الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. سلامة عمر يكتب: القـــــائد والمــــدير

صدى البلد

           يدرك الإنسان منذ خلقه أنه لا يمكن أن يحقق كل الأهداف بمفرده بل لابد من التعاون مع غيره، لذا ازداد إيمان الإنسان بقيمة العمل الجماعي، وأن العمل كلما زاد تعقيده نقصت قدرة الفرد على القيام به بمفرده، بل يجب أن تتضافر جهود مجموعة العمل في تناسق ونظام؛ بغية تحقيق الأهداف المنشودة، إلا أن هذا العمل الجماعي في حد ذاته لا يمكن أن يكتب له النجاح بدون جهد خاص وموجه تكون مهمته الأولى توجيه وتنسيق العمل الجماعي وهذه المهمة هي ما يطلق عليها اسم القيادة.
      وتتعدد الفروق بين القائد والمدير، فالقائد هو شخص يتسم بالمرونة يمكنه التعامل مع طبائع البشر المختلفة ببساطة ودون تعقيدات ولا يسمح بوجود ظاهرة الشللية في بيئة العمل، على عكس المدير الذي لا يرى على الأغلب إلا الأرقام والنتائج، ومن ثم لا يهتم كثيرًا بتحفيز العاملين بطرق غير تقليدية، وكذلك طغيان ظاهرة الشللية في بيئة العمل فكل الممنوع جائز ومباح ومن يجيد التصفيق هو المدلَّل المرفَّه والحاصل على الامتيازات والتقديرات العالية دائما دون تعب أو عناء، وهذه الفاتورة يدفعها ضحايا سيطرة هذه الشِّلة على سَيْر العمل، والقائد الحقيقي ليس مجرد شخص يعطي أوامر دون مناقشة، بل هو الإنسان القادر على إقناع العاملين بأنهم جزء أصيل وفعال في العمل، وليسوا مجرد تابعين، وبالتالي يصبح المرؤوس محبًا للقائد، فيبذل المرؤوس كل المجهودات الممكنة؛ لتحقيق أهداف المؤسسة وإنجاح قائده وليس فقط تحقيق النجاح الشخصي.
ويتجلى الفرق بين القائد والمدير في الأمور التالية:
- المدير يكافئ نفسه وشلته القريبة فقط، بينما القائد يكافئ الجميع.
- المدير يبتعد عن حل المشكلات والأخطاء، القائد يعمل على حلها وتذليل العقبات.
- المدير هو رئيسك في العمل، بينما القائد هو زميلك فيه.
- المدير يستخدم الأشخاص، بينما القائد يطورهم ويشجعهم.
- المدير يصب اهتمامه على العمل بشكل عام وعلى مصلحته الشخصية بشكل خاص، بينما القائد يصب اهتمامه على العمل والآخرين.
- المدير نظرته للمدى القريب، بينما القائد نظرته للمستقبل.
- المدير يجعل المهام واجبات، في حين أن القائد يعرف كيفية البحث عن الحافز في كل مشروع جديد، وينشر الرغبة في العمل والتقدم.
- المدير ينتظر الموظفين، في حين يخرج القائد للترحيب بهم، فهو يريد دائما الحفاظ على وجوده كدليل جماعي يلهمهم الالتزام، والقائد قادر على إشراك فريقه في مهمة تتيح لهم التغلب عليها وتجاوزها، بينما يريد المدير الحفاظ على امتيازاته على عكس القائد الذي يعطي معنى للعمل والحياة من حوله.
- يغرس المدير شعور الخوف بين الموظفين الذين يكنون له كل الاحترام في الظاهر وينعتونه في غيابه بأسوأ الصفات، فيما يمثل القائد مصدر الثقة، ويولد الحماس بين العاملين، ويشجعهم.
نموذج القيادة في قصة يوسف (عليه السلام):
         ويعد نموذج القيادة في قصة يوسف (عليه السلام) نمطا من أنماط اختيار القيادات التي تتعلق بإدارة شئون البلاد، فمهمة قيادة الشئون الاقتصادية تحتاج إلى قائد يتوافر فيه أمران بصورة رئيسة هما: الأمانة، والعلم الراسخ بطبيعة العمل. يقول الله (تعالى) على لسان يوسف (عليه السلام): {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف: 55). وقد طلب يوسف (عليه السلام) هذا الطلب؛ لأنه يعلم كيفية الخروج من الأزمة، بعد أن صرح له الملك، وقال له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} (يوسف: 54).
         والدلائل العملية على توافر تلك المقومات في يوسف (عليه السلام): أن امرأة العزيز راودته فأبى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (يوسف: 23). وفضل السجن على فعل الفاحشة: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} (يوسف: 34)، وقد برأته النسوة بعد ذلك: {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ} (يوسف: 51)، وهذه دلائل عملية على أمانة يوسف (عليه السلام)، أما الدلائل العملية على العلم، قال الله (تعالى) على لسان يوسف (عليه السلام): {قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون (47)، ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون (48) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}(يوسف: 47-49).
        وقد عقد الملك مقابلة؛ لتدعيم الاختيار؛ لتوليه منصبًا قياديًّا، يقول الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} (يوسف: 54)، يقول ابن كثير أن الملك حين تحقق من براءة يوسف (عليه السلام) ونزاهة عرضه مما نسب إليه؛ قال استخلصه لنفسي؛ أي يكون من حاشيتي، وتمت المقابلة على هذا الأساس.
أعظم قائد للبشرية:
      ولقد كان النبي محمد ﷺ أفضل قائد للبشرية في تاريخها الطويل، فهو قدوة صَّالحة لبِناء العادات الحسَنة والسلوكيَّات الطيِّبة حتى تتحول إلى عمَل مَلموس في واقع الحياة، ومن أمثلة ذلك احترام إنسانية الإنسان فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد - تنظفه - ففقدها رسول الله ﷺ فسأل عنها، فقالوا ماتت. قال: أفلا كنتم آذنتموني -أعلمتموني-، قال الراوي: صغروا أمرها. فقال النبي ﷺ دلوني على قبرها، فدلوه، فصلى عليها (رواه البخاري).
   فيجب الاستفادة من المدرسة النبوية في إثراء الأدب القيادي، وابتكار الأساليب الإدارية المناسبة بهدف إسقاط آثارها الإيجابية على المؤسسات كافة. 
جزى الله خيرًا كل قائد يسعى جاهدًَا لخدمة وطنه وأمته، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق قادتنا لما تحب وترضى، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة.  
وفي نهاية المقال أستطيع أن أسألك هل مديرك يتسم بصفات القائد؟