آل باتشينو العرب.. تاجر السعادة.. ألقاب استحقها عن جدارة النجم المتألق والمتمكن الراحل خالد صالح، الذي قدم مختلف الشخصيات بأداء بسيط ومتمكن، يجعل المشاهد يصدق بثقة أنه نفس الشخص الذي يجسد شخصيته، يضحك المشاهد وقتما يريد، ويجعله يبكي وقتما رغب في ذلك، ودائما يدفعه للإنبهار، فهو ينتمي في الآداء لجيل محمود المليجي وزكي رستموتوفيق الدقن، وتمر اليوم 25 سبتمبر ذكرى رحيل فارس الأدوار المركبة خالد صالح، الذي توفى عام 2014.
عمل فران في السابعة من عمره
ولد خالد صالح يوم 20 ينايرعام 1964، في قرية أبو النمرس، بمحافظة الجيزة، ونشأ يتيماً حيث توفيت والدته وهو صغير، ليلحق بها والده، وتولى شقيقه وإسمه إنسان تربيته.
كان في عمر السابعة يعمل في «فرن بلدي» مع أحد اقاربه، وانتقل منه إلى بائع ملابس وهو في سن الثانوي، ومنه إلى عامل في مصنع الومنيوم صغير امتلكه شقيقه، حتى تخرج في كلية الحقوق عام 1987 وكان يمثل في مسرحها أثناء دراسته، مع صديقه خالد الصاوي.
وعمل خالد صالح بالمحاماه مدة لا تزيد عن شهر عقب تخرجه، ثم عمل سائق تاكسي حتى يجمع المال الكافٍ للسفر إلى الخليج لأجل العمل، حيث كان يحلم أن ينشئ مصنع حلويات شرقية، خاصة أن له تجربه في سابقة في العمل بالحلويات مع شقيقه، وقام شقيقه برفده من المصنع لأنه لم يكن ملتزماً بمواعيد العمل.
عاد من الخليج ليعمل أدوار كومبارس في المسرح من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان يقوم بدور شخص يمر في خلفية المسرح أثناء حديث الأبطال دون أن يتحدث، ثم عمل في مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية كمساعد مخرج.
مرحلة التجارب في حياة خالد صالح
جاءت أول مشاركات صالح كممثل في فيلم جمال عبد الناصر، عام 1998، حيث جسد فيه دور رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية صلاح نصر، وبعدها بعام شارك في فيلم جنة الشياطين، وفي نفس العام اختارته المخرجة إنعام محمد علي ليجسد دور مأمون الشناوي في مسلسلأم كلثوم.
خالد صالح وقصة الحلويات الشرقية
في فترة ما قبل عام 2000 كان يعمل مع شقيقه الأكبر في تجربة «قالب الكيك» حيث أنه كان «صاحب السعادة» لهم، وبدأت الفكرة بكيس سكر وكيلو دقيق، وقاموا بعمل قالب كيك كتجربة في مجال الحلويات، ولاقت نجاحا يكملون طريقهم فيه، وبالفعل قام خالد صالح بالتسويق للكيك المصنوع بيده ويد شقيقه، حتى اصبحوا يملكون مصنعا للحلويات الشرقية، و3 عربات لتوزيع البضائع.
احتراف التمثيل في عام 2000
قرر الفنان الراحل خالد صالح أن يترك العمل بالحلويات الشرقية مع شقيقه، وخوض تجربة التمثيل كاملة، وأبلغ زوجته التي تخوفت في البداية، فأخبرها أنه خلال 3 سنوات لو لم يحقق نجاحا سيعود للمصنع من جديد، ولاقت الفكرة تشجيع قوي من زوجته، التي كان يتحدث عنها دائما بكل فخر وأنها تحملت ظروفه الصعبة، علما بأنها تعمل طبيبة ولها مكانة اجتماعية عالية، حتى وأنها تحملت أن تتزوجه بدون «غرفة نوم» واستمرت بدونها لمدة عام، ولكنها كانت تؤمن بموهبته الفنية وساعدته على تحمل القرار، وبالفعل استطاع خالد صالح أن يثبت جدارته في التمثيل وأصبحت تسند له الأدوار المعقدة، وذاع صيته في الوسط الفني، وقدم 10 أعمال متنوعة في السينما والمسرح والتليفزيون والكرتون خلال عامين فقط، وفي عام 2003 قام بالأداء الصوتي في النسخة المدبلجة من فيلم "نيمو"، الحاصل على جائزة أوسكار لأفضل فيلم صور متحركة، وتفرغ بعدها تماماً للتمثيل، وبدأ مشوار النجومية.
سر مشهد جذب الأنظار إلى خالد صالح
في عام 2002 وقع اختيار المخرج محمد ياسين على خالد لتقديم مشهد وحيد في فيلم "محامي خلع" مع هاني رمزي وداليا البحيري، وكان دور القاضي الذي سيحكم في قضية الخلع، واستغل خالد الفرصة ولم يشأ أن يقدم دور القاضي النمطي المعتاد، فبدأ في مذاكرة المشهد والاستعداد له جيدا، وقدم مشهد تم تصنيفه كأحد أروع المشاهد في السينما، حيث ظهر قاضي خفيف الظل عندما استهل المشهد بجملة "هي القاعة ريحتها حلوة كده ليه"، وكذلك جملة "وايه لزمة 64 حصان، حصان واحد كفاية.. والا إيه"، وهي جمل خارج سيناريو وحيد حامد، وهو ما جذب أنظار المخرجين إليه وظل يعمل مع المخرج خالد يوسف في معظم أعماله الأخيرة حتى وفاته، واختاره العالمي يوسف شاهين لبطولة آخر أفلامه "هي فوضي".
يسرا تصمم على إعادة مشهد أمام خالد صالح
أثناء تصوير مسلسل أحلام عادية، الذي قدمت فيه يسرا شخصية "نادية أنزحة" المرأة الشعبية السوقية، وعقب الانتهاء من تصوير المشهد وكان الأخير في اليوم، بعد 16 ساعة تصوير، صاح المخرج مجدي أبو عميرة فركش، وبدأ الفنيين جمع المعدات، وأثناء توجه يسرا لغرفتها بالبلاتوه، سمعت فني إضاءة يقول لزميله: "خالد أكل يسرا في المشهد ده.. غول كاميرا سرق منها الإضاءة"، فما كان من يسرا الا العودة للوكيشن وطلبت من المخرج إعادة المشهد، ورفض المخرج بحجة أن الأجهزة يتم جمعها، وإعادة وضعها وتشغيلها مرة أخرى يستغرق ساعات، واليوم هو الأخير لايجار البلاتوه، وصممت يسرا على الاعادة حتى لو دفعت ايجار اليوم، ووصل الأمر إلى خالد صالح الذي كان يستعد لإزالة الماكياج، فطلب من الماكير التوقف وإعادة الماكياج ودخل اللوكيشن ضاحكا وقال" أنا جاهز لإعادة المشهد طالما ده طلب ست الكل" ورضخ الجميع لأوامر يسرا وتم إعادة المشهد ٩ مرات، وفي كل مرة يتألق خالد بشكل أكبر، فشعرت يسرا بالاجهاد ولم يعد لديها مبرر للإعادة.
الأعمال الخيرية في حياة المتمكن
حرص خالد صالح في كل بلد زاره على زيارة أحد الجمعيات الخيرية، أو مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أنه وجد في ذلك واجب عليه أداءه، وسبق له زيارة مركز راشد لعلاج ورعاية الأطفال في دبي، وترك مهرجان الشرق الأوسط للسينما، في أبوظبي لمدة 3 أيام، كي يشارك في حفل تدشين مستشفى سرطان الأطفال الجديد في السودان.
وفاة بالجسد فقط وخلود الأعمال
أصيب صالح منذ حوالي 24 عاماً بآلام حادة في قلبه وعرف حقيقة مرضه، حيث شخص بمرض وراثي في القلب، وأن قلبه عليل لا يقوى على تحمل أي أعباء أو مجهود، ولكنه لم يستسلم وخضع لجراحة ناجحة منذ سنوات، وتعرض لأزمة قلبية نتيجة الإجهاد الشديد، الذي بذله أثناء تصوير مسلسلهموعد مع الوحوش، وتعرض لآلام حادة في منطقة الصدر، أثناء تصوير مسلسله الأخير “حلاوة الروح”.
وحاول إخفاء تعرضه لبعض المتاعب الصحية التي دخل على أثرها مركز أمراض القلب، لكن الأطباء أخبروه بضرورة خضوعه لعملية قلب مفتوح لتغيير شريان وصمام في القلب. خضع في سبتمبر عام 2014، إلى تغيير صمام بالقلب، حيث أجريت له العملية في مركز القلب بأسوان، وأجرها له جراح القلب العالمي، الدكتورمجدي يعقوب، وتوفي صالح فجر الخميس 25 سبتمبر 2014 عن عمر يناهز 50 عاماً بعد تدهور حالته الصحية أثر إجرائه العملية جراحية في القلب، وشيع جثمانه فجر الجمعة من مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة.