“رأفت الهجان.. الأصدقاء.. فيلم الهروب”، كلها أعمال سطرت اسم نجم من العيار الثقيل، يقدم دوره ببساطة وبأسلوب السهل الممتنع يمر إلى القلب بيسر.. هذا هو الفنان محمد وفيق.. عزيز الجبالي ضابط المخابرات الذي يدير عملية رأفت الهجان في الخفاء وبأحاسيس رائعة، وناقد الشخصية عندما قدم الضابط الانتهازي الذي يسعى لنجاحه الشخصي بالقبض على منتصر “أحمد ذكي”.
ثم يعود ليقدم مسلسل الأصدقاء مع فاروق الفيشاوي وصلاح السعدني، ليبرهن على أقوى مثال للصداقة، وقبلها قدم شخصية عمرو ابن العاص في الرسالة.. تاريخ طويل من الأعمال لم يرى خلالها المشاهد من وفيق ما يخدش الحياء، بل ضرب مثالا يحتذى به في كيفية تقديم فن راقي يدوم ابدا، واليوم في ذكرى ميلاده 74 نحتفي بالراحل محمد وفيق.
الإسكندرية تهدي الفن جوهرة حقيقية
ولد محمد وفيق علي، بالإسكندرية، في 24 سبتمبر عام 1947، لأب كان يعمل أستاذًا بالجامعة، أتم دراسته الثانوية بالمدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية، ثم حصل على بكالوريوس فنون مسرحية، بتفوق عام 1967، في الدفعة التي ضمت “نور الشريف، مجدي وهبة، شاكر عبد اللطيف، عبد العزيز مخيون”.
وأثناء دراسته بالسنة الأولى في المعهد ذهب للعمل في مسرح التليفزيون كنوع من التدريب وزيادة الدخل، حيث كان قادمًا لتوه من الإسكندرية، وشارك في رواية "لا حدود" عن فلسطين، من تأليف محمود شعبان، واخراج فوزي درويش، ثم شارك في مسرحية "سندباد" اخراج "أحمد زكي"، وشجعه كثيرًا محمود أمين العالم، وشاهد المسرحية العالمي يوسف شاهين، وأسند له بطولة فيلم من اخراجه، لكن لم يكتمل المشروع.
"بيبرس" نقلة هائلة في مشوار وفيق الفني
النقلة الكبيرة في مشوار محمد وفيق كانت من خلال مسلسل "الكتابة على لحم يحترق"، الذي قدم فيه شخصية "الظاهر بيبرس"، ثم كانت النقلة الأكبر في مسلسل "المرشدي عنتر"، وقدم في نفس الوقت مسلسلاً لتليفزيون قطر بعنوان "أحمد باشا الجزار"، وهو ما فتح له أبواب الشهرة للمشاركة في فيلم "الرسالة" اخراج مصطفى العقاد، وقدم شخصية القائد الإسلامي "عمرو بن العاص" في الثمانينات.
وعلى مدى ثلاث أجزاء من إخراج يحيى العلمي؛ قدم الشخصية الأكثر شهرة له وهي شخصية "عزيز الجبالي" ضابط المخابرات الذي يعمل في الخفاء ليجعل حياة الجاسوس المصري "رأفت الهجان" أكثر سهولة في حياته الخطرة داخل إسرائيل، والشخص الذي قال رأفت الهجان إنه يشعر بوجوده وبمدى اهتمامه به بدون أن يراه أو يعرفه، وهي شخصية حقيقية للواء الراحل سامح سيف اليزل، ويعد الدور الأشهر في مسيرة محمد وفيق، رغم تنوع أدواره.
في الثمانينات أيضًا قدم أحد أفضل أدواره في فيلم "الهروب" إخراج المخرج الراحل عاطف الطيب، بدور ضابط الشرطة البراجماتي البارد فؤاد الشرنوبي، الذي عاد لتوه من أمريكا محملًا بأساليب أمنية جديدة، لينطلق بعدها قطار وفيق تليفزيونيا بسرعة الصاروخ، مقارنة بأعماله السينمائية المحدودة نوعا ما، حيث قدم 22 فيلم، وعدد كبير من المسلسلات، أبرزها "السيرة الهلالية، محمد رسول الانسانية، الصعود إلى القمة، الامام الطبري، بلاط الشهداء، الابطال، بوابة الحلواني، ساعة ولد الهدى، والأصدقاء".
علامات مضيئة في مسيرة المحترم
قدم وفيق على مدار 55 عاماً عدد من الأعمال السينمائية والدرامية والمسرحية، استطاع أن يثبت خلالها ذاته من خلال رصانته ودقته في اختيار أدواره، التي علقت بأذهان المشاهدين، حيث قدم خلال مسيرته الفنية ما يتجاوز الـ200 عمل فني، تنوعت ما بين المسرح والسينما والدراما.
المرأة الحب المتوهج في قلب محمد وفيق
قصة حبربما تحمل في طياتها اسمى معاني الوفاء والإخلاص، جمعت بين الفنان محمد وفيق، وابنة خالته الفنانة الراحلة كوثر العسال، التي بدأت منذ عقدين من الزمان قبل زواجه منها، بدأت بصلة قرابة ثم صداقة وطيدة ثم علاقة حب كبيرة جمعت بين الثنائي لتنتهى بزواج الأخرى من آخر بسبب خجله، ثم الفوز بها في النهاية، هكذا كان التطور الطبيعي والتدريجي لعلاقة الفنان محمد وفيق والفنانة كوثر العسال، حيث وقع في غرامها منذ الطفولة، رغم فارق العمر بينهما الذي وصل لـ8 أعوام، حيث كان الخجل سببا في ضياع حب وفيق، وزواج كوثر من الفنان عبدالمنعم إبراهيم، وظل ينتظرها طيلة حياته، حتى وفاة زوجها، ليقرر عرض الزواج عليها مجددًا، ليتزوجا بعد قصة حب دامت 20 عاما.
وفي لقاء له ببرنامج "عُقد النجوم"، عبر وفيق عن مدى حبه وإخلاصه لزوجته كوثر العسال، قائلاً: "إحنا كنا أصحاب قوي طول عمرنا، وقرايب وساكنين جنب بعض، وبعدين فرّقت بيننا الأيام، أنا دلوقتي باخاف أزعلها، أنا وكوثر مالناش غير بعض، إحنا ماليين حياتنا ببعض".
عاش الثنائي حياة هادئة مستقرة، إلى أن اقتحم السرطان حياتهما وأعلن انتصاره عليها لتتوفى في 30 سبتمبر عام 2013،وقرر أن يتبرع بمجوهراتها إلى مستشفى سرطان الأطفال 57357، ثم تبرع بمنزلهما بالمهندسين، بكل ما فيه من آثاث إلى أحد الشباب المقبلين على الزواج، وقرر أن يعيش على ذكراها حتى لحق بها في 2015، وأوصى بأن يُدفن إلى جوارها، بعدها أجرى عملية قلب مفتوح بمستشفى دار الفؤاد بالقاهرة، وتوفي في 14 مارس 2015 عن عمر 67 عامًا.