داعم له أغلبهم من الدائرة القيادية القديمة، مثل صهره في الحركة وأقربائه، ولكن شباب الحركة كانوا أكثر ثباتا وقوة، ودعمهم في موقفهم مجموعة من القيادات البارزة مثل عبد اللطيف مكي وغيره من القيادات، وأصروا على أن راشد الغنوشي لا بد أن يتحمل المسئولية في الأزمة السياسية الحادثة في تونس، وأن لا يأخذ حركة النهضة في طريقه، بالتالي بدأت في حركة النهضة حملة ضغط على الغنوشي.
ضغط التنظيم الدولي على الغنوشى
وأكد أنه: «في إطار حملة الضغط بدأ التنظيم الدولي للإخوان في التقاط رسائل شباب الإخوان في حركة النهضة ،والوضع السياسي الحالي، ووجهت له توصيات من تركيا وغيرها، بأن يتراجع الغنوشي عن موقفه المتشدد، خاصة بعد أن فشلت الحركة في حشد الجماهير ضد قرار الرئيس قيس سعيد الذى اتخذه في عشية عيد الجمهورية يوم 25 يوليو الماضي».
وأوضح الباحث في حركات الإسلام السياسي، أن ما حدث من قبل التنظيم الدولي هو الضغط على راشد الغنوشي وقدمت له تركيا النصائح بأن يتراجع عن موقفه المتشدد وأن وزنه السياسي ووزنه داخل حركة النهضة أصبح ضعيفا ولا يعد له تأثير قوي، والأسلم له الآن أن ينسحب من قيادة الحركة مختارا لا مجبرا، لذلك صرح راشد الغنوشي بأنه لن يترشح إلى فترة رئاسية جديدة وأنه بصدد الإعداد حاليا للمؤتمر 11 لحركة النهضة الذى سينتخب به رئيس جديد.
ونوه إلى أن نتيجة التغيرات التي حدثت، تم الاتفاق على لجنة إدارة للأزمة في تونس يرأسها عبد السلام الكوماني، وعمل اللجنة في الوقت الحالي دليل على تحجيم دور الغنوشي وانقلاب ناعم على الغنوشي لكي لا تغرق حركة النهضة، حتي أن لجنة إدارة الأزمة أخبرت الغنوشي أن عليه الانسحاب وأن يعلن استعداده للتخلي عن منصبه كرئيس البرلمان مقابل أن تستمر المسيرة السياسية للبلاد واستكمال حركة النهضة عملها.
واختتم: «الأزمة الحقيقية في حركة النهضة نبعت من داخل الحركة ثم استجابت لها الأطراف الخارجية التابعة لجماعة الإخوان وليس العكس».