الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب: مأوى ..

صدى البلد

- كملتى اللى كان ناقص في حياتي  و اللى كنت فكرهُ كامل ... (تصمت هي ) ويسألها .. مضيقة ؟ 
= معاك اضايق بس لو رُحت عن بالى ... ! 
                 ***** 
وجدها . شجرة مستديمة الخضرة ، جذعها يطول السماء ، ذات ساق قائمة مبيضة و سريعة النمو والانتشار . تشبه كثيرًا شجرة " الملنجتونيا " ممتدة الظلال لها أصل ثابت ورائحتها تنبعث  لأمتار . استغرقت أكثر من ثلاثون عاماً لتكبر وتتحمل عبء وثقل فروعها  .  راح يستند عليها ليرتاح بعد أن توقفت حياته كعربات القطار القديمة الصدئة على القضبان لا تستعمل ، كان مطارد من  البشر كما يطارد الكلب الضال بلا ملجأ أو مأوى . وجدها ذات يوماً  وهو سائر بائس غير باكِ ، فالدموع تتساقط  أملاً فى إيجاد حل أو رجاءاً فى التخلص من ألم مستمر . ولكنه احساسه الدائم بفقد الأمان أضاع منه حتى الإحساس بالألم . لجأ إليها كى يحتمي من البرد القارص الذى وصل لنخاع عظمه ، أو يستظل بها فى يوماً ضرب لهب الشمس رأسه . لجأ إليها وهى مأمنه وكهفه وسردابه الكامن بالسعاده ، فرحة كبرى غمرته ، كأنه الغافل الذى أهدته السماء قصراً . استمر هذا الشعور حتى أنساه كل ما لاقاه فى حياته من صفعات وإهانات وندبات و أعوام مليئة بالضغط والخوف والاستنزاف . الآن أحس بنفسه محمياً بأحضان أغصانها المتينة كشعور الناجي من الغرق والآمن  فى قلاع حصينة ، الذى يسرى إليه الدفء و يعرف مصدره ، و كفت أطرافه عن الرعشة . لا يشعر بأى أعباء و كأن أحمال الدنيا أصبح فى خفة الريشة . يذهب إليها ويشعر أنه ذاهب إلى مكان أصبح عزيزاً عليه تماماً ، شئ واحد فقط كان يخنقه إذا فكر فيه ، أن يعود و يجد مكانه مشغولاً بغيره ، أو يتسلل أحداً إلى فروعها ويقتطف ثمارها عنوة ، أو تستغيث فى غيابه بخفيف واضح و لا يسمعها ، أو يدهس جاهل أوراقها المتساقطة دون أن يعلم كيف صنعت . 
هكذا أحس وظل يحس .. كل يوم قلبه يقترب ويتشكل ويستجيب بل أن سعادته القصوى كانت أنه قد أصبح له شئ يخصه وينتمي إليه . أصبح له هو - التائه فى الحياة - مأوى  ، أحبها أكثر مما أحب أمه ، كانت الحضن والبيت والظل و العائلة وكل ما يمت إليه فى الدنيا ، لا يدرى كم عام مضى ، ولكنه يدرك أن الزمن توقف به عند هذه اللحظة التى أكتشفها فيها . وأدرك أن الحياة قد دبت فى أنحائه وأخضر كل مكان مات فيه .