سيطر موضوع تغير المناخ بشكل لافت على جدول مناقشات الأمم المتحدة هذا العام وخطابات الزعماء خلال جلسات الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة الدائرة حاليًا، في تطور ينبئ ببدء تنبه قادة العالم إلى الخطر الداهم المحدق بكوكب الأرض ولا يفرق بين الدول المتقدمة الغنية وتلك النامية الفقيرة.
بايدن.. جرس الإنذار الأعلى صوتا
ومن الوقائع الملفتة في هذا الصدد استغراق خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وقتًا طويلًا تجاوز المدى الزمني المحدد لكلمات الزعماء، بسبب إسهابه في التحذير من خطورة تغير المناخ.
وناشد بايدن الوفود المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، باتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ. وقال إن الوضع في مرحلة "خطيرة بالنسبة للإنسانية".
وفي أول خطاب له أمام الجمعية العامة، اعتبر بايدن أن العالم "يقترب سريعا من نقطة اللاعودة" بالنسبة للأحداث المناخية المتطرفة التي تتسبب في خسارة الأرواح وتكبد خسائر بمليارات الدولارات، مشيرا إلى أنه يتعين على كل دولة "تقديم أقصى طموحاتها الممكنة" في مؤتمر المناخ العالمي المقبل في جلاسكو، بإسكتلندا، والذي يعتزم بايدن حضوره.
وذكر بايدن أنه يعمل مع الكونجرس الأمريكي على استثمارات بشأن المناخ، ويشجع قادة آخرين على العمل مع حكوماتهم أيضا، موضحا أن ذلك سيساعد على خلق وظائف برواتب جيدة لمواطنيهم.
وحث بايدن زعماء العالم الجمعة الماضية على الانضمام إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التعهد بخفض انبعاثات غاز الميثان، على أمل حشد الدعم للقضية قبل انعقاد قمة دولية حول تغير المناخ في الشهر المقبل.
وناشد بايدن الدول الأخرى الانضمام إلى اتفاق أقرته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهدف خفض انبعاثات الميثان العالمية بنسبة 30% على الأقل دون مستويات 2020 بحلول عام 2030.
وقال بايدن للزعماء "لن يؤدي هذا لخفض معدل الاحتباس الحراري بسرعة فحسب بل ستترتب عليه أيضا فوائد عظيمة أخرى مثل تحسن الصحة العامة والإنتاج الزراعي".
علاج باهظ.. أفلح إن صدق
وتعهّدت حكومات وجهات في القطاع الخاص اليوم الجمعة بإنفاق بأكثر من 400 مليار دولار على مشاريع مرتبطة بالطاقة المتجددة، خلال قمة ترعاها الأمم المتحدة دعت إلى مضاعفة الجهود لتجنّب كوارث ناجمة عن تغيّر المناخ.
وتشمل التعهّدات التي سبق وأعلن عن عدد منها، مشاريع لتوسيع القدرة على الوصول إلى الكهرباء في الدول النامية وتعزيز التكنولوجيا النظيفة في مجال الغذاء وتحسين فعالية استخدام الطاقة في إطار المساعي الرامية لإلغاء الكربون من منظومة الطاقة.
ووفقًا لقناة "سي إن إن" الأمريكية، يتجه كوكب الأرض نحو الاحترار الكارثي بمقدار 2.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ويقول علماء إن الكوكب بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 45٪ بحلول عام 2030 للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن. ولكن وفقًا لالتزامات الانبعاثات الحالية من البلدان ستكون هناك زيادة بنسبة 16٪ في الانبعاثات في عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010، وفقًا للتقرير.
وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى 2.7 درجة فوق مستويات ما قبل الصناعة. وقال العلماء إن درجات الحرارة العالمية يجب أن تظل أقل من 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الصناعة لدرء العواقب الأسوأ لأزمة المناخ.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش: "هذا يخالف الوعد الذي تم قطعه قبل ست سنوات لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية لاتفاقية باريس. الفشل في تحقيق هذا الهدف سيقاس من خلال الخسائر الفادحة في الأرواح وسبل العيش".
وأضاف جوتيريش، مخاطبًا القادة في منتدى الاقتصادات الكبرى إن مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في نوفمبر، الذي سيجتمع خلاله قادة العالم لمناقشة أهداف الانبعاثات، ينطوي على "مخاطر عالية للفشل".
صفعات المناخ الأقسى في عام واحد
وبحسب إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، كلفت مظاهر الطقس المتطرف الولايات المتحدة خسائر قياسية بلغت 100 مليار دولار في عام 2020. واعترف بايدن بأن "العلماء ظلوا منذ سنوات يحذروننا من أن الطقس المتطرف سيصبح أكثر تطرفا بمرور الوقت، وهو ما نشهده في الوقت الحالي".
وتعرضت الصين عدة مرات لأمطار غزيرة خلال فصل الصيف هذا العام، ما أدى بالقائمين على أحد السدود في مقاطعة هونان إلى فتح البوّابات حتى تخرج كميات كبيرة من المياه وبالتالي يقل الضغط عليه ويتفادي انفجاره. لكن الوضع داخل المقاطعة كان صعبا، واستدعى تدخل فرق الإنقاذ بالمعدات الثقيلة لنجدة السكان، الذين غمرت المياه أماكن معيشتهم.
وشهدت ألمانيا في الصيف فيضانات غير مسبوقة في ولايتين غربي البلاد، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى، كما تأثرت البنى التحتية لعدة مناطق ودمرت أجزاء منها كما وقع لبلدة شولد بمنطقة "آرفايلر".
وليست الأعاصير وحدها هي ما ينتج عن التغير المناخي، فهناك الجفاف أيضا مثلما الحال في أفغانستان، حيث أدى الجفاف الشديد هذا العام إلى تفاقم الوضع المعيشي البائس في عدة مدن. وتحول نهر كابول إلى ما يشبه البرك الموحلة. ويحذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من أن 14 مليون شخص في أفغانستان، أي ثلث السكان، مهددون بالجوع.
وزيادة على الجفاف، تفاقمت الأوضاع في أجزاء كبيرة من أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى بسبب تفشي الجراد منذ عام 2020. وفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، تنتشر الحشرات الشرهة بشكل متزايد في المناطق الجبلية حيث تسبب أضرار جسيمة لم تحدث من قبل ويساعد على ذلك تغير المناخ.
وجاءت الحرائق هذا العام لتؤكد عمق الخطر المحدق بالكوكب، حيث تعددت حرائق الغابات بين كل القارات، لكن الضرر الأكبر كان في منطقة البحر الأبيض المتوسط مثلما وقع في تركيا واليونان والجزائر وإسبانيا.