قوبل إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، الأربعاء الماضي، عن تأسيس الشراكة الأمنية والدفاعية لأمن المحيطين الهادئ والهندي "أوكوس" بردود أفعال سلبية من عدة أطراف لم تخف استيائها إزاء التحالف الجديد.
أوروبا تشعر بالخذلان
فرنسا أول من سارع بإعلان استيائها تجاه مبادرة "أوكوس"، بعد إعلان أستراليا إلغاء صفقة بقيمة 66 مليار دولار كان من المقرر أن تشتري بموجبها غواصات تعمل بالدفع النووي من فرنسا، واستبدالها بصفقة تشتري بموجبها غواصات أمريكية من النوع نفسه.
ووصف وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، قرار أستراليا بأنه "طعنة في الظهر حقا". وأضاف: "أقمنا علاقة ثقة مع أستراليا، هذه الثقة تعرضت للخيانة".
ومن جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه لم يتم إبلاغه بشأن التحالف الأمني الجديد الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا. قال المتحدث باسم السياسة الخارجية للاتحاد، بيتر ستانو، أنه على اتصال مع الشركاء لمعرفة المزيد حول هذا التحالف.
وقال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إنه يتفهم سبب خيبة أمل فرنسا من الاتفاقية، مضيفا أنه لم تُجر استشارة الاتحاد الأوروبي بشأن التحالف الجديد.
وقال بوريل "هذا يدفعنا مرة أخرى إلى التفكير في الحاجة إلى جعل مسألة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي أولوية، وهذا يظهر أننا يجب أن نعيش بمفردنا".
غضب آسيوي ينطلق من عقاله
منذ اللحظة الأولى لإعلان تأسيس تحالف "أوكوس"، لم يكن خافيًا على الصين أن الخطوة الغربية الكبيرة موجهة ضدها بالأساس، ذلك أن المحيطين الهادئ والهندي هما مجال نفوذ الصين الأهم والأوسع خارج حدودها.
ومن هنا جاء وصف الصين تحالف أوكوس بأنه خطوة "غير مسؤولة" و"ضيقة الأفق". وقال تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن التحالف يخاطر "بإلحاق أضرار جسيمة بالسلام الإقليمي وتكثيف سباق التسلح". وانتقد ليجيان ما وصفه بأنه "عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن"، محذرا من أن الدول الثلاث "تضر بمصالحها".
ونشرت وسائل إعلام حكومية صينية مقالات افتتاحية تنتقد الاتفاقية، وقالت صحيفة "جلوبال تايمز" إن أستراليا "حولت نفسها الآن إلى خصم للصين".
وذكرت السفارة الصينية في أستراليا، أنه يتعين على الأخيرة «التخلي عن عقلية المحصلة الصفرية البالية للحرب الباردة والتصور الجيوسياسي ضيق الأفق والتوقف عن مزيد من الانزلاق على طريق الإضرار بالعلاقات الصينية الأسترالية».
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تعد الصين أكبر شريك تجاري لأستراليا، وحافظ الطرفان في الماضي على علاقات جيدة. بيد أن العلاقة شهدت في السنوات الأخيرة تصدعا عميقا بسبب توترات سياسية، تأججت عندما انتقدت أستراليا معاملة الصين لأقلية الإيجور، وحظرت بعض التكنولوجيا من شركة الاتصالات العملاقة "هواوي"، ودعمت تحقيقات تهدف إلى معرفة أسباب جائحة كورونا.
وبدورها، عبرت ماليزيا اليوم السبت عن مخاوفها من أن تؤدي الخطط الأسترالية الرامية لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية بموجب اتفاق جديد مع بريطانيا والولايات المتحدة إلى سباق للتسلح النووي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقال مكتب رئيس الوزراء الماليزي في بيان “سيثير ذلك قوى أخرى لاتخاذ إجراءات أكثر عدوانية في المنطقة خاصة في بحر الصين الجنوبي”. وحثت ماليزيا جميع الأطراف على تجنب أي أعمال استفزازية وأي سباق تسلح في المنطقة.
ولم يأت البيان على ذكر الصين لكن السياسة الخارجية لبكين في المنطقة تتسم بالحزم الشديد لا سيما فيما يتعلق بالتأكيد على مطالبها بالسيادة في بحر الصين الجنوبي الغني بالموارد والتي يتعارض بعضها مع مطالب ماليزيا.
وأعلن مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، أن تحالف "أوكوس" من وجهة النظر السياسية، موجه ضد الصين.
وقال أوليانوف "إن هذا الأمر يمس مسألة انتهاك معاهدة عدم الانتشار النووي لأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تسعيان على مدى 17 شهراً لتحديد ما ينبغي تحقيقه لمساعدة أستراليا على استيعاب تكنولوجيا إنتاج الغواصات النووية".
وأضاف أن هذه المسألة حساسة للغاية لأن هذه الغواصات تستخدم يورانيوم عالي التخصيب، والذي يمكن استخدامه لصنع أسلحة نووية، مؤكدا أن هذا التحالف من الناحية السياسية موجه ضد الصين.
استفزاز وطمأنة في آن واحد
وفي رد فعل مضاد على الاستياء الأوروبي والآسيوي إزاء تحالف "أوكوس"، سارعت أطراف التحالف إلى طمأنة الأطراف المعنية إلى طبيعة التحالف الجديد وحسن نوايا أعضائه، وإن بررت إقدامها على تأسيس هذا التحالف بمخاوفها من الطموحات التوسعية الصينية وبرنامجها النووي.
وقال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، إن هذه الخطوة «في مصلحة الجميع بما في ذلك مصالح الصين للحفاظ على منطقة آمنة ومستقرة»، ولكنه أضاف، أن أستراليا لها الحق في اتخاذ قرارات تخدم مصالحها الخاصة، كما أن الصين نفسها «لديها برنامج جوهري للغاية لبناء الغواصات النووية».
وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في وقت لاحق إن الاتفاقية "ستحافظ على الأمن والاستقرار في شتى أرجاء العالم"، وسوف تتيح "مئات الوظائف التي تتطلب مهارات عالية". وفي الوقت ذاته قال وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، إن الصين "تشرع في واحدة من أكبر عمليات الإنفاق العسكري في التاريخ. يريد شركاؤنا في تلك المناطق أن يكونوا قادرين على الصمود في أرضهم".
ما هو تحالف أوكوس؟
مساء الأربعاء الماضي، أطل الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيسا الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون، ليعلن ثلاثتهم في مؤتمر صحفي افتراضي مشترك عن تأسيس تحالف ثلاثي يحمل اسم الدول الثلاث مرموزًا إليها بحروف أسمائها الأولى "AUKUS"، وهدفه الأساسي ضمان أمن المحيطين الهادئ والهندي.
وعلى الرغم من عدم ذكر الصين صراحة، أشار القادة الثلاثة مرارا إلى مخاوف أمنية إقليمية قالوا إنها "نمت بشكل كبير". وجاء في بيان مشترك أن "هذه فرصة تاريخية للدول الثلاث، مع حلفاء وشركاء متشابهين في التفكير، لحماية القيم المشتركة وتعزيز الأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
ويعني ذلك أن أستراليا ستصبح سابع دولة في العالم تمتلك تشغيل غواصات تعمل بالطاقة النووية. وعلى الرغم من أنها تمثل العنصر الأكثر أهمية في الاتفاقية، إلا أنه سيجري أيضا تبادل قدرات الفضاء الإلكتروني وتقنيات أخرى الموجودة تحت سطح البحر.
وكانت الصين حازمة بشكل متزايد بشأن ما تصفه بأنه حقوق تعود إلى قرون في منطقة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليها، وتعمل بسرعة على بناء وجودها العسكري لدعم هذه الادعاءات.
كما عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة، واستثمرت بكثافة في شراكات أخرى في المنطقة مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية. ويقول خبراء إن وجود الغواصات في أستراليا أمر بالغ الأهمية لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.