ماجدة الصباحي، إحدى نجمات الجيل الذهبي في مصر والعالم العربي، شغلتها قضايا الأمة العربية وكان لديها رغبة في تقديم صورة جيدة عن أبرز المناضلات العربيات، وكان ذلك سببا في اختيارها تقديم قصة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، وهو الاسم الصحيح لها وليس جميلة بوحريد.
من هي جميلة بوحيرد؟
امرأة بألف رجل" من بلد المليون شهيد، إنها المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، التي ولدت عام 1935 في حي القصبة بالجزائر، لأب جزائري وأم فرنسية، وتعلمت الخياطة، لتحقق حلمها في أن تكون مصممة أزياء، وانضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية، بعد اندلاع الثورة على الاحتلال الفرنسي، عام 1954، وكانت أول متطوعة في صفوف المقاومة، لزرع القنابل في طريق جنود الاحتلال، وأصيبت برصاصة في الكتف خلال قيامها بإحدى العمليات الفدائية، وتم القبض عليها عام 1957، وعانت من التعذيب في سجون الاحتلال الفرنسي لـ5 سنوات، وحكم عليها بالإعدام هي وزميلتها زهرة بوظريف، ولكن المحكمة الفرنسية لم تتمكن من تنظيم محاكمة لهما، لتكون بذلك أيقونة النضال ولتنال تقدير وتكريم العالم لها.
أصل الحكاية تخفيف حكم الإعدام عن جميلة
الحكاية بدأت عام 1958، حين قررت الفنانة ماجدة انتاج فيلم عن مناضلة الجزائر جميلة بوحيرد، كانت وقتها جميلة في السجن ومحكوم عليها بالاعدام، وبالفعل انتجت ماجدة الفيلم لنفسها، وكان معها نجوم مصريين كثيرون منهم رشدي اباظة واحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ومحمود المليجي وغيرهم، واخرج الفيلم يوسف شاهين، وتم عرض الفيلم في العديد من دول العالم تنديدا بحكم الإعدام على جميلة بوحيرد، كما تم عرضه في مهرجانات عالمية، وكان الفيلم كلما تم عرضه في دولة تخرج مظاهرات تطالب بالافراج عن جميلة، ويشتعل الرأي العام العالمي، الذي تحرك ضد فرنسا، وكتبت الصحف العالمية عن جميلة، وانتشرت جُملة "انقذوا جميلة" عبر وسائل الإعلام الغربية، في العالم كله وبالفعل نتيجة الضغوط، خففت فرنسا الحكم عليها من الاعدام للسجن المؤبد.
احتفاء الجزائريين وإطلاق سراح بوحيرد
بعد تخفيف الحكم على جميلة، احتفل الشعب الجزائري، واستغل المحامي الفرنسي جاك فيرجس- الذي تزوج جميلة فيما بعد - الضغط العام العالمي واستطاع أن يحصل على حكم إطلاق سراح جميلة بعد تحرير الجزائر عام 1962.
تعاطف الفرنسيين مع جميلة بسبب الفيلم
استطاع الفيلم التأثير في الشعب الفرنسي بشكل كبير، لدرجة تعاطف الفرنسيين مع جميلة فكتب الفيلسوف الفرنسي "جان سارتر": "الفيلم جسد أمامي حجم الجرم الذي ارتكبناه في حق الإنسانية، إن هذه الممثلة الصغيرة الكبيرة أسقطت مني الدموع وأنستني جنسيتي"، وبعد عرض الفيلم تعرضت الفنانة ماجدة لمحاولة اغتيال من فرنسسين متعصبين.
خلاف في الرأي بين ماجدة ووزير الثقافة
قالت ماجدة عن فيلم "جميلة بوحيرد": "كنت أريد المشهد الأخير في نهاية الفيلم يضم مجاميع مختلفة للثورة والثوار في العالم كله، يتكلمون عن أزمة جميلة التي هي أزمة الجزائر، وكل الأراضي العربية المحتلة، وكل ضحايا الاحتلال في كل بقاع العالم، لكن الدكتور ثروت عكاشة ـ وزير الثقافة والارشاد في حينها ـ أشار إلى أن يكون مشهد النهاية يضم مجاميع تظهر فيها أفريقيا فقط، ونفذ يوسف شاهين ما أراده عكاشة، وكنت ولازلت غير راضية عن هذا المشهد"، حيث كانت ترى ماجدة أن تأثر العالم أبلغ رد، إلا أن وزير الثقافة كان لديه حسابات سياسية دولية.
أول رئيس جزائري في العرض الخاص للفيلم
بعد انتهاء تصوير الفيلم، وتحرير الجزائر حضرت العرض اللجنة العليا للجزائر، وأحمد بن بيله، الذي أصبح بعد ذلك أول رئيس للجزائر في عام 1962 لمشاهدة الفيلم في الاستوديو، ووقفوا في نهايته، وأدى بن بيلا ومن معه التحية العسكرية الجزائرية، وصفقوا بشدة وقدموا الشكر للفنانة ماجدة والمخرج العالمي يوسف شاهين على تلك الهدية التي وثقت بها جرم الاحتلال الفرنسي.
وخرج الفيلم وعرض في سينما راديو في عامي 1960 و1961 وهو العام الذي تقرر فيه إعدام جميلة، وقامت مظاهرات داخل السينما وعلت الهتافات لتحرير الجزائر، لكن في النهاية أضاف فيلم جميلة لكل من عمل فيه، وقدمهم وكأنه يكتشفهم للمرة الأولى، وتحول لفيلم عالمي صنع المظاهرات في كل بلد عرض فيه، وكانت فرنسا تحتج في كل بلد يعرض فيه، وامتدحه الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، والكاتبة سيمون دي بوفوار، التي كتبت: "لقد تسبب الفيلم في ضجة عالمية كبرى وضغط على الرأي العام العالمي فتراجعت فرنسا عن إعدام جميلة بوحيرد".