الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد الشناوى يكتب: فشلت أن أكون موظفًا حكوميًا

صدى البلد

فور تخرجي في كلية الشريعة والقانون تقدمت لمسابقة النيابة العامة(وكيلا للنائب العام) ورغم اني كنت متفوقا إلا أن الأقدار حالت دون التحاقي بهذه الوظيفة المرموقة التي طالما تمنيتها منذ حداثة عهدي ونشأتي .
و عقب اخفاقي في ذلك كأني بالدنيا قد تغيمت وكأنه لم يعد هناك بصيص من الأمل بعد ضياع الحلم المنشود!
ظللت حبيس حيرتي قرابة الشهرين فلا أدري ماذا أفعل...؟
كان أبي يريد أن يؤمن مستقبلي كحال غريزة الأبوة في الحفاظ على الأبناء وتجنيبهم مصاعب الحياة .
وبالفعل توالت التأشيرات بوظائف  حكومية بدأت ببنك التنمية والائتمان الزراعي(البنك الزراعي اليوم)ومرورا بشركة الكهرباء ثم شركة المياه وانتهاءا بمحقق قانوني في وزارة الحكم المحلي!
لم امكث في كل وظيفة من هؤلاء غير ايام قليلة حتى انقطع عن العمل وما هي غير أيام وتلاحقني اخطارات الفصل.. 
حين دلفت إلى روتين بعض هذه الوظائف الحكومية وجدت أناسا قد أخذ منهم الزمان وحط كما يقولون .
ملابس جار عليها الزمن 
وأحذية متآكلة 
ومكاتب قد أكل خشبها السوس من كل ناحية!
وحكايات من الموظفين عن ظروفهم الاجتماعية وغلاء المعيشة وعن ضآلة ما يتقاضونه من مرتبات لا تفي ببعض أمورهم الحياتية وقتذاك .
كنت أراقب ضحكاتهم المكلومة ونظراتهم لي وكأنهم يقولون لي فر من هنا واطلب النجاة لنفسك!
في هذه الوقت كنت قد استخرجت بطاقة عضويتي بنقابة المحامين فأصبحت محاميا تحت التمرين مقيدا بالجدول العام .
كنت أعلنت لمن حولي أنني أصبحت محاميا وكنت أتردد على المحكمة بحجرة المحامين بين حين وآخر ..
وتوالت علي التوكيلات من الأهل والاقارب والأصدقاء .
كنت متعاقدا في الوظيفة الحكومية على مبلغ(١٥٠) جنيها مصريا!
كنت أصرخ متمردا لقد احببت المحاماه لحريتها وكان ابي يلح من أجل البقاء في الوظيفة اعمالا للقاعدة(إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه) .
حتى جاء اليوم الموعود حين تأخرت عن وظيفتي ١٠ دقائق وكان الصدام بيني وبين رئيسي المباشر وعلى الفور غادرت المكتب عازما على عدم العودة مرة أخرى .
وإذا بي أتوجه إلى محكمة أبوحمص وعلى باب المحكمة إذا بأحد الموكلين يسرع ناحيتي
اين انت؟
ابني مقبوض عليه بسلاح ناري!
فحضرت معه التحقيقات واخليت سبيله وتقاضيت مبلغ(ألفي جنيها)وهو مبلغ كبير في هذا الوقت سنة ٢٠٠٥ 
وكان أول مبلغ اتقاضاه كاتعاب من المحاماه!
رجعت إلى بيتي وكان أبيرحمه الله قد علم بما تم من تركي للوظيفة فكان العتاب منه فأخبرته اني لن اعود اليها مرة أخرى لا سيما وإني قد حققت اليوم نجاحا كبيرا في قضية السلاح سالفة الذكر!
ثم حققت بعد ذلك نجاحات متتالية فأحببت مهنتي وتعلقت بها ويشهد الله أنني مارستها وما زلت وسأظل بميثاق الشرف متذكرا القسم الذي حلفت ووصية أبي طيب الله ثراه .
ثم كانت موهبة الكتابة فقدمت مئات المقالات حتى أثريت بها الفكر  وانطلاقي من خلال شاشات التلفزيون وانتشار الاسم هنا وهناك .
فالحمد لله أن جاءت دنياي في حضن ديني .
هذه تجربتي سردت بعضا منها إلى شباب اليوم بعدم التعويل على الوظائف الحكومية وحسب فبيدك أن تتوجه إلى القطاع الخاص وتقوم ببناء ذاتك بعيدا عن الروتين لا سيما وأن الدولة حاليا قد انطلقت عجلة تنميتها وريادتها نحو فتح آفاق جديدة من القطاع الخاص ولكن الأمر يحتاج من يبحث بجد واجتهاد .
تكتمل حياتنا بـأشياء و تختفي منها أخرى ليست مسألة حظ إنما أقدار نسير وفق مرادها .
فنظرة الإنسان فينا قاصرة وكلنا مسيرون وفق مراد الله فينا .
تلك اللحظة التي يولد فيها الإنسان ويُبصر النور، ليبدأ دورة الحياة بكل تجاربها وتفاعلاتها وصخبها، وتستمر  ـ  ـ إلى حين.. ولحظة أخرى تتوقف فيها عقارب الساعة عن الدوران، إيذانًا بمرحلة أخرى .
حياتنا مراحل متعددة ومتباينة المشاهد والفارس من يفهم حقيقتها فلا يعرف لليأس أو الرجوع للخلف طريقا .
فما الحياة سوَى رواية طويلة كتبتهَا الأقدار، و ما علينا نحن سوى أن نكون قرّاءً جيّدين لفصولها.. كأطفال صغار نجري بين حقولها ... و نقطف من بساتين الحزن ورود الفرح قبل ذبولها. - أسمى الازهار .