الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تنابلة السلطان

قامت الدنيا،وضربت الكفوف وتشبثت الأيدي بالدفوف لتزف النبأ الذي بدا سعيد ،وإن بدأ بلفظ "الفرض" وانتهى بكلمة "الضرائب "ولكن سعد به الخلق حتى أبلغ الحاضر الغائب !

فبين كلمات الوطنية الرنانة والشخصيات الزنانة على صفحات التواصل الاجتماعي الفتّانة، جاءت المُباركة، وربما تعد السابقة الأولى من نوعها في وطننا الحبيب بل وربما في الأوطان الأخرى ذلك التأييد الشعبي لفرض ضريبة ما !
فلسان الحال يقول ولم لا؟ أليس في كل العالم ضرائب رفاهية فلم لا تطبق ضريبة على (التفاهة) طالما باتت صناعة ولها سوق بل وطرق إدارة!
في حقيقة الأمر لم يعنيني الخبر وهو فرض ضرائب على ( البلوغرز ) فالضريبة بسيطة للغاية لا تستحق النقاش والصيحات القليلة أنها جباية إنما هي من باب الفراغ وفرصة لابتداع حكاية، ولكنني توقفت أمام رد الفعل الجماهيري الذي جاء مهللاً وإن لم يكن مُعللاً !
فسعادة الغالبية العظمى تأتي من باب الشماتة في جامعي المال والشهرة بسلاسة ،ويتذرع البعض أنه قد حان وقت الحساب لعفاريت الشاشات وصناع الترندات والسادة الايقونات ،وكأن من يشاهد ويتابع ويدعم ويتسبب في أرباحهم الفلكية هم سكان العالم السُفلي وليس هؤلاء الفرحون بالنصر المبين !

ولأن هذا الازدواج هو أحد سمات البشرية والصفة الاساسية للغالبية العظمى من رواد صفحات التواصل الاجتماعية ،فتلك المشاعر الاندهاشية سريعاً ما تذوب كذوبان الخبر نفسه في غضون ساعات في الصفحات المنسية فكل ضجة مُصّنعَة على صفحات التواصل الاجتماعى تشبه الحزن تولد ضخمة ولكن كثرة الهري فيها ومرور الدقائق عليها يجعلها تتلاشى وتَذبُل ثم تُزبَل.

لكن ما كان لافتاً للنظر أن بالرغم كون وسائل التواصل الاجتماعية إحدي أكثر السلع الاستهلاكية على مستوى العالم إلا أننا نتعامل معها دون أن نعرف عنها ،كمن يأكل اللحم نيئاً!

الكثير منا لا يعلم عن شبكات التواصل الاجتماعي إلا موقع فيس بوك وتويتر وانستغرام والواتس آب والتيك توك لكن هذا ما هو إلا حصر بسيط لأعضاء تلك الشبكة فيوجد ١٧ شبكة اجتماعية ومنصة للتواصل النصي فقط ،وبالطبع جاء " فيس بوك " على رأس تلك القائمة الذي سجل ما يقارب من ٢٫٨ مليار مستخدم نشط بكل ارجاء العالم في مطلع عام ٢٠٢١ وتلك المكانة تعود للاقدمية والتعددية التي يتمتع بها الموقع. 
ففي فبراير المقبل سيبلغ الموقع سن الشباب ويتم عامه الثامن عشر ،كما يتمتع بإمكانية عرض ومشاركة اي محتوى نصي أو مصور سواء مسجل أو بث مباشر، ومما لا شك فيه أن هذا الموقع يحظى بحب الأمهات والمتابعة المخلصة للزوجات فهو بمثابة العين الحارسة لأبنائهن وأزواجهن ، يضمن لهن المراقبة والمتابعة المجانية لمتابعات ومشاركات الزوج وبذلك تحكم الزوجة السيطرة قبل أن تصبح الأمور جنونية! وبالرغم من أن الرقم يمثل ٣٦٪؜ من سكان العالم إلا انه رقم كان قابل للزيادة لولا بعض المؤثرات !
فموقع  الفيس بوك يطلق عليه البعض الآن موقع الجدات! شباب ومراهقي هذا الجيل في غالبيتهم هجروه إما بعداً عن فضول الأمهات وتلصص العمات وتجسس الخالات وحشرية الجدات أو بسبب انتشار الموقع بذاته فأصبحت الصفحات الشخصية مشاعاً بشكل خارج عن الحدود المقبولة،  لذا أدى ذلك لهجر قطاع عريض من راغبي الخصوصية لذلك الموقع فالأمر أصبح كمن ترتدي لباس البحر في حرم الشارع ، والجدير بالذكر أن مِصر تحتل الموقع التاسع عالمياً في استخدام الموقع ب٣٨ مليون مستخدم بينما تأتي الهند في المرتبة الأولى بما يزيد على ربع مليار مستخدم وأمريكا بقرابة ١٨٥ مليون مستخدم.

ويأتي " اليوتيوب " في المرتبة الثانية بقرابة ٢٫٣ مليار مستخدم ويعود تاريخ ميلاده بعد عام على إنشاء الفيس بوك، يليه موقع التواصل الأشهر " الواتس آب "بحوالي ٢ مليار مستخدم نشط أما المرتبة الرابعة كانت من نصيب " ماسنجر " الفيس بوك بحوالي ١٧٪؜ من اجمالي سكان العالم بواقع ١٫٣ مليار مستخدم حقيقي للموقع ليترك المرتبة الخامسة لموقع " الانستاغرام "المملوك أيضاً لشركة الفيسبوك ليستحوذ على ١٫٢ مليار مستخدم للموقع.

يليه موقع "وي تشات " ثم موقع " التيك توك " الذي يشهد نموًا سريعاً وكارثياً لأنه ينتشر كالنار في الهشيم بين الفئات العمرية من طور الطفولة للشباب لذا بلغ عدد مستخدميه قرابة المليار مستخدم بالرغم من انه حديث الميلاد فعمره لا يتجاوز الخمس سنوات وبالرغم من بساطة المحتوى المقدم عليه وذلك في تعبير مهذب عوضاً عن استخدام لفظ " الهيافة " إلا أنه يمثل عصا سياسية تعبر عن الهيمنة الصينية على كل السلع الاستهلاكية حتى الترفيهية !

فالأصل في التيك توك هو برنامج ( دوني )الذي ظهر في الصين عام ٢٠١٦ وبعد أن حقق نجاحات محلية فاقت التوقعات تم تصديره إلي العالم باسم التيك توك في ٢٠١٧ ودعماً للفكرة قامت الصين بدمجه ببعض التطبيقات الأخرى مثل ميوزيكالي في ٢٠١٨ ليصل للنسخة التي نعرفها اليوم ! 
ولأن مصائب قوم عند قوم فوائده فلقد ساعد وباء ( كوڤيد ١٩ ) في انتشار التطبيق بشكل أسرع ففي أمريكا تزايد معدل تحميل التطبيق ٥٫٥ مرات في ١٨ شهر فقط وفي مصر بلغت نسبة مشاهدة المقاطع في عام ٢٠٢٠ فقط ٢٢٫٥ مليار مشاهدة!
وكما تتصالح المصالح تتقاطع أيضاً فجائت المقاطعة الهندية لهذا التطبيق كرد فعل للاشتباك الحدودي مع  الصين ، أيضاً باكستان حذت حذو الصين وقاطعت التطبيق لمدة عشر أيام اعتراضاً على المحتوى الغير أخلاقي والخليع بحسب وصف الجانب الباكستاني!

ويأتي  " تويتر "في ذيل قائمة التطبيقات بالرغم من قدم عهده حيث يعود تاريخ إنشائه لشهر مارس من عام ٢٠٠٦ ولكن لا يتعدى عدد مستخدميه النصف مليار !
ولا عجب إذ فكرة اختزال الرأي بما لا يتجاوز  ١٤٠ حرف في الكتابات النصية أو ١٤٠ ثانية في المقاطع المصورة تمثل تحدي للكثيرين ، ويدعم أيضاً الشعور بعدم الانجذاب سمعة موقع تويتر بأنه لطرح الاراء ومناقشة الافكار مما جعل بعض الدول تحظره اجتماعياً فنجد أن ٩٢٪؜ من مستخدمي تويتر في الأردن على سبيل المثال من الرجال !
أما على الصعيد الرسمي فنجد أن بعض الدول قامت بحظر الموقع  كالصين وإيران وكوريا  الشمالية وكوبا وأفغانستان ،ولا يقتصر الأمر على الدول التي تتسم بكبت الحريات بل في دولة المنشأ للموقع الأزرق !
حيث هدد ترامب بحظر الموقع داخل أمريكا بعد أن أخفت المنصة  تغريدة نشرها على صفحته الخاصة لأنها ( تحض على العنف )كما وصفتها الادارة الصينية!
بالرغم أن التغريدة خاصة بالشأن الأمريكي الداخلى،في أعقاب أحداث الشغب بولاية مينابوليس التي وقعت عقب مقتل جورج فلويد على يد الشرطة.

ومع تزايد نفوذ الفضاء الالكتروني وقوة تأثير ذلك العالم الافتراضي أصبح من الطبيعي وجود بعض المصطلحات الخاصة بصناع المحتوى المعروض على تلك المنصات والذي بدأ بوصف Bloggers في إشارة لأصحاب المدونات النصية وهي تسمح لأصحابها بعرض أفكارهم المتنوعة على مدوناتهم الخاصة فنجد المدونات الخاصة بالطهي والسفر والجمال والموضة وحتى بعضها الخاص بتدوين الخواطر والأفكار وربما من أبرزها مدونة غادة عبدالعال التي تحولت للعمل الدرامي الكوميدي "عايزة أتجوز "! 
ولكن كثرة المنصات واختلاف طبيعتها جعل لدينا العديد من المسميات مثل Vloogers وذلك عندما طور أصحاب المدونات ظهورهم ليصبح من الكتابة للكاميرا ، مما لا شك فيه أن الصورة جاذبة أكثر من الكلمة.

وتزامناً مع برامج الواقعية على الشاشات التلفزيونية ظهر تيار Trendsetter على مواقع التواصل الاجتماعية ،وهى خاصة بمن لديه التأثير في عالم الموضة واللايف ستايل ،وهذا النوع جاذب لشركات التجميل والأزياء وكل ما يضمن رفاهية الحياة. 
وبالمثل نجد أن منصة تويتر هي أيضاً لها تعريف لأصحاب الآراء المسموعة والصفحات المؤثرة والتي قد لا تعتمد على المحتوي بقدر قدرتها على جذب المتابعين ،لذا نجد هؤلاء معروفون باسم Twitterati  ويتسم هذا النوع بنشر منشوراته أو أرائه بشكل منتظم وهو قادر على صنع حالة جدلية على المنصة تتضمن تفاعل المؤيد والمعارض بل يمتد الأمر أحياناً لصنع Trend وتصدر Hashtag!

وكل ماسبق يطلق عليه لقب Influencer آي (المؤثر )وهنا تكمن خطورة الموقف الذي لن ينتهي بفرض الضرائب على أرباحهم فتلك الأرباح هي نتيجة بيع أفكارهم!
سكان الكرة الأرضية أصبحوا تحت إمرة الأفكار الافتراضية والعوالم الغير واقعية ،منحتنا ( السوشيال ميديا ) الكثير من فرص الانفتاح على العالم ،قربت البعيد لا شك ولكنها باعدت بين القريبين ،فكل تلك المنصات ما هي إلا شبابيك يُبث من خلفها ما يترائي لصناعها على اختلاف نزاعتهم الفكرية والدينية والسياسية والنفسية ،وما أدراك كم الشخصيات الغير سوية التي تطل خلف تلك الستائر الشيفونية!

وذلك لا يعني المطالبة بتقويض الأفكار بل يعني وجوب المزيد من الحريات ،ولا أعنى تلك الزائفة التى يسبح فيها عالم المنصات ،ولكن أتمنى حرية التعبير الحقيقية والقدرة على مناقشة الاراء الخلافية داخل إطار الأسرة وفي جنبات المؤسسات التعليمية وفي أروقة النوادي الاجتماعية ،واللقاءات البشرية. 
اضعفت الشاشات البراقة قدرتنا الچينية الخاصة بفن الحوار ،نحن نواجه جيلاً يستقي معرفته من ينابيع لا نعرف صلاحيتها ولا مدى سُميتها لذا لنعيد أبنائنا لموائد الوجبات الكلامية ،لنشجع أصدقائنا على تبادل الآراء وان كانت جدلية ،لنتعلم ضبط النفس في الاختلاف والاتفاق وإلا ستلتهم الفضاءات الوهمية أبنائنا وحياتنا وألسنتنا وسيكون دورنا في تلك الحياة أننا مصدر تمويل البلوغرز وخاصة بعد فرض الضرائب!
ولم لا طالما أخترنا طواعية أن نكون " تنابلة السلطان " في زمن لا سلطان فيه إلا مواقع اللاتواصل الاجتماعية ! 
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط